مجلة وفاء wafaamagazine
منحت الجلسة التشريعية البلد، استراحة انخفض فيها سقف التراشق من فوق السطوح السياسية وتحتها، وانحصرت المناوشات المتفرّقة، وتبادل السهام الانتقادية، تحت قبّة البرلمان الموقت في قصر الاونيسكو، الذي استضاف النواب لاعتبارات وقائية وصحيّة، فرضها الهروب من الوباء الجرثومي الخبيث.
وبمعزل عن البنود التي اقرّتها الهيئة العامّة للمجلس النيابي، وبعضها يندرج في خانة الاهمية والضرورة في ظلّ تفاقم الازمة المالية والاقتصادية، وبمعزل عن أهميّة الجلسة كجلسة أُريد من خلالها التأكيد على الحيويّة التشريعية للمجلس ودوره، بما يدحض كل الاتهامات التي وجّهت اليه حول تقاعسه وغيابه، الاّ انّها احيطت بملاحظتين:
ختام لم يكن مسكاً
الأولى، بالغة الدلالة، وهي “انّ ختام الجلسة لم يكن مسكاً”، بما اوحى وكأنّ اجواء الرئاستين الثانية والثالثة ملبّدة ببعض الغيوم السياسية، وهو ما تبدّى في الحدّة في التخاطب، التي بدت في آخر الجلسة، حينما رفض رئيس المجلس النيابي نبيه بري تلبية طلب رئيس الحكومة حسان دياب لعقد جلسة مسائية للمجلس لإقرار مشروع تخصيص 1200 مليار ليرة لبعض القطاعات.
حراك نوعي
الثانية، هي انّ هذه الجلسة، اعتبرتها مكونّات الحراك الشعبي على اختلافها، “محطّة تذخيريّة إضافيّة، لهذا الحراك، بالكثير من أسباب التصعيد في وجه السلطة، وخصوصاً بإسقاطها البنود التي يُفترض انّها تحاكي المطالب الشعبية التي تصاعدت مع انتفاضة 17 تشرين الأول، وخصوصاً تلك التي تمهّد الى محاسبة المسؤولين عن الأزمة، أو رفع السريّة المصرفيّة عن الحسابات، لتبيان الحسابات المشبوهة واصحابها، او اجراء انتخابات نيابية مبكرة وغير ذلك.
واذا كان الحراك الشعبي، قد واكب الجلسة التشريعية بمسيرات سيّارة في بعض المناطق اللبنانية، وفي محيط الاونيسكو تحديداً، فإنّ هذه المسيرات، وكما تؤكّد اوساط الحراك لـ”الجمهورية”، هي اول غيث تحرّكات مكثّفة يجري التحضير لإطلاقها في المرحلة المقبلة، في وجه السلطة التي تمعن في السياسة ذاتها التي ادخلت لبنان في هذه الازمة، والتي ترعى حكومة لا تبدو معنيّة بما آل اليه حال اللبنانيين من تدهور، حيث ستتمّ هذه التحرّكات بطريقة منسّقة بين مختلف المجموعات، ومختلفة عمّا كانت عليه منذ انطلاق انتفاضة 17 تشرين، بحيث ستكون تحرّكات نوعية وشاملة وعلى نطاق واسع، حتى الوصول الى سلطة بديلة تضع العلاجات الفورية لهذا الانهيار.
الجلسة
طار نصاب الجلسة قبل ان ينجز المجلس كافة بنود جدول اعمالها، واشتعل فتيل تطيير الجلسة مع المشروع المقدّم من الحكومة الذي يخصّص 1200 مليار ليرة كدعم للمزارعين والصناعيين والحرفيين ولاستيراد المواد الأولية ولقروض ميسّرة للمؤسسات الصغيرة والوسطى.
وبحسب المعلومات، فإنّ هذا المشروع لم يكن مدرجاً في الأساس في جدول اعمال الجلسة، بل تمّ استحضاره سريعاً يوم امس، وعند البدء بالنقاش حوله، بدأت وزيرة الدفاع زينة عدرا في تقديم شرح لهذا المشروع والفوائد التي يمكن ان يرخيها على قطاعات واسعة، فيما بدأت قاعة الاونيسكو في هذا الوقت تخلو بالكامل من نواب الكتل المعارضة، ما فسّرته مصادر نيابية موالية، انّها اشارة منها الى انّها لا ترغب في ان تمنح الحكومة فرصة الاستفادة المعنوية من اي مشروع متعلق بمنح مساعدات مالية لأي قطاع.
وبدا جلياً انّ رئيس المجلس، لم يكن مرتاحاً للطريقة التي استُحضر فيها المشروع، ولكن مع فقدان النصاب همّ بري لرفع الجلسة، الّا انّ رئيس الحكومة اخذ الكلام وقال، بأنّ من الضروري السير بهذا المشروع، وهذا يستدعي عقد جلسة مسائية للمجلس لإقراره.
هنا سارع رئيس المجلس الى القول بحدّة ملحوظة، اتبعها بالضرب ثلاث مرات في مطرقة الرئاسة: “لا أنت ولا غيرك يستطيع ان يحدّد موعد الجلسة أو أن يُملي على المجلس النيابي ما يمكن أن يفعلَه وما عليه أن يقوم به، رفعت الجلسة”.
الّا انّ اللافت للانتباه، انّه بعد الجلسة صدرت تغريدات عن بعض الوزراء وعن بعض السياسيين، تغمز من قناة المجلس ورئيسه، الأمر الذي استدعى اصدار بيان لافت للانتباه في مضمونه عن الامانة العامة لمجلس النواب، جاء فيه: “على الحكومة ان تتعلّم كيفية ارسال مشاريع القوانين الى مجلس النواب قبل التطاول عليه”.
مصادر مجلسية
واوضحت مصادر مجلسية لـ”الجمهورية”، ما احاط بهذا المشروع، وقالت: “لا بدّ بداية من لفت الانتباه الى انّ ما يريده الرئيس بري هو الّا تفشل الحكومة، وكان وما زال يعتبر انّ من مصلحة الجميع ان تنجح، لسبب اساسي وهو انّ البلد يحتاج الى معالجة وضعه، ولا يحتمل اي هزّات داخلية، كما انّه يعتبر انّ اي طرف يريد استهدافها والاطاحة بها فهو لا يعرف بموازين القوى الداخلية”.
اضافت المصادر: “الّا انّه بكل اسف، فإنّ الحكومة تضمّ وزراء ليسوا بمستوى دراسة ملفاتهم، ولا بالقدرة على الدفاع عنها ولا تفسيرها، وليسوا على اطلاع على مسار ارسال مشاريع القوانين الى المجلس، وللتذكير، فإنّ اي مشروع ترسله الحكومة الى مجلس النواب، يجب ان يُقرّ اولاً في مجلس الوزراء ويُحال بمرسوم الى المجلس ورئيس المجلس يحيله الى اللجنة المختصة لدرسه واقراره ومن ثم احالته على الهيئة العامة. علماً انّ رئيس المجلس وخلال الجلسة، عمد الى طرح اكثر من خمسة مشاريع للنقاش في الهيئة العامة دون مرورها باللجان وتمّ اقرارها، وذلك من باب تسهيل عمل الحكومة”.
وقالت: “اما بالنسبة الى المشروع المتعلق بالـ 1200 مليار ليرة، فهذا المشروع ورد الى رئيس المجلس قبل اربعة ايام، وهو يتضمن استدانة ضخمة ، ومع ذلك ادرجه في جدول الاعمال، ولكنه عند طرحه على الهيئة العامة كان النصاب قد فُقد ولم يكن في القاعة اكثر من 14 نائباً، فأرسل ثلاثة من معاونيه في طلب النواب ليعودوا الى القاعة، الّا انّ احداً منهم لم يكن موجوداً، حيث انّهم غادروا، وبالتالي لم يكن في الامكان اقراره بـ14 نائباً. وتمّ رفع الجلسة، علماً انّ رئيس المجلس هو صاحب الصلاحية حصراً في تقرير او تحديد اي جلسة. واما هذا المشروع فيمكن ان تكون هناك جلسات قريبة للمجلس، ويمكن ان يُدرج في جدول اعمالها اذا كانت الحكومة جاهزة”.
اقرار واسقاط
وكانت الجلسة قد اقرّت مجموعة بنود اهمها تمديد إيجار الأماكن المبنية غير السكنية. ومشروع القانون المتعلق بتعليق اقساط الديون والاستحقاقات المالية لدى المصارف وكونتوارات التسليف لمدة 6 اشهر من تاريخ نشره. فيما اسقطت جملة من الاقتراحات، ابرزها المتعلق بمحاكمة الوزراء، ووقف الأعمال بسد بسري، وإلغاء السريّة المصرفيّة، وحظر التنازل عن سندات “اليوروبوندز”، وإنشاء صندوق خاص لمواجهة تداعيات كورونا. وتحديد الفائدة المرجعية لدى مصرف لبنان.
سجال
كذلك اسقطت الهيئة العامة، الاقتراح المقدّم من حزب الكتائب بتقصير ولاية مجلس النواب، حيث جرى نقاش بين بري والنائب سامي الجميل بخصوص طريقة التصويت. وكذلك حصل سجال حاد بين نائب رئيس مجلس النواب ايلي الفرزلي والنائب الجميل، بعدما قال الفرزلي في مداخلة، أنّ الكلام عن تقصير ولاية المجلس هو استرضاء الرأي العام ولبعض وسائل الإعلام، وانّه مسّ بكرامة المجلس. وردّ الجميّل على الفرزلي قائلا: “لو كان هناك نجاح باهر منك ومن فريقك السياسي لما وصل البلد إلى ما هو عليه اليوم، فلو بتخفف من البهورات وبتروح عا الانتخابات لنشوف الناس شو رأيها”.
اي قانون انتخابي؟
وربطاً بهذا السجال، سألت مصادر نيابية معارضة للانتخابات المبكرة: بمعزل عن تأييد او رفض اقتراح اجراء انتخابات مبكرة، فوفق اي قانون ستجري الانتخابات؟ فإذا كان المقصود ان تجري وفق قانون جديد، فكيف سيتمّ الوصول الى قانون جديد، وليُسأل التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية عن موقفهما من هذا الامر. وثانياً، اذا كان المقصود انتخابات نيابية مبكرة على اساس القانون الحالي، فهل ستغيّر الانتخابات في التركيبة الحالية لمجلس النواب، ام انّها ستعيد انتاج الخريطة النيابية نفسها وربما بأكثرية اضافية للاكثرية الحالية؟
الخطة .. لا “هيركات”
وفيما اعلن الرئيس بري خلال الجلسة “بأنّ معلوماتي تشير الى انّ الخطة الاقتصادية للحكومة قد أُنجزت وستُعرض على مجلس الوزراء”، قال رئيس الحكومة: “كنا سنناقشها هذا الأسبوع ولكن بسبب الجلسة العامة تأجّل النقاش إلى الأسبوع المقبل”.
وقالت مصادر معنيّة بالخطة لـ”الجمهورية”: “الخطة المحكي عنها، هي التي تمّ الاعلان عنها من قبل ايضاً، انما الجديد حولها هي تضمينها مجموعة الملاحظات التي تمّ تقديمها من قِبل الهيئات الاقتصادية والمجلس الاقتصادي الاجتماعي والنقابات والخبراء، إضافة الى تضمينها محوراً حول الرؤية الاقتصادية والاجتماعية”.
وسألت “الجمهورية” وزير المال غازي وزنة عمّا اذا كانت الخطة تتضمن “هيركات” حول ودائع اللبنانيين، فقال: “الخطة لا تتضمّن هيركات”.
اجتماع ثلاثي
وعلمت “الجمهورية”، انّ اجتماعاً عُقد مساء امس، بين رئيس الحكومة حسان دياب ووزير المال غازي وزنة وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، من اجل البحث في الخطوات المقبلة، ولا سيما ما يتعلق بالتعاميم التي اصدرها وسيصدرها مصرف لبنان، وكيفية التنسيق بين الحكومة والسلطات النقدية.
مرافعة دياب
وبعد الجلسة، قدّم دياب، ما بدا انّها تتمة للمرافعة التي قدّمها عن الحكومة نهاية الاسبوع الماضي، حيث قال: “انّ الهجوم السياسي على الحكومة متوقع ولكن أتمنى ألّا يؤثر على الأمن الاجتماعي ـ الاقتصادي”، مشيراً الى وجوب “أن يكون هناك تنسيق أفضل بين مصرف لبنان والسلطة التنفيذية، الأمر الذي لا يتمّ حالياً على هذا النحو” وقال: “ستكون لي كلمة يوم الجمعة بعد جلسة مجلس الوزراء حول موضوع سعر صرف الدولار وتعاميم مصرف لبنان، وستلحظون مواقف متشدّدة من قِبل الحكومة نهار الجمعة المقبل خلال كلمتي، وما بعد نهار الجمعة”.
واذ اشار الى اننا “رفعنا 10 مشاريع قوانين إلى مجلس النواب من بينها مشروع قانون رفع السرّية المصرفية” قال: “من حق اللبناني أن يعطي رأيه. وأنا أقف مع كل لبناني متألم. ولكن الحكومة عمرها 70 يوماً منذ نيلها الثقة وتلقينا 70 كارثة خلال هذه الفترة، ونحن نعمل على حل الكثير من المشاكل”.
الى الاشتباك .. درّ
ومع إنتهاء الجلسة التشريعية، تعود القوى السياسية الى خلف متاريسها. وقالت اوساط معارضة لـ”الجمهورية”: “المواجهة صارت مفتوحة مع السلطة الحاكمة، التي تثبت كل يوم ان لا امكانية للبلد في ان يتعايش معها، ومع ذهنيتها التي تسعى الى الغاء الجميع. ولفتت الى انّ هذا التوجّه يلتقي حوله تيار المستقبل والقوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي ومكونات الحراك الشعبي.
باقية حتى الانتخابات
في المقابل، قالت مصادر قريبة من السراي الحكومي لـ”الجمهورية: “ان رئيس الحكومة صلب، ولن يتراجع أمام الهجومات المتتالية على الحكومة، فمن كان يعتقد انّ دياب سيتراجع أو سيخضع فهو واهم، وحكومته لديها مهمة محدّدة، صعبة بلا ادنى شك، لكن قراره هو الاستمرار ومواجهة تحدّيات الازمة الراهنة”.
وفي السياق ذاته، اعتبرت مصادر موالية، انّ “هجوم المعارضة على الحكومة، ينطلق من خلفية “قم لأقعد مكانك”، وقالت لـ”الجمهورية”: “نتوقع اي شيء من هذه المعارضة، فبعض مكوناتها لم يصدّق انّه اصبح خارج الحكم، وهو يسعى بكل ما أوتي من قدرة سياسية وشعبية ان يعود الى السلطة من جديد. والكل يعلم انّ هذه المعارضة، وقبل تشكيل حكومة حسان دياب، تعاطت مع حكومته كحكومة موقتة، انتقالية لفترة محدودة، وانّ هناك توقيتاً حدّدته هذه المعارضة لرحيل الحكومة في فترة لا تتجاوز شهر ايار المقبل، والآن من خلال حملتها على الحكومة تريد ان تحقق هذا الامر. واما الانفعال الذي نلاحظه لدى بعض مكونات المعارضة فمرده الى عدم قدرتها على تحقيق هدفها”.
ولفت في هذا السياق موقف مرجع سياسي موالٍ للحكومة، حيث ابلغ “الجمهورية” قوله: “قوة الحكومة تكمن في ان لا بديل عنها حالياً، ويمكن القول انّها مهما بدت ضعيفة الآن، فهي مستمرة في الحكم على الاقل حتى ما بعد الانتخابات النيابية المقبلة. ولكن ثمة استحقاقاً حقيقياً امام الحكومة يؤكّد هذا الاستمرار او عدمه، ويتمثل بالخطة المالية الانقاذية التي يُفترض ان تأتي بصيغة تحظى بثقة الداخل والخارج بها، واما اذا كانت خلاف ذلك، فبالتأكيد سيكون من الصعب على الحكومة ان تكمل”.
الجمهورية