الرئيسية / سياسة / حديث عن تشكيلة تنتظر «الخارجية»… ومخاوف من حرب شاملة في المنطقة

حديث عن تشكيلة تنتظر «الخارجية»… ومخاوف من حرب شاملة في المنطقة

مجلة وفاء wafaamagazine 

في غمرة التطورات المتلاحقة إقليمياً ودولياً، وترقّب ما سيكون عليه رد ايران ومحورها على اغتيال الأميركيين قائد «فيلق القدس» في الحرس الثوري الايراني اللواء قاسم سليماني، بَدا مشهد التأليف الحكومي في لبنان رتيباً لولا الاختراق الذي شهده بفعل زيارة الرئيس المكلف حسان دياب لرئيس الجمهورية ميشال عون، ووجده المراقبون اختراقاً في الشكل ولا ينبغي المبالغة في الرهان عليه، تاركين للأيام أن تثبت إمكان أن تكون له ابعاد عملية.

لكن ما يظهر من مواقف يوحي أنّ التأليف الحكومي ما زال يدور في حلقة مفرغة بفِعل النزاع على أسماء مرشحة للتوزير بين الرئيس المكلف وبعض الافرقاء السياسيين، ولاسيما منهم «التيار الوطني الحر»، فيما بدأ بعض القوى السياسية يبني رهانات جديدة على ما بعد الرد الايراني على الاميركيين وما يمكن للأخيرين مِن رد عليه، في الوقت الذي بدأت تصدر مواقف سلبية داخلية في هذا الصدد أدرجها المراقبون في سياق جعل الملف الحكومي أسير أحداث وعقبات لعرقلة إنجاز الاستحقاق الحكومي في ظل الواقع الاقليمي والدولي المُستجد. ولاحظ المراقبون انّ ما يسرّب عن التأليف الحكومي حتى الآن غير مقنع للرأي العام، ولا يشير الى انّ الوضع يتجه أفقياً نحو حلّ قريب.

ظلّ أمس حابل التأليف الحكومي مختلطاً بنابل التطورات الاقليمية والدولية المتلاحقة، والتي تبدو المنطقة معها مفتوحة على شتى الإحتمالات، إبتداء من اليوم بعد دفن الايرانيين والعراقيين جثمانَي سليماني وابو مهدي المهندس اللذين شيّعتهما الملايين من الايرانيين والعراقيين.

وقد حذّر رئيس الجمهورية ميشال عون، خلال لقائه قائد قوات حفظ السلام الدولية العاملة في الجنوب (اليونيفيل) الجنرال ستيفان دل كول، من «استمرار لبنان في تلقّي النتائج الجانبية للحروب في الشرق الاوسط». وقال: «لبنان يحافظ على سلامة جميع أبنائه من دون تمييز بين المقيمين او الموجودين على أرضه».

وكان عون أكد امام المنسّق الخاص للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش العمل على تثبيت الاستقرار، وعدم تأثير التطورات الامنية الاخيرة على الوضع الامني اللبناني.

 

حرب جديدة

وقال مرجع أمني كبير لـ«الجمهورية»: «دخلنا في حرب جديدة ستفتح على كل الساحات من سوريا الى غزة والعراق واليمن وافغانستان، وبالتأكيد لبنان ساحة أساسية المشترك فيها تحرّك فصائل المقاومة». وتخوّف بشدة من «تدحرج الامور لتتحوّل حرباً شاملة تدخل فيها كل الدول المتّصلة بالنزاع». مؤكداً «انّ القيادات الامنية والعسكرية تضع هذا الاحتمال أمامها بنسبة ٤٠% و٦٠% أن تبقى المواجهات محلية محدودة وضربات متبادلة».

ورأى المرجع الأمني «أنّ الأجواء قاتمة السواد والعد العكسي بَدأ لتحوّل الأوضاع مفتوحة على كل الإحتمالات في انتظار التوقيت وتحديد الامكنة وترقّب حجم الرد الايراني، أمّا لبنان فستتوسّع أزمته تلقائياً لتتوزّع بين انهيارات داخلية وخارجية».

 

عون ودياب دخلا في التفاصيل

 

وعلى جبهة التأليف الحكومي كان التطور البارز أمس اللقاء الذي انعقد في القصر الجمهوري بين عون ودياب، وشهد جوجلة جديدة للتشكيلة الوزارية العتيدة بعد عرض سريع للتطورات الجارية على الساحتين المحلية والاقليمية.

وإذ لم يُدل دياب بأيّ تصريح بعد اللقاء، قالت مصادر معنية في القصر الجمهوري لـ«الجمهورية» انّ «أجواء اللقاء كانت ايجابية، والأمور سائرة في اتجاه جيد جداً، وقد انتهى الى توفير حلول لمعظم العقَد بما فيها استبدال بعض الحقائب ضمن الحصة المسيحية، وتحديداً ما بين وزارتي الخارجية والإقتصاد».

وأضافت «انّ الحديث تَوغّلَ في الأسماء والحقائب بنَحو يمكن وصفه بتوافر «شبه مسودة غير نهائية» حسمت الجدل نهائياً حول شكل الحكومة، على أن تكون من التكنوقراط وتضمّ 18 وزيراً لاستحالة البحث في تركيبة من 20 وزيراً كما ردّد البعض، الذي لم يَلحظ انّ تشكيلة 10 × 10 مستحيلة في لبنان، لأنّ التجارب السابقة دَلّت الى إمكان إحداث خلاف واسع حول التوزيع الطائفي للحقائب الوزارية.

 

90% من التشكيلة

 

وعلى رغم من التكتم الذي أحاطت به مصادر القصر الجمهوري والرئيس المكلف ما تم إنجازه، ما خلا التفاهم على التبادل في حقيبتي الخارجية والإقتصاد بين حصة الرئيس المكلف وثنائي بعبدا – ميرنا الشالوحي بعدما أصرّ الأول على ألّا حكومة بلا دميانوس قطار، فتراجع عن تسميته لوزارة الخارجية وسمّاه لوزارة الإقتصاد.

والى حل هذه العقدة التي لم يكن من السهل تجاوزها نظراً الى إصرار دياب على ما اقترحه، وتركت تسمية الوزير الجديد لباسيل بالتفاهم مع «حزب الله» بعد استبعاد السفير ناصيف حتي بسبب ملاحظات «الثنائي الشيعي» عليه، ولم يعرف ما إذا كان السفير المتقاعد شربل اسطفان قد يحظى بالحقيبة.

وعلمت «الجمهورية» انّ هذا المخرج أدى الى تسوية أخرى تقضي بسحب رئيس الجمهورية اقتراحه ترشيح رئيس مجلس الشورى السابق القاضي المتقاعد هنري خوري من حقيبة العدل لمصلحة المحامية ماري كلود نجم.

كذلك تم تثبيت العميد المتقاعد طلال اللاذقي في وزارة الداخلية ليحسم ملف الوزراء السنّة الثلاثة، وسحبت الأسماء الأخرى التي كانت مطروحة. كما حسمت حقيبة وزارة الأشغال العامة والنقل للمهندسة لميا يمين دويهي ممثلة تيار «المردة» نهائياً، وانتهى البحث في اللواء ميشال منسى لوزارة الدفاع، والنقيبة امل حداد لحقيبة وزارة العمل ونيابة رئاسة الحكومة.

وحُسم نهائياً المقعد الأرمني للدكتورة مارتينه اوهانيان لحقيبتي وزارتي الثقافة والإعلام بعد دمجهما، والمقعد الدرزي للدكتور رمزي مشرفية لحقيبتي الشؤون الإجتماعية والمهجرين ومعهما شؤون النازحين بعد دمج هذه الوزارات، والمقعد الكاثوليكي للدكتورة منال مسلم لوزارتي البيئة والتنمية الإدارية.

 

وعلمت «الجمهورية» انّ «حزب الله» احتفظ بمرشحيه للحقيبتين الشيعيتين، مع احتمال ان يبدّل رئيس مجلس النواب نبيه بري احد مرشحيه لوزارة الزراعة بين مرشحين اثنين لا أكثر، أحدهما المحامي علي العبد الله واسم آخر سيحتفظ به الى لحظة توقيع المراسيم كما جرت العادة، وكل ذلك يجري في ظل حسم حقيبة وزارة المال للدكتور غازي وزني.

 

عقدة الخارجية يتيمة

وبناء على ما تقدّم، يمكن القول انّ أمر تشكيل الحكومة سَيبتّ به في الساعات الـ 48 المقبلة حين الاتفاق على من سيتولى وزارة الخارجية، والذي سيسمّيه باسيل و«حزب الله»، في ظل التفاهم بينهما بعد استبعاد دميانوس قطار عنها.

 

رواية أخرى

وفي رواية أخرى، أكدت مصادر مطلعة على المفاوضات لـ«الجمهورية» انّ العقدتين المتبقيتين في ملف تشكيل الحكومة تمّ تذليلهما في اللقاء بين عون ودياب، حيث وافق الأخير على إسناد وزارة الخارجية الى «التيار الوطني الحر»، وبالتحديد الى شخصية يسمّيها رئيس «التيار» الوزير جبران باسيل، مقابل أن يعيّن الوزير السابق دميانوس قطار وزيراً للاقتصاد.

لكنّ هذه المصادر، وعلى رغم من هذا «التطور الايجابي» الذي طرأ على ملف التشكيل، إستبعدت ولادة الحكومة خلال الساعات الـ48 المقبلة، وحتى خلال هذا الاسبوع لسببين:

ـ الاول، انّ الرئيس المكلف يحتاج الى جولة مشاورات جديدة نتيجة التغييرات التي طرأت على بعض الحقائب، وخصوصاً مع من كان سَبق واتفق معهم عليها.

الثاني، هو انّ الرأي الذي يتقاطع مع مصادر عدة من انّ التطورات الاقليمية فرضت نفسها بقوة وخَلطت الحسابات، وأصبح السؤال هل يمكن لحكومة تكنوقراط لا ثقل سياسياً فيها، وجوهاً وتمثيلاً وغلبة للأكثرية، أن تواجه العاصفة التي هَبّت بعد اغتيال سليماني وابو مهدي المهندس؟ وهذا الامر، بحسب المصادر نفسها، هو محور نقاش عميق يُجريه «الثنائي الشيعي» مع الحلفاء، ولذا يطلب أصحاب هذا الرأي التريّث قليلاً لمعرفة مسار الامور.

 

«القوات»

 

وفي سياق متّصل، أطلقت «القوات اللبنانية» مجدداً موقفاً تحذيرياً من «مغبّة مواصلة تشكيل الحكومة وكأن لا أزمة مالية خانقة في لبنان، ولا انتفاضة شعبية حقيقيّة تعكس إرادة شعبية رافضة الواقع القائم».

وقالت مصادر «القوات» لـ«الجمهورية» انّ «اعتماد هذا الأسلوب على مستوى التشكيل يعني أنّ الأكثريّة الحاكمة والمتحكّمة لا تريد أن تأخذ في الإعتبار المعطيات المالية والاقتصادية وهي غير آبهة بذلك، ويعني أنها لا تريد أن تستمع الى مطالب الناس وصرخاتهم، وستوصِل البلاد بالتالي الى نفق مظلم وإلى الإنهيار الشامل». مضيفة: «هذا ما لن نسمح به لأنّ «القوات» ستكون الصوت الصارخ ضدّ هذه المحاولات».

وعلى مستوى آخر، شددت مصادر «القوات» على «ضرورة إبعاد لبنان عن صراع المحاور، وعدم زَجّه في آتون الحرب الدائرة في المنطقة، والإلتزام الصارم بسياسة «النأي بالنفس» التي تشكّل الحماية الأساسية له ولسِلمه واستقراره، في ظلّ مرحلة ساخنة إقليمياً لا مصلحة للبنان واللبنانيين في الإنخراط فيها، خصوصاً أنّ الوضع المالي أكثر من دقيق ولا يتحمّل الّا التركيز على سُبل قيادة لبنان الى شاطئ الأمان من خلال حكومة اختصاصيين مستقلّين بعيدة كل البعد عن القوى السياسية والمحاصصات».

 

باسيل: لقد وقعنا

وفي المواقف، قال باسيل في إطلالة تلفزيونية إنّ «الوضع صعب جداً إلّا انّ هناك حلولاً تؤدّي الى الإنقاذ لكن بكلفة عالية ووقت طويل، ويجب البدء بالإجراءات». وأضاف: «يجب العمل على إعادة جدولة الديون»، مشيراً إلى أنّنا «وقعنا، ويجب أن يكون هنالك مشروع كامل قيد المناقشة»، كذلك لفت إلى أنّ «90% من الودائع هي لصغار المودعين الذين علينا حمايتهم».

وأكّد باسيل أنّه «لا يعرقل الحكومة، بل لا أحد بمقداره أن يسهّل الى درجة إلغاء الذات»، مضيفاً: «معيارنا الوحيد ان تنجح هذه الحكومة بإخراج البلد من الأزمة المالية والاقتصادية. ونحن كغيرنا من الكتل نعطي رأينا، وتشكيل الحكومة يقوم به رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف».

 

وقال: «تناقشنا بموضوع الاسماء عموماً، وموضوع الثلث المعطّل ليس مطروحاً».

وإذ أكد انّ ما يطرح عن تمسّكه بوزارة الطاقة ورفض الوزير السابق دميانوس قطّار في وزارة الخارجية غير صحيح، قال: «نحن اليوم إمّا أمام الإنهيار الكبير أو الخلاص».

أضاف: «موقفنا هو الذي دفع في اتجاه الانتقال من حكومة تكنو-سياسية الى حكومة جديرين، وطبيعي ان يطرح السؤال بعد اغتيال الجنرال سليماني هل تصلح حكومة من هذا النوع لهذه المرحلة؟ ورأيي الابقاء على الصيغة نفسها، ولتكن أولويتنا إنقاذ الوضع المالي والاقتصادي، وأن ننأى بلبنان عمّا يحدث حوله».

ولاحظت كتلة «المستقبل» بعد اجتماعها الاسبوعي برئاسة النائب بهية الحريري «انّ المسار المُعتمد في اجتراح الحلول للأزمات السياسية والاقتصادية، بما في ذلك الأزمة الحكومية، هو مسار يكرّر الدوران في الحلقات المفرغة ويُمعن في إنكار المتغيّرات التي شهدتها البلاد بعد انتفاضة السابع عشر من تشرين الأول الماضي».

وأكدت «امتناعها عن المشاركة في أي تشكيلة وزارية، مباشرة أو بالواسطة». ونَبّهت الى «المعلومات المتداولة عن محاولات وضع اليد مجدداً على الثلث المعطّل، وعن دخول جهات نافذة من زمن الوصاية على خطوط التأليف والتوزير واقتراح اسماء مكشوفة بخلفياتها الأمنية والسياسية، الأمر الذي يَشي بوجود مخططات متنامية لتكرار تجربة العام 1998 وسياساتها الكيدية».

وشددت على «التزام لبنان موجبات النأي بالنفس والابتعاد عن التدخل، وعدم توريط البلاد في النزاعات الخارجية وحماية السلم الأهلي».

 

الموازنة

من جهة ثانية، وقّع رئيس لجنة المال والموازنة النائب ابراهيم كنعان كتاب إحالة مشروع قانون موازنة 2020 الى رئيس المجلس النيابي نبيه بري، بعد ورود الجداول المعدلة من وزارة المال وفقاً لتعديلات لجنة المال والموازنة، مُرفقة بمواد القانون والاعتمادات والتوصيات.

 

الجمهورية