الرئيسية / آخر الأخبار / وفا سرايا ويوميات العزلة في زمن "الكورونا"

وفا سرايا ويوميات العزلة في زمن "الكورونا"

مجلة وفاء wafaamagazine

 كتبت الإعلامية وفا سرايا 

‎هكذا يصبح للتواريخ والايام رهبتها وفي كثير من الاحيان
‎ذاكرتها الخاصة
‎24 شباط الوصول الى مطار بيروت صباحاً، الوقت، الرزنامة، الانتظار والهواجس والقلق، مزيج القدر والايمان والوعي
‎حين تصبح الاشياء ملبدة ورمادية.
‎ما بين طهران وبيروت، كورونا وانطباعات وطائرة وكمامات وخوف، انتخابات وتغطية اخبارية وتجربة خاصة لاكتشاف ايران عن قرب.
‎المدة حوالى الشهر ، كانت طهران مدينة تتراءى في ذهني بصور نمطية
‎وأفكار مسبقة، عن قرب تتكشف وتخرج من النمطية لتلامس الحركة الوجوه، والاماكن…..
‎ طريقة الحياة، عن قرب الاشياء مختلفة كلياً.
‎في مدينة كأنها تقول لا مع كل صباح، تنفض عنها آثار الحصار والعقوبات، كأنها تقول لنا هذه هي طريقتي في الاحتواء والمقاومة، هذه ثقافتي ولغتي وخياراتي.
‎انه الصراع، وإنني هنا.
‎العالم على وشك أن يفقد السيطرة، المواجهات تحتدم، بين كبسة زر ويد أخرى على الزناد، بين تغريدات ورسائل صامتة.
‎في لحظة ما، الاولويات تغيرت.
‎الخبر الرئيسي، فيروس كورونا. نفس عميق، لبعد آخر.
‎ على مسافة من
‎بيروت، من عائلتي وابنتي، ساعات معدودة وتحط الطائرة على المدرج، نفس آخر يخرج وهلع آخر يسكن الرئتين.
‎كأننا كائنات موبوءة في داخل طائرة على مدرّج. كانت موجة الهيستريتا أخذت مكانها في لبنان، من بعض الاعلام مرورا بهرج ومرج منصات التواصل وصولا الى حسابات سياسية دفينة .
‎الثوب الابيض، فريق طبي يأخذ حرارتنا البيولوجية، أما حرارتنا العقلية والقلبية في مكان آخر.
‎الهاتف في ازدحام الرسائل المزعج منها والمريح للاطمئنان.استمارات نملؤها نسجل مكان السكن والهاتف الخ….
‎بعد انتظار خرجنا من الطائرة، الى ختم الجوازات، بعدها الى استلام الحقائب.

‎الناس موتورة، أحاول أن أتمالك
‎نفسي، أتوجه الى السوق الحرة، الموظفة تصرخ ممنوع الدخول. نحن العائدون من طهران ممنوع دخول السوق الحرة، بلد الكورونا، كأننا خلايا فيروسية متنقلة أو حشرات سامة.
‎ اهلاً وسهلاً بكم في وطن غير مكتمل، هل هي التعليمات والحقد المبطن في صوت تلك الموظفة… الصدمة ما بعد الاولى.
‎هناك ينتظرني “زوجي”، صعدنا بالسيارة، كلقاء الغرباء، دون غمرة وقبلة، وحدها النظرات والكمامات والقفازات. اختصرنا كل شيء بحديث سريع دون تردد.
‎لن اذهب لأرى تالا، بعد غياب شهر تقريباً. في شهرها الحادي عشر.
‎ وأنا هنا على مقربة منها، سأتوجه الى بيتنا. سأكون وحيدة اربعة عشر يوماً. طلبت منه ذلك بأصرار، لم نتجادل في الامر كثيراً. ( حجز منزلي وقائي)
‎لن اكتب عن كورونا. عن أشياء أخرى…
‎يوميات، تساؤلات، انفعالات وانطباعات.
‎السجن الاختياري، كنت دائماً أقول له، أكتب أو لم تكتب عن ذلك.
‎الآن هو يقول لي: أكتبي عنك ،بعيداً عن كورونا.
‎الى حتى هذه اللحظة لا أعلم من منا يكتب أنا أو هو. ربما نحن. “ربما”عنوان كتابه الأخير
‎هل أصبح العالم مختلا، هذه عبارته، أكررها. هل هذا العالم هش لهذه الدرجة، هل هذه نهاية العالم…….حسناَ،سأنظر الى الرزنامة، أمزق الايام وورقة تلوى الاخرى، أتذكر عبارة لن ينجو أحدا من هذه الحياة.
‎على الطاولة مجموعة من الدي في دي افلام، أتذكر حين شاهدنا سوياً فيلم انفيرنو inferno، في البيت مكتبة، ورقة مكتوب عليها حتى للأوبئة أدب ولكن هل سيكون لكورونا مكانها في ذاكرة الادب/ ربما.
‎أطهو لنفسي، أتفنن في صناعة المأكولات والحلويات، أحضّر المائدة بأطباق شهية، أترك مقعدين فارغين، لك ولتالا. أتعلم أشياء جديدة، من اليوتيوب وأطمئن على زملاء العمل والكورونا، واتصل بأمي فيديو كول وأتحدث مع تالا. ستكبر، وأترك لها هذه الكلمات. لتقرأها يوماً ما.
‎ الان اقول لك هذه الكلمات اليك تعود،كأنها تنبعث من جديد، من صدى ضحكات تالا لتخرج بلغة أخرى ….
‎في بعض الايام اتصال من وزارة الصحة للمتابعة ،لا أخفي سرا كنت أشعر بالفرح حين يأتي الاتصال ….نعم أفرح و أشعر للمرة الأولى بوجود الدولة وتسأل عن مواطنيها ،غريب كم الدولة غائبة…. كأننا بحاجة أن نموت لنشعر بوجودها في حياتنا….
‎في المقلب الاخر لا ينفك السؤال يوميا من m.ghassan ( إشارة الى الإعلامي غسان بن جدو ) كما أحب أن أناديه… دعم يومي ونفسي متواصل احتضان يغذي كل حواسنا……ودائما:يا رب

‎اليوم الثاني، أمزق الورقة، الثالث والرابع، الأيام تمر، الاسئلة،
‎الوحدة، في اليوم السادس كورونا الدولار اليورو بوند …..
‎ترى من أي نافذة سننجو؟!…. اليوم السابع، نوع من الاحباط، الناس، العالم، نشرات الاخبار، ماذا لو كنت مريضة؟ في أيامي الاخيرة؟
‎الهلوسة، تأملات أخرى، كم أنت جبار، كم أنت ضعيف، كم أنت قاس؟
‎أيها الانسان، كم أنت وكم ،،،،،،،
‎أتمهل قليلاً، من أنا ؟ من نحن ؟
‎الى أين،؟؟؟
‎سأخرج من هنا، سأعود الى هنا،
‎لن أكتب كلّ ذلك، سأمزق هذه الاوراق……
‎في اليوم ما قبل الاخير، على ورقة الرزنامة سأكتب الحب ، المحبة تقتل كل أنواع الفيروسات،
‎أحبكم حتى أنتم من لم يحبني، المحبة تنتصر، الحياة بحاجة الى قلب آخر مفتاحه الصبر ليبقى كوكب الارض يتنفس.
‎وهذه هي العزلة في زمن الكورونا

خاص مجلة وفاء