مجلة وفاء wafaamagazine
كتبت صحيفة “الجمهورية” تقول:
المشهد نفسه يتكرّر يومياً، منذ بدء العدوان الإسرائيلي على لبنان؛ قصف مدفعي وغارات جوية تدميرية مكثفة على أهداف مدنية وسكنية في القرى والبلدات اللبنانية، وردٌ صاروخي مقابل من «حزب الله» على القواعد والمواقع والمستوطنات والمدن الإسرائيلية وشملت حيفا بالأمس. وما سمّتها إسرائيل مناورة برية في جنوب لبنان تواجه في الاسبوع الثالث لإطلاقها، بمواجهات عنيفة في القرى والبلدات الجنوبية المتاخمة للخط الحدودي.
وإذا كان ميدان المواجهات، وعلى الرغم من عنفها واتساع رقعة الاعتداءات الاسرائيلية، لم يصل بعد إلى السقف الأعلى من التصعيد، فإنّ الوقائع الحربية المتدحرجة، وما يوازيها من استعدادات وتهديدات وتحشيدات اضافية، تؤشر الى أنّ ميدان المواجهات على شفير اشتعال كبير، فيما لفت إعلان الرئيس الأميركي جو بايدن من المانيا انّ هناك إمكانية لوقف اطلاق النار في لبنان».
يبرز في السياق الأميركي أيضاً، قول الوسيط الأميركي آموس هوكشتين لقناة «الجديد»: «إنني أتواصل مع السياسيين اللبنانيين بشكل متواصل وأتوقع أن أزور لبنان في المستقبل القريب جداً».
وقال إنّ «الوقت حان لانتخاب رئيس للجمهورية في لبنان، ورئيس مجلس النواب نبيه بري مسؤول عن هذه العملية ضمن مجلس النواب، وعلى الشعب اللبناني أن يقرّر ما إذا كان قائد الجيش هو المرشح الأنسب»، معتبراً أنّ تحقيق الأمانة والسلامة في كل لبنان وإقامة حكومة وانتخاب رئيس تعيده إلى درب الازدهار، ويجب أن يثق الشعب اللبناني بدولته والمطلوب تخطّي الفروقات السياسية والتلاقي حول المصير المشترك. وأكّد على أنّ المسؤول عن سيادة لبنان هو الجيش اللبناني، لافتاً الى أنّ القرار 1701 نجح في إنهاء الحرب عام 2006، لكن لم يتمّ تطبيقه، وقال: «يجب تعديل القرار 1701، وهو الركيزة التي تضمن الأمن على الخط الازرق. ويجب علينا السير في طريق مختلف، حيث يمكن للبنان الحفاظ على أمنه ومسؤوليتنا دعمه. كما أنه علينا النظر الى كيفية وضع حدّ للنزاع في لبنان ولا يجب ربط الأمر بالنزاعات الاخرى». وقال: «تاريخكم حافل بالصراع مع إسرائيل التي احتلت لبنان، وعليها مغادرته. وعلى الجيش اللبناني ضمان السلامة والامن في لبنان».
الوضع يتدحرج
يعزز فرضية الاشتعال، ما يصرّح به ديبلوماسيون عرب وغربيون، حول «انسداد الأفق بشكل كامل». وبحسب معلومات موثوقة لـ«الجمهورية»، فإنّ مثل هذا الكلام الديبلوماسي جرى إبلاغه بوضوح في الساعات الأخيرة إلى مراجع رسميّة رفيعة، وخلاصته، «انّ ما جرى ويجري من مبادرات وجهود لوقف اطلاق النار، وخصوصاً من قبل الفرنسيين، لا يعدو أكثر من مبادرات فردية من جانب واحد، لا إجماع عليها، وخصوصاً انّ عدداً كبيراً من الدول ما زالت متردّدة حيال الشراكة الفاعلة في هذه الجهود. ولا سيما في ظل إحجام الولايات المتحدة الاميركية في الوقت الحاضر عن لعب أيّ دور فاعل أو ممارسة ايّ ضغوط مباشرة لوقف النار».
الجهد الفرنسي
وفي سياق متصل بهذه الأحداث، وتزامناً مع اعلان الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون عن انعقاد مؤتمر لدعم لبنان وسيادته في 24 تشرين الاول الجاري (يوم الخميس من الاسبوع المقبل)، قائلاً: «انّه قضية اساسية، وانّ لبنان وهو بلد اعظم من نفسه، يحمل رسالة سلام وتنوّع ذات قيمة للمنطقة بأكملها»، عكست زيارة السفير الفرنسي هيرفي ماغرو لرئيس مجلس النواب نبيه بري بالأمس، تأكيداً متجدداً من قبل باريس على استمرار جهودها لتحقيق وقف لاطلاق النار.
وقال مصدر ديبلوماسي لـ«الجمهورية»، إنّ باريس ماضية في التحرّك على مجموعة خطوط، بدءاً من النأي بقوات «اليونيفيل» عن أيّ استهداف وخصوصاً من قبل الإسرائيليين، وبالتزامن مع حشد أعلى مستوى من الدعم للبنان، وهو ما ينشده مؤتمر دعم لبنان الذي سيُعقد في باريس، مع التركيز بشكل أساسي على إنجاز الملف الرئاسي في لبنان في أقرب وقت ممكن (برغم انّ كل التقديرات تتقاطع حول انّ هذا الملف رُحِّل الى ما بعد انتهاء العدوان الاسرائيلي). إضافة الى تزخيم حركة الإتصالات الدولية لإعادة الأمن والاستقرار في جنوب لبنان على قاعدة القرار 1701».
ولفت المصدر، إلى انّ باريس تعتبر التجاوب اللبناني مع مسعاها بإعلان تمسكه بالقرار 1701 والاستعداد لنشر الجيش في منطقة عمل القوات الدولية إنفاذاً للقرار 1701، خطوة بالغة الأهمية ومتقدمة جداً يُبنى عليها لتحقيق الأمن والاستقرار على جانبي الحدود بين لبنان واسرائيل. الّا انّ العقدة الصعبة حالياً تتجلّى في تجاهل اسرائيل للمساعي الجارية، وتوجّه رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو الى التصعيد. وهذا المنحى كما هو واضح يحظى بتناغم اميركي معه».
وقال: «الفرنسيّون يمسكون العصا من الوسط لبلوغ حل ديبلوماسي بموافقة جميع الاطراف، فيما الاميركيون يمسكون العصا حالياً من الطرف الإسرائيلي، ويريدون لإسرائيل أن تتمكّن من تحقيق انجازات ميدانية ملموسة. وتبعاً لذلك فإنّ باريس على تواصل حثيث مع واشنطن، تحديداً لصياغة تسوية على الخط اللبناني، على اعتبار انّ هذا ما سيحصل في نهاية المطاف، وبالتالي فإنّ التعجيل بهذه التسوية يخدم مصلحة كلّ الأطراف، فيما طول أمد الحرب قد يؤدي الى منزلقات خارج نطاق السيطرة، لا بحجمها ولا بمداها ولا بساحاتها القتالية».
إسرائيل ومستنقع الاستنزاف
وفيما بقيت وتيرة الميدان على ارتفاعها لجهة الغارات الجوية المكثفة والقصف المدفعي العنيف على معظم المناطق الجنوبية والبقاعية، لوحظ بالأمس استمرار الحشد الإسرائيلي مع اعلان الجيش الاسرائيلي في الساعات الماضية عن أنّه «بناءً على تقييم الوضع تقرّر استدعاء لواء احتياط آخر للمهام العملياتية على الجبهة الشمالية، حيث يتيح تجميد اللواء مواصلة الجهود القتالية في مواجهة «حزب الله» وتحقيق أهداف الحرب ومن ضمنها إعادة سكان الشمال الى منازلهم». بشكل متزامن مع اعلان وزير الطاقة الاسرائيلي بأنّ اتفاق الغاز مع لبنان خطأ، وانّه بدأ بدرس ما سمّاها «الأدوات المتاحة لدينا لإلغائه».
إلى ذلك، أبلغ مسؤول كبير إلى «الجمهورية» قوله، رداً على سؤال حول هذه المستجدات: «هذه الحشود اليومية تعاكس ما يدّعيه الجيش الإسرائيلي من تمكنه من تحقيق انجازات، بل على العكس من ذلك، تؤكّد فشل عمليته البرية التي لم تتمكن من تجاوز خط الحدود حتى الآن. امّا في ما خص الإتفاق البحري، فليس من شيء غير متوقع من قبل الاسرائيليين».
اما في ما خصّ التهديد بإلغاء الاتفاق البحري، يضيف المسؤول عينه، «إنّ الاميركيين شركاء فيه، وموقف لبنان ثابت لناحية تمسكه بحقوقه وسيادته على بره وجوه وبحره. وحقه في الدفاع عنها. هذا الأمر يشرّع كل الاحتمالات امام منصات الغاز الاسرائيلي وعلى وجه الخصوص في حقل كاريش».
ولفت المسؤول عينه إلى «انّ تعمّد اسرائيل إلى تصعيد كبير أمر غير مستبعد مع المتطرفين الحاكمين فيها، هم يريدون ان يحققوا انتصاراً سريعاً، يفرضون من خلاله مشيئتهم وشروطهم على لبنان، هم يتحدثون عن انتصار مسبق، لكن الميدان العسكري لم يقل كلمته الأخيرة، وعمليتهم البرية جامدة على الحدود، وتؤشر المجريات إلى انّهم سقطوا في ما حذّر منه إعلامهم وخبراؤهم العسكريون السياسيون، أي الغرق في مستنقع استنزاف طويل، يعترفون يومياً بأكلافها عليهم، كما يعترفون بأنّ المقاومة التي يواجهونها منذ بداية هذه العملية، تثبت انّ «حزب الله» لم ينكسر برغم الضربات التي تلقّاها، بل استعاد عافيته وأثبت قدراً عالياً من الثبات والصد للعدوان».
مشاورات بري
سياسياً، اكّدت المعلومات انّ خطوط التواصل لوقف اطلاق النار مفتوحة في اتجاهات دولية مختلفة، وفي هذا الاطار تلقّى رئيس مجلس النواب نبيه بري اتصالاً هاتفياً من مفوض السياسة الخارجية في الاتحاد الاوروبي جوزيب بوريل، حيث جرى البحث في اهمية التوصل الى وقف لاطلاق النار ليُصار الى تطبيق القرار 1701 وانتخاب رئيس للجمهورية». وشكر الرئيس بري لفرنسا والاتحاد الاوروبي تنظيم المؤتمر الدولي المنوي عقده في بارئيس لمؤازرة لبنان إنسانياً وسياسياً، لمواجهة التداعيات الناجمة عن العدوان الاسرائيلي المتواصل على لبنان واللبنانيين، والذي تسبّب بنزوح اكثر من مليون ومئتي الف لبناني.
كذلك تلقّى بري رسالة خطية من وزير الخارجية الفرنسية جان نويل بارو، حول التطورات الجارية، ورؤية فرنسا وخطواتها الرامية الى تحقيق الامن والاستقرار في لبنان وعلى جانبي الحدود. اضافة الى الملف الرئاسي وأهمية التعجيل في حسم هذا الامر.
دعم ايطالي
وفي الجهد الاوروبي الداعم للبنان، وصلت رئيسة الوزراء الايطالية جورجيا ميلوني في زيارة دعم الى بيروت، والتقت الرئيس بري ورئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي.
وقال ميقاتي في مؤتمر صحافي مشترك مع ميلوني: «لا اولوية تعلو على وقف اطلاق النار واستهداف المدنيين وتدمير البلدات والقرى»، مشدّداً على «التزام لبنان بالتطبيق الكامل لكافة القرارات الدولية الخاصة به، لا سيما القرار 1701»، مجدّداً «التزام لبنان بتعزيز وجود الجيش في الجنوب ليقوم بمهامه كاملة بالتعاون مع قوات اليونيفيل».
بدورها، شدّدت ميلوني على أنّ استهداف قوات «اليونيفيل» أمر غير مقبول ويجب ضمان سلامتها، لافتة إلى «أننا نعمل للتوصل إلى وقف مستدام لإطلاق النار في غزة ولبنان، ونحن ندعو إلى هدنة مدّتها 21 يوماً». وقالت: «لقد توافقنا على التطبيق الكامل والفوري للقرار 1701 ، وهذا يعني ايضاً انّه في منطقة جنوب نهر الليطاني يجب الاّ يكون هناك اي وجود عسكري غير اليونيفيل والجيش اللبناني».
ميقاتي وتصريحات قاليباف
وعلى صعيد آخر، استغرب الرئيس ميقاتي حديث رئيس البرلمان الإيراني محمد باقر قاليباف، من انّ طهران مستعدة للتفاوض مع فرنسا بشأن تطبيق قرار مجلس الامن الدولي الرقم 1701. واعتبر انّ هذا الموقف يشكّل تدخّلاً فاضحاً في الشأن اللبناني، ومحاولة لتكريس وصاية مرفوضة على لبنان. ونفى مصدر مقرّب من قاليباف لـ»الميادين» ما نُقل عنه، مؤكّداً انّ ما تؤيّده الحكومة والمقاومة في لبنان بشأن وقف اطلاق النار ستؤيّده ايران.
«حماس» تنعى السنوار
اقليمياً، نعت حركة «حماس» رسمياً امس، رئيس مكتبها السياسي يحيى السنوار، وقال القيادي في الحركة خليل الحية في كلمة متلفزة: «ان استشهاد السنوار ومن سبقه من القادة لن يزيد حركتنا الّا قوة وصلابة، وانّ اسرى الاحتلال لن يعودوا الّا بوقف العدوان على غزة والانسحاب الكامل منها وخروج أسرانا من سجون الاحتلال».