الأخبار
الرئيسية / سياسة / حكومة اللون الواحد على النار… والحسم الــنهائي في عين التينة

حكومة اللون الواحد على النار… والحسم الــنهائي في عين التينة

مجلة وفاء wafaamagazine 

على ذمّة الوعد الجديد الصادر عن مطبخ التأليف، فإنّ الحكومة الجديدة توشك أن تولد بلون سياسي واحد في الساعات المقبلة تحت مسمّى «حكومة اختصاصيين». ولأنّ التجربة مع الوعود السابقة التي تلاحقت خلال الايام الماضية وذهبت بها خلافات الفريق الواحد على شكل الحكومة ومضمونها، فإنّ المواطن اللبناني لم يسلّم بجدية هذا الوعد، الّا بعدما يُسيَّل بمراسيم تشكيل الحكومة.

فجأة، ومن دون سابق إنذار، إنقلبت الصورة الحكوميّة بسحر ساحر، من سلبية كانت تطوّق مسار التأليف في كل مفاصله، وألقت به امام حائط مسدود، الى صورة مناقضة تماماً، بَدا فيها أنّ هذا المسار صار خالياً من كل الالغام والمفخخات التي هددت بتفجيره، وانّ فريق التأليف خرج من خلف المتاريس التي نُصبت ضمنه، وصار في مرحلة وضع اللمسات الاخيرة على تشكيلة حكوميّة على الصورة الاختصاصيّة التي أرادها الرئيس المكلف حسان دياب، وبالحجم ذاته الذي حدده لحكومة من 18 وزيراً.

 

اللافت انّ منسوب الايجابية ارتفع بالتزامن مع الحراك الاحتجاجي الذي تصاعد في الساعات الاخيرة، وعبّر عن نفسه بتحركات متعددة من اعتصامات وقطع طرقات في العديد من المناطق اللبنانية، وبلغت ذروتها مع أعمال الشغب الذي حصلت ليل الثلاثاء وطالت العديد من المصارف، وتحديداً في الحمراء.

 

واذا كان ثمة من اعتبر انّ هذه الايجابية التي طغت فجأة على مسار التأليف هي رضوخ واضح لمطالب الحراك الاحتجاجي، الّا انّ هذا الحراك نفسه ليس مقتنعاً أو قابلاً بذلك. ذلك انه، بمختلف مكوّناته، يصوّب على طبقة سياسيّة يطالب بتغييرها، ويحمّلها مسؤولية انهيار البلد، وأكد انّه لا يعزلها عن الواقعين الحكوميّين؛ السّابق أو الذي يجري تأليفه برئاسة حسان دياب، ولذلك أبقى على فتيل الاحتجاجات مشتعلاً في مختلف المناطق، الى أن تتحقق المطالب التي طرحها.

 

شبه منجزة

 

من هنا، فإنّ هذه الايجابيّة، وبحسب مصادر عاملة على خط التأليف، تولّدت عن أمرين:

 

الأول، خشية فريق التأليف ممّا أعلن عن تحضيرات لتصعيد التحركات الاحتجاجية على نحو غير مسبوق في الشارع، بدأت نذرها العنيفة يوم امس الاول، وهو الامر الذي أقلق هذا الفريق من نجاح هذا التصعيد من فرض وقائع معيّنة في الشارع. وبالتالي، كان التوجه سريعاً لتشكيل حكومة لإعادة الامساك بالوضع، كخطوة احتوائية استباقية لأيّ تطوّر او وقائع قد تكون واسعة وغير محسوبة ومن النوع الذي يصعب احتواؤه.

 

الثاني، الإحراج المتفاقم التي بدأ ينتاب فريق التأليف، ويتآكل معنويات مكوّناته، التي بدأت تشعر بثقل فشل هذا الفريق في تأليف حكومته، وبثقل المسؤولية التي قد تلقى عليه، حيال الاضرار التي يمكن أن تنشأ في البلد جرّاء هذا الفشل، ومن هنا كان القرار بالذهاب الى تشكيل الحكومة أيّاً كان شكلها او اسمها سواء اكانت حكومة اختصاصيين او حكومة مختلطة من سياسيين واختصاصيين. وبالتالي، كان الترجيح لحكومة اختصاصيين، لأنها تقريباً شبه منجزة، على الّا تنسحب فترة الولادة الى ما بعد نهاية الاسبوع الحالي.

 

لماذا التأخير؟

 

بحسب مصادر معنية بالملف الحكومي، فإنّ الحكومة كان يفترض ان تبصر النور قبل نحو 10 ايام، وانّ اللقاء الذي عقد بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلّف حسان دياب كان يفترض ان يكون الاخير قبل لقاء إعلان مراسيم الحكومة الجديدة. خصوصاً انّ المسودة التي قدّمها الرئيس المكلّف لرئيس الجمهورية كانت شبه مكتملة، وتخلو فقط من 3 وزراء شيعة فيما الإسم الرابع المُدرج فيها هو الدكتور غازي وزنة، الذي سمّاه رئيس مجلس النواب نبيه بري.

 

وتضيف المصادر انّ رئيس الجمهورية وضع تعديلات على هذه المسودة، حيث رفض أن تُسنَد وزارة الخارجيّة للوزير الاسبق ديماينوس قطار، وثبّت مكانه السفير ناصيف حتي بموافقة دياب، على مقترحاً تسند وزارة الاقتصاد لقطار. كذلك ثبّت رئيس الجمهورية، وبموافقة دياب ايضاً، اللواء ميشال منسى نائباً لرئيس مجلس الوزراء ووزيراً للدفاع الوطني. الّا انّ إسناد وزارة الاقتصاد الى قطار لم يحسم، ذلك انّ التيار الوطني الحر يطالب بها. وفهم من خلفية إصرار التيار على حقيبة الاقتصاد هو انّ حركة «أمل» حصلت على حقيبة المالية، وحصل فرقاء آخرون على حقائب مرتبطة بالشأن المالي والاقتصادي، فيما التيار لا يستطيع ان يكون خارج هذا الاطار، ومن هنا يأتي إصراره على وزارة الاقتصاد، علماً انّ سبباً آخر قد يكون خلف هذا الاصرار هو انّ وزير الاقتصاد هو عضو في مجلس الدفاع الاعلى. وحصول التيار على هذه الحقيبة يعني من جهة شراكته وحضوره المباشر في الملف الاقتصادي والمالي، ويعني من جهة ثانية تعزيزاً لحضوره ايضاً في مجلس الدفاع الى جانب وزيري الخارجية والدفاع.

 

الّا انّ المصادر نفسها كشفت انّ مصير وزارة الاقتصاد لم يحسم بعد، وإن كان المرجّح أن تسند الى التيار، فالرئيس المكلّف الذي يصرّ على توزير قطار، نزل عند رغبة عون والتيار وتراجَع عن إسناد الخارجية لقطار، علماً أنّ إمكانية قبوله بإسناد الاقتصاد الى التيار واردة، لكن على الّا يكون ذلك على حساب إخراج قطار من الحكومة وهو امر لن يقبل به، بل يصرّ على بقائه فيها. ويبدو التوجّه هنا حالياً يميل الى إسناد حقيبة العمل الى قطار.

 

وكشفت المصادر ايضاً، انّ طرح رئيس الجمهورية الذي ظَهّره غداة اللقاء بينه وبين دياب، بتغيير بنية الحكومة والذهاب الى حكومة سياسية، ارتكز الى سبب ظاهري، هو انّ الظروف الاقليمية التي استجَدّت بعد اغتيال قائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري» الايراني قاسم سليماني تستوجِب تشكيل حكومة سياسية قادرة على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية. الّا انّ سبباً آخر غير منظور قد يكون خلف هذا الطرح، وثمة من يقول انّ منشأه هو الصعوبة في حسم حصة التيار في الحكومة بين التيار والرئيس المكلف، والتي سيبدو معها التيار أنه يعطّل تشكيل الحكومة. علماً انّ هذه الصعوبة هي التي أدّت الى تأخير الولادة الحكومية طيلة الفترة الماضية، ودفعت البعض، كما بات معلوماً، الى البحث عن صيَغ دستورية لانتزاع التكليف من دياب فلم يجدها.

 

شكوى

 

وبحسب المصادر فإنّ اللقاء الذي عقد امس الأول بين الرئيس بري ورئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل، تخلّله عرض شامل لكلّ مجريات التأليف منذ تكليف دياب، واستعرض بالتفصيل كل محطات «الصعوبة» في حسم الحصة الوزارية المحسوبة على التيار في الحكومة.

 

ولفتت مصادر واسعة الاطلاع لـ«الجمهورية» الى أنها استخلصت من أجواء التيار ما تسمّيها «الشكوى» من كيفية تعاطي الرئيس المكلف معه، والذي خالفَ تعاطيه مع الفريق الشيعي والحسم السَلس من دون اي اعتراضات، لحصّته الوزارية ومن ضمنها الحقيبة السيادية اي وزارة المالية، وكذلك الأمر بالنسبة الى الحصة السنية والتثبيت الفوري لحقيبة الداخلية (السيادية) من حصة الرئيس المكلف. الّا انّ الامر اختلف مع التيار والحصة المارونية حينما أصرّ الرئيس المكلّف على إسنادها لشخصية مارونية محسوبة عليه، إضافة الى الاصرار على إلزام التيار بحقائب معينة، وهو ما لم يقبل به التيار.

 

وتشير المصادر الى انّ هذا الأمر عَرضه باسيل في لقائه بري امس الأول، فكان رئيس المجلس متفهّماً، وأخذ على عاتقه التواصل مع الرئيس المكلف لبلوغ حل لهذه المسألة. وتبعاً لذلك، أوفد بري معاونه السياسي الوزير علي حسن خليل للقاء دياب. وتم التوافق على لقاء بين بري ودياب وغداء اليوم في مقر رئاسة مجلس النواب في عين التينة، للبَتّ في مجموعة من النقاط العالقة، على أن يلي ذلك لقاء – ربما اليوم – بين دياب ورئيس الجمهورية، قد يسبقه لقاء بين الرئيس المكلف وباسيل.

 

وعلم ايضاً انّ باسيل عرض امام بري انّ التيار وتكتل لبنان القوي، طلبا من الرئيس المكلّف أن تسند اليه حقيبة السياحة التي كانت من حصة حزب الطاشناق في الحكومة المستقيلة، الّا انّ دياب ابلغه انّ السياحة أصبحت من حصة الرئيس بري. وبحسب المعلومات، فإنّ بري كان متجاوباً مع طلب باسيل لجهة القبول بالتخلّي عن وزارة السياحة، على ان تستبدل بحقيبة الثقافة.

 

خريطة الحقائب

 

في سياق متصل، اكدت المصادر انّ البحث ما زال يدور حول حكومة الـ18 وزيراً، الّا اذا استجد ما أوجب توسيعها في آخر لحظة الى حكومة من 24 وزيراً بلا وزراء دولة. وامّا خريطة الحقائب الوزارية لحكومة الـ18 وزيراً، فيبدو انه سيتم تثبيتها كالآتي:

 

– الفريق الرئاسي (رئيس الجمهورية والتيار وتكتل لبنان القوي): الخارجية، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، الطاقة، البيئة، العدل، السياحة والاقتصاد، الشؤون الاجتماعية والمهجرين.

– الرئيس المكلف واللقاء التشاوري: الداخلية، الاتصالات والاعلام، التربية والشباب والرياضة، العمل والتنمية الادارية.

– الثنائي الشيعي: أمل: المالية والثقافة. و«حزب الله»: الصحة والصناعة.

– المردة: الاشغال.

 

ماذا بعد؟

 

الى ذلك، وعلى الرغم الايجابية الطاغية على مسار التأليف، فإنّ السؤال الذي يطرح نفسه بالتوازي مع ما يُحكى عن ولادة وشيكة للحكومة، هو: ماذا يمكن ان تفعل هذه الحكومة، وهل ستتمكن من تقديم العلاجات اللازمة التي يتخبط فيها البلد اقتصادياً ونقدياً؟

 

يورد مرجع سياسي معني بالملف الحكومي، عبر «الجمهورية»، الملاحظات الآتية:

 

أولاً، انّ مجرّد اعلان مراسيم تشكيل الحكومة سيحدث صدمة ايجابية في المناخ السلبي العام، بالتأكيد ستكون لها ارتدادتها، وثمّة إشارات مُسبقة ظهرت في الساعات الـ24 الماضية في سوق الصرف والتراجع في سعر صرف الدولار أمس، الى حدود الـ2100 ليرة بعدما بلغ قبل يومين عتبة الـ2500 ليرة.

 

ثانياً، انّ الواقعية توجب الاقرار انّ غاية أملنا في هذا الوضع الذي بلغه البلد، هو أن ينتظم عيشنا العادي في المكان الذي يمكن للبناني ان يتحمّله، وبمعنى أوضح وأدق، هو العودة بالوضع اللبناني الى ما قبل 17 تشرين الاول الماضي.

 

ثالثاً، انّ الحكومة إذا شُكّلت اليوم او غداً او في اي وقت آخر، هي أمام مهمة صعبة جداً، في اتجاه ضبط الأداء الحكومي الناظم لشؤون البلد، في الاتجاه الفاعل والمنتج. وهي من خلال هذا الامر تستطيع ان تدير الازمة. امّا الدخول في معالجة هذه الازمة، فهو يتجاوز هذه الحكومة، خصوصاً انّ هذا يلزمه بين 4 و5 سنوات.

 

رابعاً، بالتأكيد، انّ الحكومة الجديدة ستوضع على منصّة التصويب لإفشالها من اللحظة الأولى التي ستصدر فيها مراسيمها، من مصادر متعددة، الاكثر هجوماً فيها: تيار المستقبل، القوات اللبنانية، الحزب التقدمي الاشتراكي، حزب الكتائب والحراك بمختلف مكوناته.

 

خطر «التعثّر»

 

في سياق متصل، وفيما كان الجدل في الغرف المغلقة يدور حول القرار الذي ينبغي أن يتخذه لبنان في موضوع دفع استحقاقات الديون بالعملات الاجنبية، وأوّلها استحقاق في آذار قيمته حوالى مليار و250 ألف دولار، وفيما كان حاكم مصرف لبنان يُفاوض المصارف لتأجيل الدفع من خلال عملية مبادلة (Swap)، فاجأت وكالات التصنيف العالمية الجميع بإطلاق تحذير واضح مفاده أنها قد تضطرّ الى تصنيف البلد في فئة «التعثّر الانتقائي» إذا أقدمَ على هذه العملية.

 

هذا التحذير دفع وزير المالية في حكومة تصريف الاعمال علي حسن خليل، الى الطلب من حاكم المصرف المركزي إرجاء المبادلة المقترحة لسندات اليوروبوندز، وفقاً لما نقلته وكالة «رويترز» عن مصدر مطّلع.

 

وقال المصدر إنّ خليل قال في رسالته إلى رياض سلامة، إنّ الحكومة بحاجة إلى أن تتخذ أولاً قراراً حول كيفية تمويل سنداتها المستحقة في 2020.

 

أضاف المصدر أنّ خليل أقرّ بحق المصرف المركزي في إدارة محفظته من السندات لكنه طلب إرجاء المبادلة، التي سيحصل بموجبها حائزو الدين المحليون على سندات أطول أجلاً، بسبب الآثار المحتملة على التصنيف السيادي.

 

مفاجأة كوبيتش

 

الى ذلك، برز أمس موقف لافت للمنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش، الذي قال انّ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة طلب صلاحيات استثنائية لإدارة الاقتصاد بطريقة أو بأخرى، في حين يقف المسؤولون في موقف المتفرّج والاقتصاد ينهار، وهذا أمر لا يصدق.

 

وردّاً على سؤال بَرّر كوبيتش دفاعه عن حاكم مصرف لبنان بالقول: «لأنّه الوحيد الذي يعمل على معالجة الأزمة القائمة في وقت لا يقوم السياسيون بأيّ شيء». وفي المعلومات انّ خروج كوبيتش عن صمته، وإطلاقه انتقادات علنية ضد الطبقة السياسية في لبنان، جاء عقب كلام أقسى كان يردده كوبيتش في الغرف المغلقة، وكان يُبدي استغرابه وانزعاجه من هذا الغياب غير المبرّر للمسؤولين السياسيين في معالجة الأزمة المالية والاقتصادية الخطيرة التي يعانيها لبنان.

الجمهورية