مجلة وفاء wafaamagazine
ألقت النائبة ستريدا جعجع، كلمة في جلسة الثقة في مجلس النواب، هذا نصها:
“هناك الكثير من المواضيع المطروحة على بساط البحث، إن كان في السياسة الدولية أو الإقليمية أو المحلية، وخصوصا موضوع “صفقة القرن” التي ولدت ميتة بالنسبة لنا كحزب سياسي.
إلا أنني لن أتطرق الى كل هذه المواضيع، بل اريد التأكيد قبل الغوص في مشاكل الشعب اللبناني الذي ينوء تحت اثقال مشكلة اقتصادية مالية نقدية لم يشهدها لبنان منذ الحرب العالمية الأولى وما تخللها من مجاعة وفقر وهجرة، أريد التأكيد على إصرارنا على النأي بالنفس عن كل الصراعات الحاصلة في المنطقة، بلأن الحكمة تقتضي منا جميعا تركيز كل جهودنا لحل مشاكلنا الداخلية.
سأبدأ بتلاوة بعض ما جاء في الكلمة التي ألقيتها من على هذا المنبر بالذات في 12 شباط من العام 2019، اي منذ سنة تقريبا، أثناء جلسات مناقشة البيان الوزاري للحكومة السابقة:
إن أربعة ملايين لبناني يرزحون تحت أثقال الوجع والقرف وانعدام الثقة بأغلبية المسؤولين السياسيين من مختلف التوجهات والأحزاب والمشارب، أربعة ملايين لبناني يعيشون اليوم ويترحمون على الأمس ويخافون من الغد. انهم يتشاركون جميعا حالة نضال يومي، نضال المواطن اللبناني للبقاء والإستمرار والعيش بكرامة. فالأقساط المدرسية نضال ، والعمل نضال، وتأمين لقمة العيش نضال، التربية نضال، والمرض والإستشفاء نضال وعدم التخلي عن الأمل بغد افضل، هو بحد ذاته نضال.
انهم لبنانيون من أقصى الشمال الى أقصى الجنوب ومن بيروت والساحل الى الجبل والبقاع، ويطرحون أسئلة كثيرة ولا يجدون جوابا واحدا شافيا.
وما يزيد المرارة أن الأوضاع الإقتصادية والمعيشية كانت خلال الحرب أفضل بكثير مما هي عليه اليوم، حتما لا أحد يريد عودة الحرب، ولكن هل يجوز أن نواجه في زمن السلم ما نواجهه اليوم، نتيجة ما ارتكب المسؤولون وما زالوا أو نتيجة العجز عن ايجاد الحلول؟”
لقد قمت بتلاوة هذا المقطع ليس لمجرد الاستذكار، بل لأدلل على مدى معايشتنا للناس وقضاياهم وبالتالي على مدى الجهود والمحاولات التي بذلناها كحزب سياسي، إن في المجلس النيابي أم في مجلس الوزراء، لتحقيق ولو جزء يسير مما يطالبون به، ولكن عبثا.
سأتلو الآن بعض ما جاء في كلمة ألقيتها أيضا من على هذا المنبر في 16 تموز 2019، اي منذ نحو ستة أشهر، في سياق جلسات مناقشة موازنة 2019:المؤسسات الدولية، وكالات التصنيف، المحللون الاقتصاديون… جميعهم أعلنوها، ونحن ما زلنا ننكر… لا بل نحن نرتكب ما هو افظع من الإنكار: اللامبالاة…
ماذا ننتظر؟ ماذا نفعل؟ مماحكات سياسية؟ إستعراضات شعبوية؟ خطوات إصلاحية مشوبة بـ” مرقلي تمرقلك”؟ قرارات مالية تحت راية ” جماعتي كمان بيطلعلها”؟ ماذا ننتظر؟ لا يمكننا الاستمرار في هذا المسار. المتطلبات كبيرة، والمزايدات أكبر. الاستحقاقات كبيرة، وعلى الفعلة ان يكونوا على قدر التحديات الكبيرة التي تواجه شعبنا الذي ينوء تحت أثقال الوضع الاقتصادي الصعب”.
الغاية من تلاوتي لهذا المقطع لأقول بأننا كنا نعرف، والكثير من المراقبين وأصحاب الاختصاص كانوا يعرفون إلى أين يذهب البلد وأي مصير ينتظرنا.
حاولنا كنواب هنا في هذا المجلس، كما بح صوت وزراء القوات اللبنانية في كل جلسة من جلسات الحكومات السابقة،للتنبيه من خطورة الأوضاع وضرورة اتخاذ خطوات جذرية وفورية للإصلاح… ولكن عبثا أيضا وأيضا.حتى لم نستطع إقناع الأكثرية الوزارية السابقة بوقف العقود غير القانونية ل 5300 موظف كانوا أنزلوا بالمظلة على إدارات مختلفة في الدولة، خصوصا قبل انتخابات العام 2018، ولأسباب انتخابية مفضوحة. ولكن عبثا وعبثا وعبثا أيضا. الى حد أن الأكثرية الوزارية السابقة تضايقت الى درجة كبيرة من وزراء القوات اللبنانية وبدأوا يطالبون ولو سرا ، ومن خلال تسريبات صحفية متعددة، بأنه يجب إقالة وزراء القوات والتخلص منهم لأنهم ” يعرقلون عملنا”.
هذا صحيح، وصحيح جدا، إذ كنا نحاول بكل ما أوتينا من قوة عرقلة أعمالهم السيئة والتي أودت بالبلاد الى الهوة التي هي فيها الآن،لكننا أيضا،وبسبب موازين القوى داخل مجلس الوزراء، لم نتمكن، مما دفع بوزرائنا للاستقالة عند أول فرصة مؤاتية: 17 تشرين الأول 2019.
عدا عن المحاولات الكبرى التي قمنا بها لإنقاذ الوضع، إن على مستوى المجلس النيابي او على المستوى الحكومي، فإننا حاولنا إضاءة شمعات صغيرة في هذه الظلمة الكبيرة التي كنا ولا نزال نعيشها.
فكان وزراء القوات اللبنانية مثالا وقدوة في الشفافية والنزاهة والاستقامة ومحاربة الفساد، حيث يقدر بعض المحللين أن محاربة الفساد في وزارة العمل وحدها وفرت على اللبنانيين عشرات ملايين الدولارات سنويا كانوا يدفعونها رشاوى لإنجاز معاملاتهم.
وزير الشؤون الاجتماعية في الحكومة ما قبل الماضية بيار بو عاصي، وفي سابقة في العمل الوزاري في لبنان، أنهى عقود 600 متعاقد لأنه لم يعد لديهم عمل فعلي يقومون به.
وزير العمل في الحكومة السابقة كميل ابو سليمان وضع موضع التنفيذ الفعلي قانون العمالة الأجنبية والذي نام دهرا في الأدراج، بالرغم من حاجة العامل اللبناني له، وأصررنا على تطبيق القانون كما يجب بالرغم من العراقيل التي وضعت في وجهه، وبالرغم، وللأسف، من معارضة جهات وزارية ونيابية عدة لتطبيقه.لقد أصر وزراء القوات اللبنانية جميعا على تطبيق القوانين كليا في وزاراتهم، من وزارة الصحة مع دولة الرئيس غسان حاصباني الى الشؤون الاجتماعية، الى وزارة العمل ووزارة الإعلام ووزارة التنمية الإدارية، وخدموا، وبشهادة الخصم قبل الصديق، جميع اللبنانيين على قدم المساواة بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية والطائفية والمناطقية.
لقد دق وزراء القوات اللبنانية ناقوس الخطر منذ موازنة 2017 بما يتعلق بدعم الكهرباء وأثره على العجز المالي العام في الدولة، إضافة الى الواقع المتردي في قطاع الاتصالات جراء الحوكمة الخاطئة وعدم تطبيق القوانين.
كما قدموا الاقتراحات تلو الاقتراحات بمواضيع مرفأ بيروت والجمارك والمعابر غير الشرعية، وكله من دون اي جدوى، ذلك أن الأكثرية الوزارية في الحكومة السابقة كانت تعيش على كوكب آخر. ولا يسعني في هذا المجال إلا أن أنوه بالجهود الكبيرة للوزيرة مي شدياق لإنجازها الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، والتي أرسلتها لرئاسة مجلس الوزراء بتاريخ 23 أيلول 2019 لعرضها على اللجنة الوزراية المعنية ومن ثم على مجلس الوزراء للموافقة عليها.
نصل الى 2 أيلول 2019: إجتماع اقتصادي إستثنائي في قصر بعبدا بحضور الرؤساء الثلاثة ورؤساء الأحزاب والكتل في لبنان.يبادر رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع ويطرح على المجتمعين الخروج من السلطة بعد الفشل الحاصل، وتسليم دفة الأمور الى حكومة اختصاصيين مستقلين لمحاولة إنقاذ البلاد من المصير المحتوم، وأنه نظرا لفداحة الأوضاع يجب أن تسقط كل الاعتبارات السياسية الضيقة والشخصية، لأن انهيار الاقتصاد يعني عمليا انهيار الدولة.
سخر الحاضرون من اقتراح سمير جعجع وأصروا على ما هم عليه، حتى أوصلوا البلاد الى ما وصلت إليه.
فقط للتذكير، وانسجاما مع ما طرحه رئيس الحزب في تلك الجلسة، فإن القوات اللبنانية دأبت معظم الأوقات وحتى في الحكومات السياسية السابقة، على اختيار وزراء اختصاصيين ومن بينهم من لا ينتمي الى القوات اللبنانية من ابراهيم نجار وسليم وردة الى غسان حاصباني و كميل ابو سليمان.
وبعد، نحن أمام حكومة جديدة يفترض أن تقوم بعملية إنقاذ سريعة وسريعة جدا. لم يعد لدينا ترف إضاعة الوقت ولو للحظة. هل هي قادرة على ذلك؟ هذه أقصى تمنياتنا.
ولكن بعض المؤشرات التي بانت حتى الآن لا تنبىء بذلك. فقوى الأكثرية الوزارية السابقة كانت لها اليد الطولى أقله بطرح اسماء وزراء الحكومة، وجاء من بينهم من هو علنا مستشار لهذا الوزير السابق أو لذاك الرئيس.
ومن ثم أتت جلسة إقرار موازنة 2020 لتظهر ارتباكا واستسلاما لا لزوم لهما، إذ كيف لحكومة جديدة يؤمل منها كل جديد أن تبصم على موازنة قديمة لا يؤمل منها أي خير؟
وأخيرا أتى البيان الوزاري ليس على قدر التطلعات والآمال مما هو مطلوب من حكومة إنقاذ.
لذلك لن نعطي الثقة لهذه الحكومة، ولكن مع انتظار دائم لما ستكون عليه قراراتها وخطواتها. فإن أصابت وبدأت خطوات جذرية سريعة لإنقاذ البلاد، كنا إلى جانبها ولو بعد حين، وإلا فسنكون من أشد المعارضين لها.
دولة الرئيس ،
بعض الملاحظات قبل أن أنهي كلمتي :
أولا: إحترام المؤسسات الدستورية واجب. والشعب هو مصدر السلطات كلها. ونحن هنا بقوة تمثيلنا الشعبي. ولكن مع اهتزاز ثقة الناس بأكثرية الطبقة السياسية الحالية، نحن مع إجراء انتخابات نيابية مبكرة على أساس القانون الحالي، لأنه قانون جديد أمضينا عشر سنوات للوصول إليه، ولأننا من جهة ثانية لا نريد للبلاد أن تدخل، وهي في أصعب أيامها، بمتاهة سياسية جديدة.
ثانيا: ” كلن يعني كلن” ، طبعا ” كلن يعني كلن” تحت القانون والمحاسبة. والسارق يحاسب ويوضع في السجن، وتسترد منه الأموال المنهوبة. أما النزيه والشفاف ورجل الدولة فيدعم ويساند ليكمل ما كان قد بدأه.
ثالثا: تحية كبيرة جدا للجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي قيادات وضباطا وأفرادا، على كل التعب والجهد الذي وضعوه للحفاظ على حرية التظاهر والتعبير ومواكبة تحركات الناس والحفاظ على أمنهم من جهة، والحفاظ على السلامة العامة وسلامة الممتلكات العامة والخاصة من جهة ثانية.
رابعا وأخيرا: بحب قول لكل اللبنانيين من أقصى الشمال لأقصى الجنوب، ومن الساحل والجبل للبقاع، اللي شايفين سواد كبير اليوم، تعبكون ما رح يروح ضيعان: ما بعد 17 تشرين الأول غير ما قبل 17 تشرين الأول. وبحب ذكرن، إنو نحنا كجماعة أكثر مين اختبر الظلم والقمع والإضطهاد والتنكيل والضغوط، بس ايمانا واصرارنا خلونا نوصل لهون، وكونوا أكيدين إنو :ورا كل ظلام وظلم نور، و ورا كل عنف سلام.
نحنا الشعب اللبناني بكل أطيافه ما بنقبل نموت راكعين، وما بنركع إلا للله .رح نضل واقفين نقول الحقيقة مهما كانت صعبة. حتى ينتصر لبنان السيد الحر المستقل القوي، لبنان الرسالة اللي حكي عنو البابا القديس يوحنا بولس التاني”.