مجلة وفاء wafaamagazine
استقبل رئيس الجامعة الأنطونية الأب ميشال جلخ وفدا من تكتل “الجمهورية القوية” ومسؤولين عن القطاع التربوي في حزب “القوات اللبنانية”، في حرم الجامعة الرئيسي في الحدت – بعبدا، في حضور عدد من الآباء المسؤولين، وعرض معه لشؤون التعليم العالي الذي يواجه أزمة مصيرية تتطلب ورشة تفكير وطنية طارئة واستراتيجية في آن، داعيا الى “ورشة عمل مشتركة بين الجامعيين والمشرعين والقطاعات الاقتصادية، للتفكير معا في سبل إنقاذ التعليم العالي اللبناني، ولدعم صمود المؤسسات الجامعية، وإنشاء الهيئة الوطنية لضمان الجودة وفق معايير الجودة، لا المحاصصة السياسية”.
وتوقف الأب جلخ، بحسب بيان، عند “تحديات ثلاثة تواجه الجامعة الأنطونية والجامعات الزميلة، لا سيما منها، المأزق المالي انطلاقا من الأزمة المالية الحادة المترتبة على تدهور سعر الصرف والقيود المصرفية وتراجع القدرة الشرائية وتفشي البطالة، الى جانب تشريع التعليم عن بعد، الذي رأى فيه الأب جلخ خطوة ارتجالية، وإجهاز نهائي على القطاع”، معتبرا أن “الانتقال الجدي والاستراتيجي للتعليم عن بعد يتطلب تغييرات جذرية في البنية التحتة وبنية المؤسسات، كل ذلك في ظل فراغ في المديرية العامة للتعليم العالي، وفي استمرار غياب التعليم العالي عن أولويات السلطتين السياسية والتشريعية. اما النقطة الثالثة التي تطرق لها رئيس الجامعة فتمحورت حول دورالاعلام، فاعتبره الأب جلخ الفرصة والفخ في آن معا، داعيا الإعلام لعدم اضعاف تضامن المجتمع مع جامعاته، عن طريق الشائعات والشعبوية والاتهامات العشوائية، مشيرا الى ان الأولى بالإعلام أن يوجه قلمه حيث الفساد الجامعي والتجارة في التعليم وبيع الشهادات المزورة”.
وفند التحديات الثلاثة، مستهلا الحديث عن المأزق المالي، إذ اعتبر أن “الأزمة المالية الحادة المترتبة على تدهور سعر الصرف، والقيود المصرفية، وتراجع القدرة الشرائية، وتفشي البطالة، تشكل خطرًا حيويًا على الجامعات. نسب غير قليلة من طلابنا تتأخر عن الدفع أو تمتنع عنه بالرغم من أقساطنا المتدنية جدا نسبة لجودة التعليم فيها، وموارد التمويل الخارجية الشحيحة أصلا مهددة بالتوقف في ظل الأزمة العالمية والعقوبات الاقتصادية على لبنان. ليس التعثر المالي خطرا إلا بقدر ما يهدد قدرتنا على تأمين أجود التعليم، والاستثمار في البحث العلمي والابتكار، أي في ما يجعل الجامعة جامعة حقا. يبقى أن ثروة لبنان التربوية مهددة في صميمها. يمكن للمباني أن تبقى، وللتعليم أن يستمر، لكن سيكون من الصعب تأمين الخدمة الجامعية التي نطمح لها، وضمان تميزها واستمرار مقبوليتها في العالم”.
وتناول التعليم عن بعد معتبرا أن “القانون اللبناني أخر طويلا الاستثمار في التعليم الجامعي عن بعد. أما الآن فقد انتشرت الدعوة إلى تعميمه بعدما اضطرت المؤسسات إلى الركون إليه لتأمين استمرار التعليم في ظل الجائحة. في الواقع، نشهد تزايدا لا بل مزايدات في الكلام عن ضرورة دخول التعليم العالي اللبناني العصر الرقمي فورا. كلام براق ومغر ومضلل للأسف. ففي بلد صغير جامعاته خمسون، ولم ينشئ بعد الهيئة الوطنية لضمان الجودة التي نصت عليها المادة 37 من قانون التعليم العالي، وطن لم يعالج بعد الأضرار التي ألحقتها بسمعة مؤسساته فضائح الشهادات الجامعية المزورة، كيف بالإمكان القفز الارتجالي إلى التعليم عن بعد؟ سيكون في الأمر إجهاز نهائي على القطاع الذي ما زال يكافح ليبقي لبنان على خارطة العالم الجامعي المحترم”.
أضاف: “تعرفون أن الانتقال الجدي والاستراتيجي إلى التعليم عن بعد يتطلب تغييرات جذرية في بنية المؤسسات، وآليات اشتغالها، وتركيبة أجسامها التعليمية والإدارية، وتوزيع ميزانياتها. من الطبيعي أن تستعجل الجامعات التجارية الانتقال إلى التعليم عن بعد. فهو يعفيها حتى من الحد الأدنى التي كانت تستثمره (أو تدعي استثماره) في المباني والمختبرات، ويعزز قدرتها وشهيتها على تجارة الشهادات. أما الجامعات الحقة، فلديها جهد حقيقي تقوم به على صعيد بناء مضامين التعليم الرقمي، وتأمين إسدائه وتقييمه بشكل كفوء وعادل، وبناء صرح جامعيٍ مع مساحات خضراء يتفاعل فيه طلابها، وإنشاء أمكنة قادرة على استقطاب الطلاب الأجانب، وتطوير مهارات تعليمية متقدمة، وإعادة هيكلة إداراتها ومواردها البشرية”.
وتابع: “يحصل هذا كله في ظل فراغ في المديرية العامة للتعليم العالي، وفي استمرار غياب التعليم العالي عن أولويات السلطتين السياسية والتشريعية. لذا نحتاج إلى ورشة عمل مشتركة بين الجامعيين، والمشرعين والقطاعات الاقتصادية لنتفكر معا في سبل إنقاذ التعليم العالي اللبناني. باختصار، حذار التسرع في التشريع. الضرورة الأولى، بعد دعم صمود المؤسسات الجامعية، إنشاء الهيئة الوطنية لضمان الجودة وفق معايير الجودة، لا المحاصة السياسية”.
أضاف: “أما الإعلام فمشكلة أخرى. يعتبر القانون الرقم 285 التعليم العالي “خدمة عامة تؤديها مؤسسات التعليم العالي” إذ تلبي “حاجة المجتمع في بناء قدراته وتطوير إمكاناته”، ولبنان اليوم في أمس الحاجة إلى بناء القدرات وتطوير الإمكانات. لكن لهذه الخدمة شروط إمكان ينبغي على الإعلام والرأي العام أن يلما بها قبل تحميل الجامعات ما يفوق طاقتها ومسؤوليتها. يتوقع المجتمع منا مدعوما من الإعلام أن نمنح الطلاب، وبشكل عادل ومن دون تمييز، تعليما عالي الجودة، مطابقا للمعايير العالمية، يفتح لهم أبواب الجامعات الكبرى أو أسواق العمل المربحة، ويتوقع ألا نضطر لرفض أي طالب، أو أي طلب منحة. ويتوقع، أيضا، أن نحقق نتائج مرضية في التصنيفات الإقليمية والعالمية، متناسيا أن التطوير مكلف ماديا وبشريا، ويتناقض مع الطابع الخيري، أو شبه الخيري، الذي يريده للمؤسسات التعليمية. وفي ظل الوضع الذي نعيش، يتوقع أن يتعلم جميع الطلاب، وألا يطالب أي منهم بقسط، وفي الوقت عينه، يتوقع ألا تمس الرواتب، ولا يخفض عديد الموظفين وإلا فسوط الإعلام جاهز لجلدنا”.
وقال: “القطاع في أزمة مصيرية، وهو مدعو لأعلى درجات التضامن مع مجتمعه، ونحن نلعب دورنا ونبذل أقصى ما في المستطاع لكي لا تتوقف خدمتنا ولا تتراجع جودة وطموحا، لكن لا يمكننا أن نقوم بدور الدولة أو نملي فراغا ليس بمقدورنا نحن أن نقوم به. وعلى الإعلام ألا يضعف تضامن المجتمع مع جامعاته، عن طريق الشائعات والشعبوية والاتهامات العشوائية. فأملنا ألا تتركونا فريسة الإعلام الجاهل بالأمور الذي لا هم له سوى الانجرار بموضة الشتم والتجني والافتراء. الأولى بالإعلام أن يوجه قلمه حيث الفساد الجامعي والتجارة في التعليم وبيع الشهادات المزورة. فنحن بالكاد يكفينا الوقت للاعتناء بطلابنا وأساتذتنا وموظفينا واحترام حقوقهم والمحافظة على كرامتهم”.
أضاف: التعليم العالي اللبناني جدير بأن ينقذ ويحمى. لعل الأزمة – المأساة التي نعيش اليوم هي فرصة لترشيد القطاع وضبط التخمة والفوضى اللتين أصابتا بعضه، وتمييز قمح الجامعات عن زؤانها. إذ وحدها الجامعات الحقة تستأهل الدعم لتصمد، فتفتح في آخر النفق كوة على مستقبل أفضل”.
وختم: “يسرني أن أنهي حديثي معكم بخبر إيجابيٍ يعكس مدى إرادتنا في الصمود والنضال لوطننا إذ إن مختبر كلية الهندسة الإلكترونية في الأنطونية تألق في فوزه الأسبوع الماضي مع جامعتين من لبنان وتسعة وثمانين جامعة في العالم بمشروع من بين ألفي مشروع متنافس عليها عالميا من قبل الوكالة الجامعية الفرنكوفونية، حيث سنطور مع شركة BMW الألمانية تطبيقا يهدف إلى متابعة الحالات الإيجابية للـCOVID-19 والتبليغ المسبق عنها”.