
مجلة وفاء wafaamagazine
في اليوم العالمي للبيئة، الذي يُصادف الخامس من حزيران من كل عام، واحتفل به هذا العام تحت شعار “الحد من التلوث بالمواد البلاستيكية” الذي أطلقته وزارة البيئة، يتجدد التركيز على واحدة من أخطر الآفات البيئية التي تواجه البشرية والعالم المتوسطي، ولبنان بشكل خاص. فالنفايات البلاستيكية لا تزال تتراكم في البحار وعلى ضفاف الأنهار، وفي أحراجنا ومدننا، مهددة التنوع البيولوجي، وملقية على عاتق الأجيال المقبلة أعباء بيئية وصحية لا تُحتمل.
في حديثه لـ”النهار”، يصف الخبير البيئي بول أبي راشد النفايات البلاستيكية بأنها “آفة عالمية ومتوسّطية تهدّد مستقبل البيئة البحرية والبرّية”، محذّرًا من أنّ “كمية البلاستيك في البحار يُتوقّع أن تتجاوز كمية الأسماك بحلول عام 2050، إذا استمر الوضع على ما هو عليه”. ويرى أنّ الحلّ يبدأ بإدارة متكاملة للنفايات تُبنى على الوعي الشعبي والمبادرات المجتمعية، لكن أيضًا على رؤية وطنية واضحة واستثمار جديّ في البنية التحتية البيئية.

ويؤكد أبي راشد أنّ الجمعيات البيئية اللبنانية كانت من أوائل الجهات في حوض البحر المتوسط التي بدأت بدراسة هذه الآفة، مشيرًا إلى أنه “بين عامي 2018 و2022، عملنا على إعداد دليل علمي، ودليل قانوني، وآخر تربوي حول التلوّث البلاستيكي، وأطلقنا ما يقارب 25 مشروعاً لمكافحة البلاستيك، من شمال لبنان إلى جنوبه. كما نظّمنا عشرات حملات تنظيف الشواطئ من النفايات البلاستيكية، وعمّمنا مفهوم ‘مدارس من دون بلاستيك’ على أكثر من 100 مدرسة في مختلف المناطق اللبنانية”. ويضيف: “أصدرنا منشورات ومقاطع فيديو توعوية موجهة إلى مختلف الفئات، لأنّ التوعية تبقى الأساس في التصدي لهذا النوع من التلوث، الذي لا يُرى بسهولة لكنه يدخل في غذائنا ومياهنا وهوائنا”.
من جهته، يلفت الصحافي البيئي مصطفى رعد، في حديثه لـ”النهار”، إلى أنّ لبنان يُنتج حوالي 120 ألف طن من النفايات البلاستيكية سنوياً، تُشكّل أكثر من 11% من مجمل النفايات المنزلية، في حين أنّ نسبة إعادة التدوير لا تتعدى 8% فقط، ما يعني أن الجزء الأكبر منها يُلقى في المكبات أو ينتهي به المطاف في البحر. ويشير إلى أن “الخطر لا يقتصر على التلوّث البصري أو البيئي فقط، بل يتعدّاه إلى الغذاء والماء، إذ أثبتت دراسات محلية وجود جزيئات ‘ميكرو بلاستيك’ في الأسماك، وفي مياه الشرب، وحتى في مستحضرات التجميل”.
ويشدد رعد على أن “البدائل متاحة وغير مكلفة بالضرورة. يمكن مثلًا استبدال الأكياس البلاستيكية بكيس قماشي يُغسل ويُعاد استخدامه، واستبدال عبوات المياه بقوارير زجاجية، والشامبو السائل بصابون صلب، وحتى فرشاة الأسنان البلاستيكية بأخرى خشبية أو قابلة للتحلل”. وبرأيه، فإن التغيير يبدأ من الفرد، لكن لا بد من سياسات داعمة من الدولة وتشجيع المبادرات المحلية. ويُشيد بتجربة بلدية جبيل التي منعت استخدام الأكياس البلاستيكية في المتاجر، وفرضت بدلاً مالياً على من يصرّ على استعمالها، معتبراً إياها “نموذجاً يجب تعميمه”.
وفي حين أكدت وزيرة البيئة الدكتورة تمارا الزين، في بيان بالمناسبة، أنّ “العالم ينتج أكثر من 430 مليون طن من البلاستيك سنوياً، يتحول ثلثاها إلى نفايات قصيرة العمر”، شددت على أنّ “القضاء على التلوث بالمواد البلاستيكية يساهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، بما يشمل العمل المناخي وحماية البحار والمحيطات”. ولفتت إلى أن الوزارة أطلقت الاستراتيجية الوطنية للإدارة المتكاملة للنفايات الصلبة، التي تشمل أيضًا حلولًا للبلاستيك، تقوم على مبادئ الفرز من المصدر، وتقليص الإنتاج، ومبدأ “الملوّث يدفع”.
في النهاية، لا مجال للمساومة: إمّا أن نواجه آفة البلاستيك بقرارات حازمة وسلوكيات جذرية، أو نواصل السير نحو بيئة منهارة وحياة ملوّثة. الخيار لم يعد ترفا، بل مسألة بقاء. لم يعد مقبولاً أن نكتفي بالشعارات أو المناسبات السنوية، فكل تأخير في المعالجة هو دفعة إضافية نحو كارثة لا رجعة فيها. المطلوب فعلٌ مباشر، ومحاسبة، وإرادة سياسية لا تخضع لمصالح آنية.
النهار