مجلة وفاء wafaamagazine
ألقى العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:
“عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بوصية الإمام الباقر، هذا الإمام الذي استعدنا ذكرى ولادته في الأول من شهر رجب، أي قبل أيام، عندما قال لأحد أصحابه: “يا جابر! أيكتفي من ينتحل التشيع أن يقول بحبنا أهل البيت؟ فوالله، ما شيعتنا إلا من اتقى الله وأطاعه، وما كانوا يعرفون يا جابر إلا بالتواضع، والتخشع، والأمانة، وكثرة ذكر الله، والصوم، والصلاة، والبر بالوالدين، والتعهد للجيران، وصدق الحديث، وكف الألسن عن الناس، إلا من خير، وكانوا أمناء عشائرهم في الأشياء. حسب الرجل أن يقول: أحب عليا وأتولاه، ثم لا يكون مع ذلك فعالا؟ فلو قال: إني أحب رسول الله، فرسول الله خير من علي، ثم لا يتبع سيرته ولا يعمل بسنته ما نفعه حبه إياه شيئا، فاتقوا الله واعملوا لما عند الله، ليس بين الله وبين أحد قرابة، أحب العباد إلى الله عز وجل وأكرمهم عليه أتقاهم وأعملهم بطاعته.. يا جابر. فوالله، ما يتقرب إلى الله تبارك وتعالى إلا بالطاعة، وما معنا براءة من النار، ولا على الله لأحد من حجة، من كان لله مطيعا فهو لنا ولي، ومن كان لله عاصيا فهو لنا عدو، ولا تنال ولايتنا إلا بالعمل والورع”. لقد أراد الإمام من خلال هذه الوصية أن يعدل النظرة الشائعة عند البعض، ممن يعتقد أنه يكفي حتى يكون شيعيا أو مواليا أن يحب أهل البيت. إن التشيع، بحسب نص الإمام الباقر، لا يقف عند حدود العاطفة والمشاعر والأحاسيس، بل لا بد من أن يتمظهر في السلوك والعمل، فالشيعي هو من يتميز بطاعته لله، بعبادته، بذكره لله وصدقه وأمانته، وخدمته للمحتاجين من الفقراء والمساكين ومن أثقلتهم الديون. هو من يكون علامة فارقة بين الناس، ويترك أثرا طيبا حيثما حل وأينما حل، ومن تنعم الناس بوجوده. ومتى حصل ذلك، سيكون أكثر عطاء ومسؤولية وقدرة على مواجهة التحديات”.
وقال: “البداية من لبنان الذي تزداد فيه معاناة اللبنانيين على كل الصعد، والذي تشير إليه الوقائع على الأرض والأرقام التي تتحدث عن الارتفاع المتزايد في نسب معدلات الفقر والبطالة، وأعداد المؤسسات التجارية والصناعية والمطاعم والفنادق التي تغلق والهجرة وارتفاع الأسعار، في وقت تقف الحكومة عاجزة عن وفاء الديون المستحقة أو التي ستستحق لاحقا، في ظل واقع الخزينة والتردي الاقتصادي الحالي، فيما المساعدات التي ينتظرها البلد خاضعة للضغوط الأميركية التي تفرض على لبنان إن قبل بها، أو هي مشروطة بشروط لا تقف عند الإصلاحات الضرورية في البنية الداخلية للدولة اللبنانية، بل تتعدى إلى المس بسيادة لبنان أو قراره السياسي والاقتصادي. وهو ما يدعو اللبنانيين الحريصين على حرية بلدهم واستقلاله، إلى أن يقلعوا أشواكهم بأظافرهم، ونحن على قناعة بأن اللبنانيين قادرون على ذلك إن تعاونوا وتكاتفت جهودهم وكانوا جادين في إيقاف مزاريب الهدر والفساد، ولا سيما مزراب الكهرباء، وفي إعادة الأموال المنهوبة التي دخلت في حسابات المسؤولين والمتنفذين، أو تلك التي خرجت من لبنان والتي ألحق خروجها أضرارا بمالية الدولة”.
ودعا “الحكومة إلى استخدام كل الوسائل لإنقاذ البلد من دون أن يتحمل الوطن أعباء تمس بسيادته وسياسته واقتصاده وأمنه ومعيشة المواطنين”. كذلك دعا “القوى السياسية إلى أن تقوم بمسؤوليتها في مساعدة الحكومة على القيام بدورها، لأن تداعيات ما يجري إذا استمر على هذه الحال لن تقف عند الحكومة الحالية أو فريق معين، بل سترتد على الوطن كله، وبالأخص على الذين حكموا البلد في المراحل السابقة، فالوقت ليس وقت تقاذف المسؤوليات، وتبادل الاتهامات، بقدر ما هو وقت تعاون وتناصح”.
أضاف: “وإذا كان هناك من يطرح بأننا خارج الحكم ولم نشارك في تأليف الحكومة، وبالتالي فنحن معارضة يحق لها الانتقادات، فإن هذا أمر مقبول إذا لم يأت في سياق تصفية الحسابات بما يؤدي إلى تعميق الانقسام السياسي وتوتير الأجواء، فيما البلد يمر في ظروف غير طبيعية، وفي وقت تتهدد المخاطر الكبيرة إنسان هذا البلد في غذائه ودوائه وأبسط مقومات عيشه ولا يستطيع الحصول على ماله، كما يتهدد البلد في حريته واستقلاله”.
ورأى أنه “في الوقت نفسه، هناك دور للبنانيين ينبغي أن يقوموا به، بأن يسند بعضهم بعضا ويعين بعضهم بعضا لمواجهة هذه المرحلة الصعبة. وعلى هذا الصعيد، فإن على كل مواطن أن يتحمل مسؤوليته، وخصوصا التجار الذين عليهم أن لا يصل الجشع بهم إلى رفع أسعار السلع بشكل غير مقبول، يتعدى ارتفاع سعر صرف الدولار”.
وتابع: “في سياق الحديث عن القضاء، والإعلان عن تشكيلات قضائية، ندعو مجددا وباسم اللبنانيين جميعا إلى ابعاد القضاء عن السياسة، وإلى اختيار قضاة نزيهين وبعيدين كل البعد عن المحاصصات وعن المحسوبيات التي أوصلت البلد إلى هذا المنحدر. بعدما بات واضحا أن لا سبيل لقيام البلد ومعالجة كل الملفات التي يعاني منها إلا بقضاء عادل ونزيه ومستقل”.
وقال: “في إطار الحديث عن القضاء، فإننا نرى أنه من غير المقبول ما صدر من مواقف أميركية والذي يدعو إلى فرض عقوبات على الدولة اللبنانية إن استمرت في اعتقال عميل ارتكب الجرائم بحق المعتقلين اللبنانيين في سجن الخيام، والذي نرى أنه أمر يمس بالسيادة اللبنانية ويسيء إلى اللبنانيين”.
وتابع: “إلى فلسطين المحتلة، حيث يستعد الاحتلال الصهيوني لمخطط استيطاني جديد في قلب القدس، إمعانا في قطع أوصال هذه المدينة المقدسة وتهويدها ومصادرة ما تبقى منها ولقطع الطريق حتى على عاصمة الدويلة الفلسطينية التي تتحدث عنها صفقة القرن. وما يساعد العدو الصهيوني على المضي قدما في ذلك، هو الصمت العربي والإسلامي واتساع دائرة التطبيع مع العدو”.
واعتبر أن “مواجهة هذا الواقع تستدعي وحدة فلسطينية راسخة ودعما للشعب الفلسطيني من الشعوب العربية والإسلامية ومن قوى التحرر والحرية والسلام في هذا العالم”.
وختم محذرا من “خطورة ما يجري على الأرض السورية والذي يهدف في ما يهدف إلى منع هذا البلد من تحقيق استقراره ووحدته وإخراج شعبه من المعاناة المستمرة التي يعيشها داخل سوريا أو خارجها، وإذا كان هناك من مخاوف لدى هذه الدولة أو تلك من هواجس تتصل بأمنها، فهي لا تعالج بمزيد من التدمير لهذا البلد، واحتلال أجزاء منه، بل من خلال تفاهمات سياسية من الممكن تحقيقها. لقد آن الأوان لهذا البلد أن يحظى باستقرار داخلي، وهو لن يتحقق إلا بتعزيز الوحدة الداخلية ومنع العابثين بأمنه من الخارج”.