مجلة وفاء wafaamagazine
كتبت صحيفة “الأخبار”:
لا يبدو رئيس الحكومة المكلّف نواف سلام راغباً بالعمل تحت ضغط القوى التي تطالبه بإنجاز تأليف الحكومة سريعاً، إذ يرى أن لديه متسعاً من الوقت، استناداً إلى تجارب من سبقه، قبل إعلان تشكيلة حكومية تناسبه، وتكون قادرة على البقاء حتى موعد الانتخابات النيابية المقبلة.
ويحرص سلام الذي لا يقطع التواصل مع أي جهة سياسية على الحديث عن «مناخ تعاون إيجابي» مع الرئيس جوزيف عون، لكنّه يصرّ على أن تشكيل الحكومة يجب أن يراعي ما يعتقد بأنه قادر على القيام به بصورة مختلفة عن الحكومات السابقة. لذلك، يؤكد على أن يكون القرار له في اختيار الأسماء المرشحة لتولي الحقائب، ويضع شروطاً تعتبرها بعض القوى قاسية، خصوصاً أنه رفض ترشيحات قدّمتها أكثر من جهة سياسية، بناءً على ملاحظات حول «الميول الحزبية الواضحة» لبعض الأسماء، كما توقف عند السير الذاتية لآخرين، مشيراً إلى أنه يريد شخصيات تملك رصيداً معرفياً وعلمياً وخبرة، مع ميل واضح إلى خرّيجي الجامعات الأميركية أو الجامعة اليسوعية في بيروت.
وفي ما خصّ توزيع «الحصص» الوزارية، فإن لسلام تصوّره لمنح كل جهة ما تستحقّه من مواقع، وهو يجري مفاضلة في الحقائب بطريقة يعتقد بأنها الأنسب لانسجام الحكومة. وبعدما كان يفضّل كسر عرف الحقائب السيادية، ودعوة عون له إلى تجاوز هذا الأمر الآن، انتقل إلى التركيز على هوية من سيتولون الحقائب. وهو قال أمام زواره إنه سيعطي المالية للشيعة، ويريد بقاء الداخلية مع السنّة، وإن رغبة الرئيس عون هي بتولي ماروني وزارة الدفاع، وسيحيل الخارجية تلقائياً إلى الروم الأرثوذكس.
وهو يعتقد بأن الطابق الثاني من الوزارات التي توصف بالخدماتية، كافٍ لإرضاء كل القوى السياسية، شرط ترشيح شخصيات مقبولة لها.ويبدو أن سلام يواجه الآن تحدياً على ثلاثة مستويات:
الأول مع الثنائي أمل وحزب الله. فرغم موافقته على منح المالية لوزير شيعي، إلا أنه يريد أن يكون شريكاً في تسمية أحد الوزراء الشيعة الخمسة، ويعتقد بأن بمقدور الثنائي التنازل له في هذا المجال، خصوصاً أنه لن يختار شخصية معادية للثنائي، ويتكل في ذلك على مبادرة من الرئيس نبيه بري الذي سبق أن تنازل عن مقعد وزاري شيعي في حكومة ترأّسها الرئيس نجيب ميقاتي لتوزير نائب سنّي من حلفاء الحركة والحزب.
الثاني مع القوى المسيحية، إذ تعتبر «القوات اللبنانية» أن من حقها الحصول على أربعة مقاعد، من بينها نائب رئيس الحكومة، وهو ما يرفضه عون وسلام، إذ يفترضان أن حصة القوات ثلاثة وزراء ليسوا جميعاً من الموارنة، وأن تُعطى حقيبة أساسية من الحقائب الثلاث. أما مع التيار الوطني الحر، فقد وصل سلام إلى ما يشبه الاتفاق على ثلاثة مقاعد لتكتل لبنان القوي، على أن يكون النواب الأرمن من ضمنه، وبالتالي تكون حصة التكتل مؤلّفة من مقعدين، ماروني وأرثوذكسي، على أن يُسمّى الوزير الأرمني بالتشاور بين سلام والتيار الوطني الحر وحزب الطاشناق. لكنّ المشكلة مع التيار تبدو أكبر لناحية الأسماء، إذ رفض سلام حتى الآن كل الأسماء التي قدّمها النائب جبران باسيل بحجة أنها أسماء معروفة بصلتها بالتيار الوطني الحر.
الثالث يتعلق بحصص الكتل الموزّعة بين مستقلين وتغييريين وتجمعات نيابية خصوصاً في منطقة الشمال. وهو وإن وعد حزب الكتائب بوزير ماروني، إلا أنه يريد أن يمنح هذه الكتل مجتمعة نحو أربع حقائب فقط، مع تجديد شرطه بأن تقدّم هذه الكتل عدة مرشحين لكل حقيبة، ويُترك له قرار التسمية.
وقد خرج سلام أمس ببيان علّق فيه على ما يُتداول بشأن تشكيل الحكومة، سواء لجهة موعد إعلانها أو الأسماء والحقائب المعنية، مؤكداً «أنني أواصل مشاوراتي لتشكيل حكومةٍ تكون على قدر تطلعات اللبنانيات واللبنانيين وتلبّي الحاجة الملحّة إلى الإصلاح، ولا أزال متمسكاً بالمعايير والمبادئ التي أعلنتها سابقاً. كما أعود وأؤكد أن كل ما يتردّد عارٍ عن الصحة وفيه الكثير من الشائعات والتكهنات، يهدف بعضها إلى إثارة البلبلة. فلا أسماء ولا حقائب نهائية».
وكان رئيس مجلس النواب نبيه بري قال في حديث لقناة «الحرة» إن «المشكلة في تشكيل الحكومة ليست عند الثنائي الشيعي، بل إن البعض يتذرع بذلك لإخفاء الأسباب الحقيقية»، مسمياً ياسين جابر كمرشح لوزارة المالية. فيما كان لافتاً إعلان النائب وليد البعريني أمس «أننا سكتنا لأيام وأعطينا فرصة للرئيس المكلّف لكي يكمل استشاراته، لكن أن يمنح الذين هزوا العصا وحرّكوا موتوسيكلاتهم واستعملوا أسلوب الترهيب أكثر مما يحق لهم ويتم تجاهلنا كممثلين عن عكار وطرابلس والمنية والضنية والشمال فهذا تجاوز لكل الخطوط الحمر»، بينما أعلن تكتل «التوافق الوطني» برئاسة النائب فيصل كرامي أن «الطائفة السنية لن تكون مكسر عصا ويجب أن ينطبق عليها ما ينطبق على الآخرين».
مارون حتّي المرشّح للدفاع: مشكلة لبنان في المقاومة!
منذ بدء التداول في أسماء لتسلّم وزارات معينة في حكومة الرئيس المكلّف نواف سلام، تردّد اسم العميد المتقاعد مارون حتّي لتولّي وزارة الدفاع. فيما يبدو أن الرجل هو مرشّح الولايات المتحدة أولاً وأخيراً.
تنص المادة الأولى من قانون الدفاع الوطني على أن واحدة من مهام الوزير «تعزيز قدرات الدولة وإنماء طاقاتها لمقاومة أي اعتداء على أرض الوطن وأي عدوان يوجّه ضده، وضمان سيادة الدولة وسلامة المواطنين». في هذه الحال، هل حتّي هو فعلاً الرجل المناسب في المكان المناسب؟
في إحدى المقابلات التلفزيونية، يشرح حتي الذي شغل منصب مستشار رئيس الحكومة السابق سعد الحريري للشؤون العسكرية، أن الاستراتيجية الدفاعية «الأنسب» هي «الحياد»، وأن «أول مهمة للجيش في دولة محايدة هي الدفاع عن حياد البلاد». وفي مقابلة أخرى، يتهم حزب الله بـ«الترويج لسردية أن الجيش الإسرائيلي انسحب من لبنان عام 2000 تحت ضربات المقاومة، فيما الواقع أن مقاومة حزب الله أخّرت الانسحاب الذي كان سيتم عام 1992»! ووفق المستشار، «الدبلوماسية أقوى بكثير من الرشاشات»، وهو ما يلمسه اللبنانيون اليوم مع خرق العدو لكل الاتفاقات والقرارات الدولية!
الواضح أن مشكلة حتّي ليست مع العدو الإسرائيلي أو المحتلّ أياً كان، بل مع حزب الله «المتغطرس والمستكبر». والخطير أنه لا يطرح الموضوع على أنه وجهة نظره، بل رأي «غالبية اللبنانيين» الذين يعتبرون أنفسهم «أقرب إلى العالم العربي الحديث لأسباب ثقافية»، كما قال في تشرين الثاني عام 2019 في «حوارات المنامة» التي ينظّمها سنوياً المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية. يومها سأل حتّي قائد القيادة المركزية الأميركية عن موقف أميركا في حال انفجار صراع بين الجيش وحزب الله وكأنّه يستدعي تدخلاً أميركياً ضد الحزب. ورأى في مكان آخر أن «حزب الله يقمع تعبير اللبنانيين عن التطلع إلى انتقال بلدهم من موقع إلى آخر»، مشيراً إلى أنه دعا الجيش قبل ستة أشهر من احتجاجات تشرين الأول 2019 لـ«الاستعداد للمواجهة مع الحزب».
وفي رأي حتّي، صاحب نظرية أن «البيت لا يتسع سوى لرجل واحد»، فإن الاقتتال الداخلي بين أبناء البلد الواحد ضروري ومطلوب لـ«تثبيت سلطة الدولة»، ويُفترض من أجل ذلك أن يتلقّى الجيش تسليحاً أميركياً، أمّا في ما يتعلق بالعدو فيكفي رفع ورقة الحياد على الحدود لحماية الأرض. يُذكر أن حتّي انتسب إلى حزب «التنظيم»، الأكثر تطرفاً بين القوى التي انضوت تحت راية «الجبهة اللبنانية» بقيادة حزب الكتائب خلال الحرب الأهلية، وشكّل أعضاؤه ميليشيا نفّذت مجازر طائفية وعنصرية.