مجلة وفاء wafaamagazine
كتبت صحيفة “النهار”:
مع أن السخونة في المشهد السياسي الداخلي تبقى اقل خطورة من تصاعد المخاوف من السخونة المتصاعدة على جبهة الحدود اللبنانية- الإسرائيلية المنذرة بتفاقم ميداني متدحرج يوما بعد يوم، فان الأيام القليلة المقبلة تبدو بمثابة فترة تجريبية جديدة، وداخلية هذه المرة بعد الزيارة الأخيرة للموفد الفرنسي جان ايف لودريان، لتحريك القعر الجامد للازمة الرئاسية التي استعصت على كل الوساطات والمبادرات والتحركات. ذلك أنه عشية اقتراب مرور سنة كاملة على آخر الجلسات النيابية لانتخاب رئيس الجمهورية في الرابع عشر من حزيران (يونيو) الماضي، تنطلق اليوم مبادرة تحرك جديدة لتكتل “اللقاء الديموقراطي” والحزب التقدمي الاشتراكي برئاسة النائب تيمور جنبلاط وسط شكوك ثابتة في إمكان نجاح أي وساطة ما دامت الوقائع والشروط السياسية التي تحكم قبضتها على الازمة لا تبدو قابلة لاي تبديل في الآفاق القريبة المدى. ولم يكن أدل على “المشقة” التي حمل “اللقاء الديموقراطي” (الجنبلاطي) نفسه إياها بعد تجربة سابقة قام بها الزعيم الدرزي وليد جنبلاط في مطالع الأزمة وطرح عبرها ثلاثة مرشحين من الفئة الثالثة من أن أجواء احتدام سياسي لاحت بقوة من خلال سجال لم يخلُ من حدة بين عين التينة ومعراب واكتسب دلالات تصعيدية إضافية في افق الازمة.
وفي المعطيات التي توافرت لـ”النهار” عن طبيعة الأفكار والاتجاهات التي سيشرع “اللقاء الديموقراطي” في تحركه على أساسها في اجتماعاته مع الأحزاب والتكتلات السياسية، فهي تستند الى تأكيد أهمية التوصل إلى تسوية لانتخاب رئيس وفاقيّ سريعاً مع تداول بعض الأفكار التي يعتبرها “اللقاء” جيّدة لأيّ انعقاد لقاء تشاوريّ أو تحاوريّ لاحق. وسيشدد “اللقاء” على أنه من الضروريّ بحث سبل انتخاب رئيس سريعاً على أن تتمحور الخطوة التي يمكن الانطلاق منها بحسب التحضيرات التي يأخذها “اللقاء الديموقراطي” على عاتقه، حول الاتفاق على السبل التشاورية أو الحوارية التي لا يزال يراهن على إمكان التوصّل إليها. وفيما يطرح فكرة الرئيس غير الاستفزازيّ القادر على تولّي زمام السلطة مع تشكيل حكومة كاملة الصلاحيات، فإنّه سيطرح في اجتماعاته ضرورة الاتفاق بين الكتل النيابية لأنّه من غير الممكن انتخاب رئيس يلغي فريقاً سياسيّاً أو يضعف فريقاً آخر.
وسوف يبدأ وفد من “التكتل” برئاسة تيمور جنبلاط اليوم بجولته بمحطة أولى في معراب حيث يلتقي رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع وبعض نواب الكتلة القواتية، ثم ينتقل الى لقاء ثانٍ مع رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل على أن تتحدد مواعيد الجولة على الكتل الأخرى تباعاً.
بين بري وجعجع
في غضون ذلك، احتدمت السجالات الكلامية والإعلامية الجارية منذ فترة بين عين التينة ومعراب إذ رد جعجع على حديث لرئيس مجلس النواب نبيه بري اتهمه فيه بعرقلة الحوار ورئاسة الجمهورية والعودة إلى مشروع الفيدرالية. واعتبر جعجع أنه “لا يمكن للرئيس بري أن يتخطى صلاحياته ويشرّع، هو رئيس بما اعطاه اياه الدستور وليس بمحاولة السيطرة على سائر المؤسسات الدستورية”. وسأل: “بربكم أي مادة في الدستور اللبناني تنص على أنه قبل كل انتخابات رئاسية يدعو رئيس المجلس الى طاولة حوار تحضرها الكتل للتشاور في انتخابات رئاسة الجمهورية؟ بري أسقط عن وجهه القناع هو يحاول خلق عرف ومواد دستورية غير منصوص عنها. لسنا مع طاولة الحوار برئاسة بري إنما مع الاتصالات والمشاورات بين الكتل”.
ورد على اتهام بري له بموضوع الفيدرالية قائلاً “إن من يقيم تقسيماً كاملاً وليس فقط فيدرالية، هو محور الممانعة وبالدليل القاطع. من لديه جيش رديف وأمن رديف ومؤسسات رديفة ويسيطر على مؤسسات الدولة، وينشئ معابر خاصة به، ومن يتخذ قرار الحرب بمعزل عن رأي اللبنانيين وحتى عن الحكومة التي يملك الأكثرية فيها هو من يقسّم لبنان. إن كنا نأخذ في الاعتبار الوضع الدقيق في البلاد ، فليسمح لنا الرئيس بري، هذا قول لا يصح الا على محوره الممانع”.
يشار الى أن النائب علي حسن خليل وصل أمس إلى العاصمة القطريّة الدوحة، موفداً من بري الذي كان تلقّى دعوة لزيارة قطر وذلك بعد يومٍ واحدٍ من وصول وفدٍ من حزب “القوات اللبنانيّة”.
وقام أمس وزير الخارجية الإيراني بالإنابة علي باقري كني بأول زيارة خارجية له بعد تعيينه إلى بيروت حيث قال في جولته على المسؤولين أن “الهدف الرئيسي للزيارة هو للتعبير عن شكري وتقديري للشعب اللبناني والحكومة على مشاركتهم في مراسم تشييع الرئيس الإيراني”. واكد “أننا نتشاور دائمًا مع لبنان بشأن التطوّرات في المنطقة”، لافتاً إلى أن “ايران لم توفّر جهدًا لدعم الاستقرار في لبنان وتأمين رفاهية الشعب”.
وقال: “المقاومة هي أساس الثبات والاستقرار في المنطقة، وتطرقنا إلى تطوّرات غزة ورفح”، لافتاً إلى أننا “اتفقنا على مبادرة تتمثّل في عقد اجتماع طارئ للدول الأعضاء في منظمة دول التعاون الإسلامي”.
وسط هذه الأجواء لم تتبدل صورة التصعيد المتدحرج في الجنوب في ظل وتيرة العمليات والاستهدافات بين الجيش الإسرائيلي و”حزب الله” حيث أشعلت الغارات الإسرائيلية التي تكثفت بشكل لافت أمس مناطق حدودية واسعة امتداداً إلى تخوم البقاع الغربي. وفي جديد التهديدات الإسرائيلية للبنان، اعتبر وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش أنه “لا بد من ضرب عاصمة الإرهاب بيروت كي تنشغل بتأهيل نفسها بعد ضرباتنا”. وأضاف، “قلت لنتنياهو إننا نقف إلى جانبك لتحقيق الحسم وسنقف ضدك إذا اخترت الاستسلام”.
ومن جهته دعا رئيس حزب “إسرائيل بيتنا” أفيغدور ليبرمان إلى شنّ “ضربةٍ إستباقيّة ضدّ حزب الله في لبنان”، مشيراً إلى أنّه على “إسرائيل أَخْذ المبادرة واتّخاذ قرارٍ للتحرُّك باتّجاه الحزب”.وقال ليبرمان إنّ “الحرائق في كلّ اتّجاهٍ، بالمنطقة الشماليّة الإسرائيليّة المُحاذية للبنان”، مضيفاً، “هناك 180 منزلاً في مُستوطنة المطلّة تعرّض لأضرارٍ مباشرة… لقد تمَّ تدميرُ كلّ شيءٍ. حتّى الأرصفة التي نمشي عليها تمّ تدميرُها بسبب دباباتنا”.وقال إنّ “إيران تُحَضّرُ لشنّ هجومٍ ضدّ إسرائيل خلال عامَين… هذا الهجومُ سيكونُ مُنسَّقاً من إيران نفسها ومن لبنان، بواسطة “حزب الله” ومن قطاع غزّة عبر حماس، ومن سوريا بواسطة جماعات موالية لإيران، ومن اليمن بواسطة قوات الحوثي”.
واستهدفت مسيرة إسرائيلية سيارة بين بلدة الخرايب والزرارية وكوثرية الرز بأربعة صواريخ ما أدى الى سقوط قتيل. وشن الطيران الحربي الاسرائيلي 5 غارات على مرتفعات جبل الريحان. كما شن غارة على جبل ابو راشد، في خراج بلدة ميدون قرب السريرة في منطقة جزين. واستهدفت مسيرة دراجة نارية في بلدة الناقورة ما أدى الى سقوط قتيل واصابة شخص اخر. وتسبب القصف المدفعي التي تتعرض له بلدة علما الشعب لجهتها الشرقية إلى اشتعال النيران في المنطقة. واندلع حريق في حقول القمح في سهل مرجعيون قبالة المطلة جراء إلقاء الجيش الاسرائيلي القنابل الحارقة، كما تعرضت بلدة كفركلا لقصف بقذائف الهاون.
في المقابل، أعلن “حزب الله” استهدافه لآليّة عسكريّة، في جبل عداِثر بالصواريخ الموجّهة ما أدّى إلى تدميرها واشتعال النّيران فيها وإيقاع طاقمها بين قتيلٍ وجريح كما إستهدف جنوداً في خلّة وردة، وكذلك التجهيزات التجسسية في موقع المالكية. واشار إعلام إسرائيلي الى اسقاط مسيّرة تابعة لـ “حزب الله” قنبلة في منطقة المطلة وعادت إلى جنوب لبنان. وحلق طيران حربي إسرائيلي مساء فوق الزهراني فيما أغار لاحقا على الكفور قرب النبطية.