مجلة وفاء wafaamagazine
عقب الهزات الارتدادية الداخلية التي حاصرت الحكومة وأرخت بثقلها السلبي عليها بسبب انفجار الخلافات بين مكوناتها على محاصصة التعيينات في حاكمية مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف وهيئة الأسواق المالية وإطاحة هذه التعيينات، ستكون الحكومة امام امتحان لعله الأدق والأكثر حرجا نظرا الى محاذيره الشديدة الخطورة، وهو اختبار آلية إعادة اعداد من اللبنانيين الموجودين في دول الاغتراب وسط تفشي انتشار فيروس كورونا. وإذ تتجه الأنظار من غد الى مطار بيروت الدولي الذي سيفتح مدرجاته استثنائيا امام رحلات طيران الشرق الأوسط لإعادة أعداد من اللبنانيين من عواصم أفريقية وخليجية أولا، فان هذه الخطوة ستنطلق بكثير من الحذر والمخاوف المشروعة سواء بما يتصل باللبنانيين العائدين او باللبنانيين المقيمين نظرا الى الاعتبارات الأساسية الاتية :
أولا، ان وسائل الحماية والوقاية للبنانيين العائدين على متن طائرات الميدل ايست وان اتخذت فيها اقصى إمكانات التحسب لفحص العائدين قبل الرحلات وبعدها لدى الوصول الى بيروت، يبقى احتمال وجود إصابات بين العائدين وتاليا التسبب بعدوى لركاب آخرين كبيرا وهو ما تحسبت له الالية الحكومية الرسمية للعودة بوضع طاقم طبي في كل طائرة.
ثانيا، ان قرار إعادة اللبنانيين الراغبين في العودة الى لبنان وان بدا طبيعيا كما تفعل معظم الدول مع رعاياها في الخارج، لا يحجب القلق من زيادة عدد الإصابات بفيروس كورونا وإثقال المستشفيات بإعداد إضافية من المصابين فيما تتصاعد المخاوف من المرحلة الأصعب من تفشي الفيروس في لبنان بحيث يصبح احتواء المستشفيات للحالات المصابة صعبا وشاقا.
ثالثا، ان الالية الرسمية الحكومية لاعادة اللبنانيين من الخارج اصطدمت بتحفظات واسعة من الدول المعنية التي سيعود منها لبنانيون الامر الذي سيثقل اكثر على الحكومة لانه سيضطرها الى تحمل تبعة إعادة تعديل الالية وتحصينها الى الحدود القصوى تجنبا لاحتمال وجود إصابات كثيرة بين العائدين. وفي كل الأحوال سيدفعها الى تخفيض اعداد العائدين الى حدود واسعة، حال اكتشاف ان خطة العودة ستشكل سببا أساسيا لا يمكن ضبطه من أسباب اتساع الانتشار الوبائي في لبنان . بل ان رئيس الحكومة حسان دياب ذهب الى التأكيد ان ألية الإعادة ستتوقف اذا تبين ان ثمة أعدادا كبيرة من المصابين بين العائدين وان المضي في الالية يتوقف على تقويم الخطوات الأولى منها.
تبعا لذلك بدأت امس الإجراءات العملية التمهيدية لانطلاق المرحلة الأولى من إعادة اللبنانيين من الخارج الى لبنان بإعلان قوى الامن الداخلي الإجراءات والتدابير التي ستتخذ في مطار بيروت الدولي لدى وصول العائدين حيث سيخضعون لإجراء الفحوص الطبية وتعبئة الاستمارات وتقرير وجهة العائدين تبعا لنتائج الفحوص اذ سيتم نقل من تثبت اصابتهم اما الى مراكز العلاج واما الى مراكز الحجز فيما يتجه من لا تثبت اصابتهم الى منازلهم برفقة شخص واحد من الأقرباء. كما ان شركة طيران الشرق الأوسط نشرت الجدول الأول لأربع رحلات ستنطلق غدا لاعادة لبنانيين من ابيدجان ولاغوس والرياض وأبو ظبي. وبدا واضحا ان سعر تكلفة هذه الرحلات على العائدين سيكون ثقيلا وباهظا، اذ أعلنت الشركة بوضوح ان سعر التذكرة قد يبلغ في بعض الأحيان أربعة اضعاف الرحلات العادية عازية السبب الى ان طائراتها تغادر بيروت فارغة من الركاب وتعود الى بيروت بنصف عدد المقاعد. وأوضح وزير الخارجية ناصيف حتي ان عددا كبيرا من اللبنانيين سجلوا أسماءهم في السفارات والقنصليات اللبنانية، ولكن هناك أولوية تنظيمية للعودة التي ستبدأ بأربع رحلات الاحد، لأننا لا نستطيع استقبال اكثر من 400 شخص في اليوم.
وفي غضون ذلك حافظت وتيرة الانتشار الفيروسي في لبنان على وتيرة شبه مستقرة اذ ارتفع عدد حالات الإصابات المثبتة مخبريا وفق وزارة الصحة الى 508 حالات بزيادة 14 حالة عن اليوم السابق، وارتفع عدد الوفيات الى 17 بزيادة حالة وفاة. وأفاد مستشفى رفيق الحريري الحكومي الجامعي بان مجموع الحالات في منطقة العزل الصحي لديه بلغت 51، فيما ارتفع عدد حالات الشفاء الى 50. وبازاء استمرار مظاهر التفلت من إجراءات التعبئة العامة وأبرزها التزام الحجر المنزلي، اعلن وزير الداخلية محمد فهمي في حديث تلفزيوني ليل امس” اننا سنلجأ الى فرض حظر التجول ليلا نهارا في حال لم نلحظ التزاما لاجراءات التعبئة العامة” مشددا على ان “لا عواطف في تنفيذ المهات”. واكد تاليا ان “من المحتمل تمديد فترة التعبئة العامة في لبنان” مضيفا “سنتخذ إجراءات قاسية خلال اليومين المقبلين في حال الإخلال بهذه الإجراءات وعدم الالتزام بها”.
صغار المودعين
وسط هذه التطورات برزت على الصعيد المالي والمصرفي مبادرة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الى اصدار تعميمين الأول يتصل باجراءات استثنائية حول السحوبات النقدية من الحسابات الصغيرة لدى المصارف والتي لا تتعدى الخمسة ملايين ليرة، فيما تناول التعميم الثاني قرارا في شأن شراء مصرف لبنان للعملات الأجنبية. ويطاول التعميم الأول حول السحوبات نحو مليون و700 الف حساب مصرفي لصغار المودعين ويلحظ إجراءات من شانها مساعدة أصحاب الحسابات على إقفالها بتوفير فارق مالي بين سعر الدولار الرسمي وسعره الواقعي الذي ستحدده وحدة التداول الذي أنشأها المركزي. ويهدف التعميم الى اقفال الحسابات الصغيرة دون الخمسة ملايين ليرة او الثلاثة الاف دولار والتي تقدر قيمتها بنحو مليار دولار لكن عددها كبير جدا ويحدد التعميم شروط الإفادة منه بسحب المبلغ كاملا بالليرة اللبنانية واذا كان الحساب بالدولار يدفع بالليرة بسعر السوق.
والى تخفيف ضغط الشارع على المصارف من شان هذا الاجراء ان يخفف اخطار التهافت أيضا على المصارف علما انه في حال الشروع في تنفيذه يقتضي وضع ضوابط صارمة امنية وتنظيمية لمنع تكرار مشاهد زحمة المواطنين امام أبواب المصارف بما يشكل خطرا كبيرا لاتساع الإصابات بحالات الكورونا.
وكان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة اكد امس لرويترز ان وحدة التداول بالعملات النقدية الأجنبية الجديدة لدى مصرف لبنان ستختار الصيارفة الذين تعمل معهم وستعمل في أوراق النقد بسعر السوق وستقوم بالشراء والبيع وسيتم الإبقاء على سعر الربط الرسمي اللبناني في تعاملات البنوك والواردات الضروروية.
النهار