
مجلة وفاء wafaamagazine
كتبت الإعلامية وفاء بيضون في ” اللواء”
ثمة قراءة لمقاربة الحرب المفتوحة بين إيران وإسرائيل، وتحليل يحاول صنّاعه استشراف النتائج قبل انتهاء الهجمات المتبادلة بين طرفي الاشتباك.
من هنا تنطلق أولى الأسئلة حول تعامل إيران مع التهديدات الإسرائيلية قبل حصول الضربة الاستباقية، والتي اعتبرتها مصادر عديدة مباغتة ومفاجئة للطرف الإيراني، خاصة من حيث طبيعة الأهداف البشرية التي تمثلت باغتيال قادة عسكريين كبار، إضافة إلى عدد غير قليل من علماء الذرة النوويين.
ثاني الأسئلة التي ترتسم حولها مجموعة من علامات التعجب، هو انطلاق التطمينات غير المباشرة من قبل الولايات المتحدة بأن الضربة الإسرائيلية مؤجلة ومرتبطة بنتائج المفاوضات بين طهران وواشنطن، وإن حصلت فستكون محدودة الفعالية لناحية حجم الأضرار، وتأتي في سياق تعجيل نتائج المفاوضات نحو توقيع وشيك بين البلدين.
لكن ما الذي حصل؟
فجر الثالث عشر من حزيران جاءت الوقائع لتدحض ما سبقها من كلام دبلوماسي من هنا وهناك، وعجّلت إسرائيل باستغلال لحظة الفراغ في مسار المفاوضات، لإملائه بالضغط العسكري عبر الهجوم المباغت على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ولعلّه الهجوم الإسرائيلي الأكثر دموية منذ بدء ما يسمّى بطوفان الأقصى. وقد وصفه كيان إسرائيل بـ «الجولة الافتتاحية» وسط صدمة العالم كله، بما في ذلك الإيرانيين، وإن كانت الساعات السابقة مهّدت له، حتى إن الرئيس الأميركي «دونالد ترامب» بدا كمن يبلّغ طهران مسبقاً به، حين قال، قبل ساعات من حصوله، إنه مرجّح بقوة، ولو أنه لم يجزم إن كان وشيكا أم لا.
تقول المصادر السياسية المتابعة: «قبيل كلام الرئيس الأميركي كانت الكثير من المؤشرات توحي بأن الصراع بلغ نقطة اللاعودة، فتبادل التهديدات بين إسرائيل وإيران وصل إلى الذروة، على وقع التراشق الكلامي بين إيران والولايات المتحدة، مع وصول المفاوضات بينهما إلى حائط مسدود، والأخذ بعين الاعتبار الانطباع الذي ساد قبل بدء الحرب، بأن أي ضربة لن تحصل قبل يوم الأحد، أي موعد الجولة السادسة من المفاوضات، والتي أجمع حولها المحللون، بأنها ستكون جولة حاسمة، إما تقود إلى صفقة وتنجح المساعي الدبلوماسية بعقد اتفاق، أو أن التفاوض سيكون على وقع الغارات والنار».
تتابع المصادر السياسية: «الحرب وقعت، وما كان متوقعا حصل، ليبدأ تقدير الموقف حول النتائج التي سترتبها المواجهة على الطرفين، وبالتالي ما سيرسم من خريطة طريق شرق أوسطية متصلة بحصيلة الميدان واحتساب النقاط التي سجلها كل طرف في مرمى الآخر».
من جهة مقابلة ثمة قول للمتابعين: «بأن إيران خسرت معادلة الردع، ما دفع إسرائيل إلى التمادي أكثر، وصولا إلى تنفيذ هجومها الأكبر، في قلب إيران هذه المرة، واغتيال معظم قادة الصف الأول دفعة واحدة، ليتقدم سؤال آخر حول خيارات إيران المطروحة لاستعادة هيبة الردع».
من هنا يمكن القول: إن الحرب المباشرة التي لطالما عملت طهران على تجنّبها والابتعاد عنها، باتت حقيقة وأمراً واقعاً يلحّ على الإيرانيين التعاطي معها على قاعدة وجود نظام من عدمه، وسياسة الصبر الاستراتيجي الذي شمل التعاطي الإيراني مع العديد من المحطات أيضا بات أمرا معدوما؛ وعلى القيادة الإيرانية إجراء حسابات مختلفة، ومنها الانتقال من سياسة الدفاع الى الهجوم. وهنا الاحتمالات والسيناريوهات تبدو واردة، لكن الأكيد أنّ الجمهورية الإسلامية في إيران اليوم في وضع حرج نتيجة الضربة التي تلقّتها والتي لا تشبه أي ضربة سابقة، والتعامل معها لا بد أن يكون مختلفا، ومتخطّيا المحافل الدولية الى الاعتماد المباشر على ذراع إيران دون سواها من أذرع ودول المحور، وهي مضطرة لا بل مجبرة خوض غمار الحرب مهما كلّفت النتائج من خسائر مادية وبشرية وأيضا استراتيجية. وبالتالي إن ما تبديه يوميات المواجهة وموجات الرد الليلي الإيراني مقابل استباحة الطيران الحربي الإسرائيلي أجواء إيران والمنطقة، سيفضي إلى تكريس تفاوض جديد بالنوع والشروط والمديات الزمنية، وكله وفقا لحصيلة مكتسبات الحرب بين ومن الطرفين.
