مجلة وفاء wafaamagazine
تحدّث العلامة السيّد علي فضل الله في حديث الجمعة عن ضرورة الخروج من أنانيّاتنا وتوتّراتنا وانفعالاتنا، وأن نعيش التقوى في شهر رمضان، بكلّ أبعادها الدينية والروحية والسياسية.
ورأى سماحته أنَّ لبنان لم يخرج بعد من دائرة الخوف من تفشّي أزمة الكورونا، رغم انحسار أعداد الإصابات فيه، حيث تحذّر المنظّمات الصحيّة من أن تكون الجولة الثّانية لهذا الفيروس أصعب وأكثر كارثيّة، وهذا يدعونا إلى الاستمرار في الحذر، والأخذ بكلّ سبل الوقاية المطلوبة وعدم التهاون فيها، ولا سيَّما مع بدء إجراءات العودة إلى الحياة الطبيعيَّة، كي يتمّ تفادي أيّ تبعات لانتشار هذا الفيروس مجدّداً، وحتى لا تكون هذه العودة باباً لتفشّيه مجدّداً.
وأضاف: نحن على ثقة بأنّ المواطنين سيكونون، وكما أثبتوا في الأيام والأسابيع الماضية، على قدرٍ عالٍ من تحمّل المسؤوليّة، آملاً أن تكون عودة اللّبنانيّين من الخارج عودة آمنة ومستوفية كلّ الشروط التي تمت في المراحل السابقة، وبالانضباط الذي حصل فيها، وأن لا تشوبها أيّ شائبة.
وقال: إننا نتفهّم استياء من خرجوا إلى الشّارع، وعدم قدرتهم على الصبر وتحمّل ما آلت إليه أحوالهم، ونقف معهم في مطالبهم المشروعة، ولكنّنا ننبّه من خطورة أن تخرج هذه التحرّكات عن سلميّتها، ما ينعكس سلباً على صورتها وأهدافها المشروعة، ومن الالتفاف حولها، أو أن تكون منصّة تستخدم لتصفية الحسابات الداخلية والخارجية، واستخدامها لتوجيه الرّسائل في مختلف الاتجاهات.
وشدّد على أهميّة أن يعلو صوت الناس الجائعين والمظلومين ليصل إلى من يتولّون المسؤوليّة في هذا البلد، للمطالبة بحقّهم في العيش الكريم، وأن يكون هذا من أولى أولويّاتهم، وأن يكفّوا عن جعل هذا البلد بقرة حلوباً لمصالحهم أو لجماعاتهم أو ممن ينتمي إليهم.
أضاف: لكنّنا نريد لهذا التحرّك أن يكون واعياً ومدروساً وحذِراً من أن يدخل على خطّه من يستغلّونه لتحقيق مصالحهم، ممن كانوا السبب في إيصال البلد إلى هذا المنحدر، ممن أهدروا المال العام، وأفسدوا ولا يزالون، لا أن يكون في مواجهة من يعاني مثلهم من القوى الأمنيّة أو المواطنين.
وأسف سماحته أمام ازدياد معاناة إنسان هذا الوطن، أن ينشغل الواقع السياسي بالسجالات الحادّة بين الموالاة والمعارضة، أو بين من يديرون الشّأن السياسيّ ومن يديرون الشّأن الماليّ، والتي سرعان ما يستخدم فيها السلاح الطائفي والمذهبي، وتدخل على خطّها الرموز الطائفية والمذهبيّة، بدلاً من أن تتضافر جهود الجميع لإزالة هذه الألغام المذهبيّة والطائفيّة، والعمل على إخراج البلد من معاناته، وعلاج مشاكله التي يغرق فيها، مما يزيد في تعقيدها وآثارها الكارثيّة على صعيد المواطنين وحريّة الوطن واستقلاله وقراره.
إننا نقول للجميع: هذا الوقت ليس وقت تقاذف المسؤوليّات، ولا وقت تسجيل النقاط ولا المناكفات والسجالات، بل هو وقت إنقاذ البلد وإخراجه من المنحدر الّذي وصل إليه بأقلّ قدر من الخسائر ومن الارتهان للآخرين.
وأردف: حسناً تفعل الحكومة عندما تنأى بنفسها عن كلّ هذه السّجالات، وتتفرّغ لتقوم بما هو واجب عليها تجاه مواطنيها، وتجاه العالم، ومن ينتظر منها إيجاد الحلول للواقع الاقتصاديّ والماليّ والإصلاح الإداريّ. ونحن في هذا المجال، نأمل أن تساهم الخطّة الاقتصاديّة والماليّة التي أقرّتها بالأمس، في معالجة حقيقيّة للشأن الاقتصادي، ولا سيّما لمكامن الفساد والهدر، واستعادة الأموال المنهوبة، وأن تشقّ طريقها إلى التنفيذ بأسرع وقت بعد إقرارها في المجلس النيابي، وأن تكون بعيدة من أيِّ حسابات خاصَّة أو فئويَّة، وأن لا تكون أداة لتصفية الحسابات السياسية، بعد أن أصبح واضحاً أنّ شروط نجاح أيّ خطّة، أن تكون إصلاحيّة، وأن تكون لحساب الجميع، وبدون تمييز، وأن تطال كلّ الفاسدين دون أن تستثني فئة أو طائفة أو أيّ مكوّن، وأن لا تخضع لأيّ ضغوط أو إملاءات من أين أتت.
ورأى أنّ اللّبنانيّين تعبوا من الوعود والأقوال والتمنّيات، هم يريدون الأفعال، وينتظرون من الحكومة أن تكون على مستوى طموحاتهم، ولتبدأ بالعلاج وهم معها، إن هي كانت بمستوى آمالهم وطموحاتهم وما يرجون، وهم لا يريدون منها إلا ما تستطيع عمله وسيصبرون معها.
وفي الختام، توجّه سماحته إلى العمّال في يوم عيدهم بالتّهنئة والتقدير لعطاءاتهم، فبدونهم لا تبنى الأوطان ولا تعمر ولا تزدهر، لافتاً إلى أنّ أفضل تقدير لهم في يوم عيدهم، هو أن يتأمّن لهم العيش الكريم، وأن ينالوا حقوقهم، فلا تضيع في ظلّ الظروف الاقتصادية الصعبة، ولا يُتسرَّع في التفريط بهم والاستغناء عنهم عند أوّل أزمة تعانيها المؤسّسات.