الرئيسية / محليات / فضل الله :إن سقط البلد فلن يسقط على رأس الحكومة أو القوى السياسية الداعمة لها بل على رؤوس الجميع

فضل الله :إن سقط البلد فلن يسقط على رأس الحكومة أو القوى السياسية الداعمة لها بل على رؤوس الجميع

مجلة وفاء wafaamagazine

القى العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:

عباد الله أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصى به الله عندما قال: {يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين}..
نزلت هذه الآية لتدعو المؤمنين إلى عدم السماح بأن يدخل على خطهم من يريد إثارة الفتنة فيما بينهم، كالذي حدث في أيام رسول الله(ص) حين مر ذات يوم رجل من اليهود على نفر من أصحاب رسول الله من الأنصار، فهاله ما رأى من توادهم وتآلفهم، فأرسل شابا من اليهود ليذكرهم بيوم بعاث وبما قيل من أشعار في هذا اليوم وما جرى في من قتل، يوم هزم فيه الأوس الخزرج، فاستثار مشاعر الأوس والخزرج وتنادوا السلاح السلاح، واستعدوا ليقاتل بعضهم بعضا، فبلغ ذلك رسول الله(ص)، فقدم وقال لهم: “أبدعوى الجاهلية، وأنا بين أظهركم، بعد إذ هداكم الله إلى الإسلام، وأكرمكم به، وقطع به عنكم أمر الجاهلية، واستنقذكم به من الكفر، وألف به بينكم، ترجعون إلى ما كنتم عليه كفارا؟!”.. فعرفوا أنها نزغة من نزغات الشيطان وكيد من عدوه، فبكوا وتعانقوا ورجعوا إلى ودهم..
إننا في عصر الفتن، بحاجة إلى من يئدها، لا من يسعرها، وإلى من يبرد القلوب، لا من يثير مكامن الحقد فيها، وهذا لا يتم إلا بالكلمة الطيبة التي تقرب القلوب وتعزز أواصر الوحدة وتزيل التوترات والأحقاد من النفوس، فبهما نعبر عن إيماننا: “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت”.. وهو ما هدانا الله إليه: {وهدوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد}، ان علينا الا نسمح مجددا للنافخين في نار الفتنة أن يجدوا مكانا لهم.. وبذلك نكون أقوى وأقدر على مواجهة التحديات.

أضاف: “والبداية من لبنان الذي يتصدر فيه الوضع المعيشي الضاغط الواجهة والذي قد يأتي على حساب الوضع الذي تسبب فيه فيروس كورونا، بعدما نزل الناس إلى الشوارع.. وقد يستمرون بالنزول من دون الأخذ بالإجراءات الصحية الكفيلة بوقايتهم، فهم باتوا غير قادرين على تحمل الارتفاع غير المسبوق في سعر صرف الدولار بعد تجاوزه عتبة الخمسة آلاف ليرة والذي انعكس ارتفاعا مضاعفا في أسعار المواد الغذائية وتهديدا للقدرة الشرائية بعد أن لم تقم الحكومة بالدور المطلوب منها في لجم هذا التدهور أو في معالجة تداعياته التي لن تقف عند لقمة عيش المواطنين بل تتعداها إلى أمنهم واستقرارهم السياسي والاجتماعي والنفسي”.

أضاف: “إن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة لمعالجة الأوضاع الضاغطة لم ترق إلى مستوى المعالجة الجادة للأسباب التي أدت إليها، ومن هنا فإننا أمام هذا الواقع نعيد دعوة الحكومة التي أخذت على عاتقها مسؤولية إخراج هذا البلد من النفق المظلم إلى تهدئة غضب الشعب الذي لا تعرف تداعياته ولا من قد يدخل على خطه.. حيث الكل يعرف مخاطر نزول الناس إلى الشارع وما قد يجري فيه.. والقيام بمعالجة الأسباب الحقيقية لهذا التدهور وعدم الاكتفاء كما يكتفى الآن بالإجراءات التي اتخذت كما جرى بحق الصرافين.. والذين ليسوا سببا رئيسيا فيها، بل هم يستفيدون من تداعياتها وإن كنا مع ضبط ما يجري”.

وتابع :”لقد أصبح واضحا أن العلاج لن يكون إلا بإعادة نظر جذرية بالسياسة المالية والنقدية التي أوصلت البلد إلى ما وصل إليه وباستعادة الأموال المنهوبة واستثمار الدولة لمواردها وتفعيل القطاعات الإنتاجية وعدم الاكتفاء بالشعارات عن ضرورة الاقتصاد المنتج، وفي الوقت نفسه أن تجري الملاحقة الأمنية والقضائية للجهات التي تتلاعب بسعر الدولار بما يفاقم من حدة الأزمة”.

وقال:”ان على الحكومة أن تتحمل مسؤوليتها في هذا الظرف الصعب حتى تستعيد ثقة الناس بها، وسوف يقفون معها في أي إجراءات إذا كانت صادقة وجدية معهم، وهم لن يخذلوها وسيصبرون معها في كل ما قد تقوم به حتى لو كان ذلك على حسابهم.. ولا ينبغي أن يكون رهانها الوحيد على الصندوق الدولي الذي أصبح واضحا أنه لن يقدم شيئا في ظل هذا الواقع السياسي، وإن قدم فسيقدم ما لا يعالج مشاكل البلد المالية والنقدية إلا بشروط لن يقوى البلد على تحمل أعبائها وشروطها”.

وجدد فضل الله “دعوتنا للحكومة إلى المسارعة في احتواء الأوضاع والوفاء للأهداف التي جاءت على أساسها ووعدت المواطنين بها، وعليها أن تتقي غضب الناس، الذين لن يرحموا حكومة تعيدهم إلى واقعهم السابق، هم خرجوا من أجل التخلص منه ولن يعودوا بعقارب الزمن إلى الوراء”. وقال:” وإذا كانت الحكومة تتحدث عن أنها لا تخضع في سياساتها لحسابات فئوية أو أنها تقوم بالتعيينات على أساس الكفاءة لا المحاصصة، فإن مسؤوليتها توضيح ذلك للناس، وإظهار صدقيتها في الوفاء بما وعدت به”.

إن على الحكومة ألا تراهن على أنها باقية لعدم وجود البديل وأن لا خيار، فليس هذا منطق التاريخ ومنطق الحاضر.. فعلى الحكومة أن تعي مبرر وجودها هو أن تكون صوت الناس ومعبرة عنهم، وهم سيكون ضمانها ولن تحميها القوى السياسية التي أوجدتها إن لم يرد الشعب الذي هو مصدر الشرعية الأساس لها.

إننا لن نهون من حجم الأزمات التي يعاني منها البلد ولا حجم الضغوط التي تنتظره، ولكننا دائما نؤكد أن الأبواب ليست مغلقة، بل هي مفتوحة شرط أن تقرر القوى السياسية أن تخرج من انقساماتها وأن تتعاون جميعها في ما بينها على إخراج هذا البلد من أزماته، والذي إن سقط فلن يسقط على رأس الحكومة أو بعض القوى السياسية التي تدعمها بل على رؤوس الجميع..