الرئيسية / آخر الأخبار / جلسة “تحليل” للدكتور طلال حاتوم وصف فيها المشهد بدقة !

جلسة “تحليل” للدكتور طلال حاتوم وصف فيها المشهد بدقة !

مجلة وفاء wafaamagazine

كتب الدكتور طلال حاطوم في ” الجمهورية”

مُرغم انت على التسمّر أمام شاشة التلفزيون لمتابعة الأحداث ووقائعها في هذا الظرف، دون ان يكون لك (حول او طول) في تغيير مسار المعارك، او ايقاف القصف ومنع الدمار، بل تتحول الى آلة حاسبة تعدّ القذائف والبيوت المدمرة والشهداء والجرحى. وتقول الحمد لله.
واذ، (فجائية لا محلّ لها من الاعراب) تمتلىء الشاشة (50 انش)، (على ما يقولون) بواحد عاقد الحاجبين على الجبين اللّجين، يتمترس امام مذيعة تخرجت بالامس من كلية ما، و(طلست مساحيق) على كامل مساحة الكرة الارضية، تسأله عن (رأيه) في ما يحدث، كونه واحداً من جهابذة العصر يحمل صفة لا تتسع لها مساحة شريط الاخبار اسفل الشاشة: (محلل استراتيجي وعسكري وباحث سياسي في الشؤون الدولية)، ومتابع نهم للاحداث من على شرفة منزله، وخلفه وخلفها (كروما)، اي شاشة تحمل صوراً مركبة عن دمار ونار مشتعلة و(مشحرين اصيبوا) حتى يظن المشاهد انهما على خطوط النار في الجبهة.
يبدأ الحديث: وهو يفرك بيديه تارة، ويومئ بهما تارة اخرى بلغة جسد تقول الكثير مما يخفى، ويحدد مواقع ومواقيت ونوعيات اسلحة حتى المتحاربين لا يعرفون انها موجودة لديهم، وهي تستمع اليه يجزم ويحسم، وكأن على رأسها الطير، ويستمران بسردية كتب نجيب محفوظ (ثرثرة فوق النيل) من اجلهما، وتمر الساعات، والعمر، وهو لا يكل وهي لا تمل.
تحاول ان (تهرب بجلدك) الى قناة اخرى، فتجد البلاء العظيم: شاشات مفتوحة من أربع رياح الارض وعلى كل شاشة وحش (مثل افلام الترسو ايام المرحوم فريد شوقي) يتحدثون بلغات عصية الترجمة ومعرفة المعاني، ومترجم مصرّ على ايجاز الحديث (او يترجم على قدر معرفته).
تسأل نفسك ان كنت مجبراً على المتابعة وتحسب انه قد يمر خبر عاجل او اعلان، لكن محال.
اختم بخاطرة ارسلها لي احد الاصدقاء، اظن انها تعبر عن واقع الحال، واستميح العذر ان أسردها:
في جلسة على فنجان قهوة مرّة، وقت العصر، في مقهى لاصحاب النخبة، جمعت ـ الجلسة ـ مشاريع أطباء أغرار (هم قيد التدرب على المهنة) في اختصاص العظم والمفاصل والروماتيزم يتحدثون عن اختصاصاتهم وسعة معرفتهم ويتبارون في قدرتهم على التحليل والتشخيص والعلاج لمرضاهم المستقبليين، صودف رؤيتهم لرجل مقبل عليهم من بعيد، وهو “يعرج” ويجرّ قدماً تلو الاخرى بما يُظهر حالة من الألم الشديد.
قال واحد منهم مفتتحاً النقاش: يبدو ان هذا الرجل عنده “كسر في قدمه” هو سبب عرجه.
فرد اخر: اغلب الظن انه يعاني من التهاب (الرباط الصليبي).
وقال ثالث بتعجب من عدم معرفة السابقَين: بل هو يعاني التهاباً في المفاصل وهو واضح في مشيته.
حاول الرابع حسم النقاش برأيه الطبي البحت، بعد قرّب نظاراته من انفه: هذا الرجل مصاب اصابة قديمة وهو يعاني منها الان في هذا الوقت من السنة.
همَّ آخرهم ان يزيد بأن عامود الرجل الفقري هو سبب هذا العرج، وكان الرجل قد اقترب منهم محيياً قائلاً:
عذراً على الازعاج.
هل تعرفون دكاناً لــ “اسكافي” قريب ينزع المسمار من حذائي؟
بس هيك.