الرئيسية / آخر الأخبار / النفط بين نار الشرق الأوسط ومخاوف الأسواق…هل يشتعل الاقتصاد العالمي من جديد؟

النفط بين نار الشرق الأوسط ومخاوف الأسواق…هل يشتعل الاقتصاد العالمي من جديد؟

مجلة وفاء wafaamagazine

تتجه أنظار العالم مجدداً إلى منطقة الشرق الأوسط، ليس فقط بفعل التصعيد العسكري بين إسرائيل وإيران، بل لما يمثله هذا الصراع من تهديد مباشر لأهم سلعة استراتيجية في العالم: النفط. فمنذ اندلاع الهجمات، شهدت أسعار النفط تقلبات حادة، وارتفعت بنسبة 14% خلال أيام قليلة، مدفوعة بموجة من المخاوف التي لا تقتصر على الأسواق المالية، بل تطال الأمن الطاقوي العالمي.

تصعيد الشرق الأوسط… وقود لمخاوف النفط
لا شك أن التوترات الجيوسياسية تشكل عاملًا تقليدياً في تحريك أسعار النفط، لكن المواجهة الحالية بين إسرائيل وإيران تأتي في سياق إقليمي شديد الحساسية، إذ إن الشرق الأوسط لا يزال مسؤولًا عن إنتاج نحو ثلث الإمدادات العالمية من الخام. أي خلل في هذه المنظومة المعقدة من الإنتاج والنقل والشحن، يُترجم فوراً إلى اضطراب في الأسواق العالمية.

وعلى الرغم من أن البنية التحتية الإيرانية لتصدير النفط لم تُصب بأضرار مباشرة حتى الآن، إلا أن المخاوف تنبع من اتساع رقعة النزاع، ومن إمكانية تحول المنشآت الحيوية أو الممرات البحرية إلى أهداف عسكرية محتملة.

مضيق هرمز… الشريان الذي تخشى الأسواق توقفه
في صلب هذه الأزمة يقف مضيق هرمز، أحد أهم الممرات المائية العالمية، حيث يمر عبره ما يقارب 20% من الإنتاج العالمي اليومي من النفط. أي تهديد مباشر أو غير مباشر لهذا المضيق يضع الأسواق في حالة طوارئ، حتى لو لم تُسجَّل أي عملية استهداف فعلية. فمجرد التلميح إلى تعطيل الشحنات، أو تقييد حرية الملاحة، كفيل بإحداث قفزات سعرية دراماتيكية.

ورغم عدم وجود مؤشرات ملموسة حتى الآن على نية إيران تعطيل الحركة البحرية في المضيق، إلا أن الأسواق تتحرك وفق قاعدة “الاحتمال أسوأ من الفعل”، فسيناريو إغلاق المضيق يعيد إلى الأذهان أزمات سابقة هزّت أسواق النفط ودفعت الدول الكبرى إلى التحرك عسكرياً لحماية الإمدادات.

الأسواق تترنح… والمستثمرون يلجؤون إلى الملاذات الآمنة
البيئة المالية كانت أول المتأثرين بالتصعيد. فقد لجأ المستثمرون إلى أصول تقليدية أكثر أماناً مثل الذهب، بينما ارتفعت تقلبات أسعار النفط إلى أعلى مستوياتها منذ ثلاث سنوات، في مشهد يُذكّر بما حدث إبان الغزو الروسي لأوكرانيا عام 2022.

الأرقام تُظهر أن فارق العقود القريبة لخام برنت ارتفع بشكل حاد، في إشارة واضحة إلى تزايد القلق من تراجع الإمدادات الفورية. كما ارتفعت عقود الخيارات النفطية بشكل كبير، لتسجل أعلى حجم رهانات على ارتفاع الأسعار منذ عام 2013، وهو ما يعكس المزاج العام في السوق: الترقب والقلق.

هل تتجه الأسعار إلى 90 دولاراً… أم أبعد؟
رغم ارتفاع الأسعار، إلا أن الأسواق لم تدخل بعد في “المرحلة الحرجة”، إذ لا يزال سعر البرميل دون مستوى 90 دولاراً. لكن العديد من المحللين يحذرون من أن أي تطور ميداني جديد قد يدفع الأسعار لتجاوز هذا الحاجز النفسي، ما سيفتح الباب أمام موجة جديدة من التضخم في مختلف أنحاء العالم، ويُربك سياسات البنوك المركزية التي بالكاد بدأت في احتواء تداعيات الجائحة والحرب الأوكرانية.

التأثيرات الأوسع: تضخم، سياسة نقدية، وسلاسل توريد مهددة
إذا استمر التصعيد، فإن الأثر لن يقتصر على أسعار النفط فقط، بل سيمتد إلى سلاسل التوريد العالمية، ومعدلات التضخم، وسياسات البنوك المركزية. إذ من المتوقع أن يؤدي ارتفاع أسعار النفط إلى زيادات جديدة في كلفة الشحن والإنتاج، ما سيؤثر على أسعار السلع والخدمات، ويجبر البنوك المركزية على إعادة التفكير في استراتيجيات خفض الفائدة أو التحفيز النقدي.

كما أن الدول المستوردة للنفط، وخصوصاً في أوروبا وآسيا، ستكون الأكثر تضرراً، نظراً لاعتمادها الكبير على واردات الطاقة من الشرق الأوسط. وهذا ما يعيد فتح النقاش حول أمن الطاقة وضرورة تنويع مصادر الإمداد.

الشرق الأوسط يشعل فتيل أزمة نفطية محتملة
الأسواق اليوم لا تتحرك بناءً على ما يحدث، بل وفق ما قد يحدث. ومع كل غارة جوية أو تصعيد سياسي في الشرق الأوسط، تقف أسعار النفط على حافة قفزة جديدة. وإذا ما اقترن هذا التوتر مع اضطراب حقيقي في الشحن أو الإنتاج، فإن العالم سيكون أمام موجة نفطية جديدة، تُذكّرنا بأن النفط، رغم كل بدائله، لا يزال حاكماً صامتاً في معادلة الاستقرار العالمي.

فهل نشهد أزمة طاقوية جديدة؟ أم أن العقلانية السياسية ستتدخل قبل أن تتحول الشرارة إلى حريق عالمي؟ الأيام المقبلة وحدها ستجيب.

 

 

 

 

 

 

 

النهار