مجلة وفاء wafaamagazine
ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قداس الاحد في كنيسة السيدة في الصرح البطريركي في بكركي، عاونه فيه المطرانان حنا علوان وانطوان عوكر، امين سر البطريرك الاب شربل عبيد، الأمين العام للمدارس الكاثوليكية الاب بطرس عازار، ولفيف من الكهنة، في حضور جمعية الكتاب المقدس برئاسة الامين العام للجمعية مايك باسوس، وفد من بولندا في زيارة حج الى لبنان، وحشد من المؤمنين.
بعد الانجيل المقدس، القى الراعي عظة بعنوان: “عليكم ان تولدوا من جديد”، قال فيها:
“الولادة من جديد هي الولادة الثانية بمعمودية الماء والروح، كما كشفها الرب يسوع لنيقوديمس، الفريسي والرئيس اليهودي، الذي قصده ليلا وأقر بأنه “أتى من الله معلما (يو2:3). فأجابه الرب كاشفا جوهر رسالته وغايتها، وهي أن يولد الإنسان ثانية من الماء والروح، لكي يستعيد بهاء الصورة الإلهية، ويدخل في شركة الإتحاد بالله، وشركة الوحدة مع الجماعة المؤمنة في الكنيسة. ولذا أكد له: لا تعجب إن قلت لك: عليكم أن تولدوا من جديد (يو7:3).
يسعدنا أن نحتفل معا بهذه الليتورجيا الإلهية، التي نحيي فيها ذكرى ولادتنا الثانية بالمعمودية من الماء والروح، إذ بين المعمودية وسر القربان، المعروف بالإفخارستيا، يوجد رباط عضوي حيوي. فبالمعمودية نولد ككائن روحي جديد يغتذي روحيا من القربان، كما تغتذي حياتنا البشرية بالطعام المادي. لقد شبه القديس توما الأكويني مسار حياتنا الروحية الجديدة بمسار حياتنا البشرية من خلال أسرار الكنيسة السبعة. فيقول: حياة الإنسان الطبيعية تولد من الزواج، وحياته الفائقة الطبيعة من سر المعمودية؛ الإنسان ينمو ويتقوى بالمناعة، وحياته الجديدة تنمو بمسحة الروح القدس؛ الحياة الطبيعية تتغذى بالطعام المادي، والحياة الجديدة بسر القربان، جسد المسيح ودمه؛ الإنسان يمرض ويتعافى بالتطبيب، وبسر التوبة تشفى النفس من خطيئتها؛ الإنسان يتحرر من آثار المرض بالنقاهة، وبسر مسحة المرضى يتعافى نفسا وجسدا من آثار الخطيئة؛ الإنسان ينتظم في حياة إجتماعية للخير العام، وبسر الكهنوت يحظى برعاية تقوده إلى الخلاص الأبدي؛ الحياة البشرية تتواصل في الوجود جيلا بعد جيل بالتوالد، وبسر الزواج تستمر الكنيسة وتنمو بإيمانها الذي يتناقل ليشمل جميع الناس في ملكوت الله.
يطيب لي أن أرحب بكم جميعا، وبخاصة بجمعية الكتاب المقدس وبأمينها العام السيد مايك باسوس. إنها منظمة مسيحية مسكونية تضم في هيئتيها العامة والإدارية أعضاء من كل الكنائس الكاثوليكية في لبنان، وهي تعمل لخدمة كنائسنا عبر نشر رسالة الكتاب المقدس وتعميق ثقافته لجميع الأجيال، وذلك من خلال ترجمة الكتاب المقدس ونشره بالوسائل المقروءة والمسموعة والمرئية والرقمية كافة، ودعم قضيته لإعلاء شأن كرامة الإنسان. وتهتم الجمعية بإقامة أسبوع الكتاب المقدس بالتعاون مع الأمانة العامة للمدارس الكاثوليكية والرابطة الكتابية الكاثوليكية، وتسعى من خلال برامجها أن تقدم كلمة الله، بطريقة مميزة، إلى أبنائنا في الرعايا والجامعات والمدارس. هي حاضرة معنا اليوم لتكرم في نهاية القداس طلابا فازوا في المسابقة الكتابية الإلكترونية في العام 2019.
وأرحب بالوفد الآتي من بولندا، كهنة ومؤمنين، وطن القديس البابا يوحنا بولس الثاني، لزيارة ضريح القديس شربل والأماكن المقدسة في لبنان. نتمنى لهم زيارة تقوية مباركة وطيب الإقامة.
الولادة الثانية بالمعمودية هي خلق جديد بتعبير القديس بولس الرسول (2كور17:5)، يعيد للإنسان بهاء طبيعته الأولى المخلوقة على صورة الله، وقد خسرها بخطيئة أبوينا الأولين آدم وحواء. فانكسرت الشركة مع الله وبين الناس. وهكذا باتت الخطيئة الشخصية تواصل كسر هذه الشركة. وتسوء الحياة في المجتمع أكثر فأكثر، عندما تصبح الخطيئة إجتماعية، كما يصفها القديس البابا يوحنا بولس الثاني: “كل خطيئة شخصية يمكن اعتبارها إجتماعية لأنها تؤثر في مجتمعها. إجتماعية هي كل خطيئة ضد شخص آخر؛ وإجتماعية كل خطيئة ترتكب ضد العدالة في العلاقات بين الناس؛ وإجتماعية هي كل خطيئة تمس بحقوق الإنسان وبسلامته الجسدية وبحريته في التعبير والإيمان وبكرامته. إن صراع الطبقات شر إجتماعي، وكذلك الخصومات المتمادية (راجع الإرشاد الرسولي: المصالحة والتوبة في رسالة الكنيسة اليوم (2 كانون الأول 1984)، 16).
الخطيئة الاجتماعية هي نتيجة عدة خطايا شخصية متراكمة ومترابطة، أكانت هذه الخطايا ضد الله ووصاياه ورسومه، أم ضد الإنسان والجماعة؛ أكانت أخلاقية أم سياسية أم مالية أم إقتصادية، بحيث ينتج عنها سرقة أو اختلاس أو هدر للمال العام، أو ظلم أو تسييس للعدالة وللإدارة.
إن الحالة المتردية سياسيا واقتصاديا وماليا ومعيشيا عندنا، وحالة النزاعات والانقسامات، واستغلال السلطة للإثراء غير المشروع والنفوذ والظلم، على حساب الشعب والانماء الشامل وقيام دولة العدالة والقانون، إنما هي ثمرة تراكم الخطايا الشخصية التي أصبحت خطيئة اجتماعية. كان من المنتظر فعل توبة شخصية من جميع المسؤولين والسياسيين. فكانت في المقابل انتفاضة الشباب والصبايا السلمية والحضارية على مدى مئة يوم الى اليوم، قبل أن تشوهها ثورة العصي والحجارة والخناجر وتكسير واجهات المؤسسات والمتاجر العامة والخاصة وسرقة محتوياتها.
وكان لا بد من قيام حكومة تتولى مجازفة النهوض الاقتصادي والمالي والمعيشي والإنمائي من الحالة العسيرة للغاية. لكن المسؤولية تقع على جميع الذين هم في السلطة أو يتعاطون الشأن العام والسياسي. فلبنان متصدع في مرتكزاته الأساسية: في استقلاله وسيادته ووحدته الوطنية، وفي دستوره وهويته وصيغته وتعدديته، وقضائه الحر والمستقل، وفي ديموقراطيته ونظامه الليبرالي الاقتصادي والمالي، وفي دوره ورسالته في محيطه العربي (راجع التوسع في مقال الوزير السابق سجعان قزي، النهار 23 كانون الثاني 2020). فمن الواجب تضافر القوى من الجميع بهدف البناء والنهوض؛ ومن الواجب أيضا إقرار موازنة 2020 ، غدا وبعد غد، من أجل انتظام المالية العامة تحت سقف القانون والدستور، وفي الاتجاه الانقاذي الصحيح، مع تجنب ما يرهق المواطنين من ضرائب.
إن الحكومة الجديدة أمام امتحان عسير لكونها تواجه المخاطرة الصعبة بإسم الشعب والشباب الفاقدي الثقة بعد خيبات أمل متتالية من السياسيين والمسؤولين. ومع ذلك يجب مساندة الحكومة، ومساءلتها ومحاسبتها على نتائج أعمالها، إذا كانت تلبي حاجاتهم الحياتية. هذا لا يعني انتهاء الانتفاضة – الثورة، كما يظنون، بل اتخاذ موقف المراقبة والمطالبة. فالمهم هو النهوض بالبلاد لكي ينهض الجميع. والمطلوب من الحكومة إستعادة الثقة المفقودة، وإعلان تضامنها مع الشعب اللبناني وشبابنا في حاجاتهم. إننا نحيي انتفاضة الشباب والصبايا السلمية والحضارية في جميع المناطق اللبنانية، ونعرب عن تضامننا معهم، ونقدر تضحياتهم وجهودهم لأنهم يريدون طي صفحة سوداء من حياتنا الوطنية وكتابة تاريخ جديد بحبر ولائهم للبنان وأرضه وكيانه ومؤسساته الدستورية وثقافته ورسالته. فالشباب هم ثروة الوطن وحاضره ومستقبله. فلا بد من أن يخرج من صفوفهم قادة جدد على قدر حاجات الوطن.
فلنجدد، أيها الإخوة والأخوات، مفاعيل معموديتنا من الماء والروح، بحيث نعيش إنساننا الجديد الذي لبسناه مع ثوب المعمودية، راجين أن نعيش اختبار بولس الرسول: أنا حي، ولكن لا أنا، بل هو المسيح الذي يحيا في (غلا20:2). ومعا نرفع نشيد المجد والتسبيح للثالوث القدوس، الآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين”.
بعد القداس، استقبل الراعي المؤمنين المشاركين في الذبيحة الإلهية.
وكان الراعي استقبل مساء امس نقيب المحامين ملحم خلف وكان عرض للأوضاع العامة اضافة الى عدد من المواضيع القضائية وعمل النقابة.
الجمهورية