مجلة وفاء wafaamagazine
رزق الله الحايك
على الرغم من ان الدولار اصبح يلامس العشرة الاف ليرة وسندخل في العتمة الشاملة لعدّة ايام، والوضع الامني في تدهورٍ مستمر والجوع يضرب اكثر من نصف الشعب اللبناني، الا اننا ما زلنا في بداية الانهيار ولم ندرك القعر بعد.
ورغم كل ذلك، ما زال البعض يصر على اخفاء الحقائق وتحوير الوقائع لتحقيق مكاسب سياسية سخيفة وظرفية.
وما زالت الاحزاب اللامسؤولة مستشرسة في الدفاع عن مكاسبها الميليشياوية التي نالتها بقوة الحرب وحافظت عليها بقوة الامر الواقع.
وما زال انصار الاحزاب يقطعون الطرق لشلّ ما تبقى من حياة، ويطلقون الشائعات الهادفة لمنع المغتربين من زيارة بلدهم مع ما يحملونه من دولاراتٍ قادرة على انعاش اوضاع اهلهم وتهدئة ولو جزئياً المضاربات على الليرة، بالتوازي مع حركة تهريب منظمة لأسلحة ومقاتلين من سوريا باتجاه لبنان، في مؤشرٍ مهمٍ يدل على ما يتم تحضيره من قبل الاحزاب الميليشياوية ورعاتهم الخارجيين.
وانطلاقاً من كل هذه المأساوية، تعلو صرخات اللبنانيين الشرفاء الذين يئنّون من ألم الجوع واليأس. لذلك من الواجب، ومنعاً لاستغلال قطّاع الطرق لأوجاع الشرفاء، تبسيط ما جرى ويجري هذه الايام:
في ما يخصّ الكهرباء، وبعد حملة مكافحة الفساد في ملف الفيول المغشوش، انتفض الكارتيل الذي يضمّ حرفياً وفعلياً، جميع الطبقة السياسية بكافة ألوانها وتناقضاتها الفكرية والحزبية باستثناء حزب الله والتيار الوطني الحر الذي قدّم الإخبارات المتلاحقة أمام القضاء ورفض جميع التسويات التي قدّمت له.
وانتقاماً من فتح الملف ومحاكمة المتهمين، صارت شحنات الفيول تتأخر عدة ايام وكل مرّة بحجّة جديدة.
وبما ان وقاحة المافيا لا حدود لها، قد تدفع الاحزاب المتورطة بملف الفيول المغشوش بمناصريها خلال الايام المقبلة لقطع الطرقات والتعدّي على منشآت مؤسسة كهرباء لبنان تحت حجة الاعتراض على التقنين القاسي وكأن سبب هذا التقنين هو تقني او نتيجة تقصيرٍ حكومي وليس نتيجة تآمرهم بواسطة زلمهم في الدولة وشركائهم في الشركات المورّدة.
وفي ما يتعلق بسعر صرف الليرة الذي يستمر بالتدهور وهو اكثر ما يهم المواطنين اليوم، وهو من اهم الحجج التي يستعملها قطّاع الطرق لتبرير افعالهم (وكأن شل البلاد لا يزيد من تدهور سعر الصرف)، فالارجح ان السعر سيبقى يتدهور والانخفاضات القياسية ستستمر رغم بعض الانفراجات الجزئية، طالما ان حاكم مصرف لبنان لا يزال مصرّاً رغم تحذيرات صندوق النقد الدولي المتكررة له، على اطفاء خسائره من خلال طبع المزيد من الليرات. ومع كل ليرة جديدة تخرج من المصرف المركزي من دون تغطية سيرتفع الدولار اكثر ويرفع معه معدل التضخم الذي اكل قيمة الاجور وضرب قدرة المواطنين الشرائية.
والمفارقة ان ما من حزب واحد من ميليشيات حرق الدواليب وقطع ارزاق الناس التي تدّعي المعارضة وهي ممثلة سواءً في الادراة العامة او في صلب الدولة العميقة، يعارض حاكم المصرف المركزي او يطالبه على الاقل بالتوقف عن عملياته الاجرامية بحق العملة الوطنية، بل على العكس من ذلك، يجنّدون كافة قواهم لإيهام الناس ان الخلل هو في الرئيس حسان دياب وحكومته، لتغطية من غطّاهم ومن فتح لهم باب التنفيعات.
ويمكن استعراض عشرات النماذج المبسطة عن الهذيان الذي نعيشه اليوم في وطننا، حيث تسود العبثية والسخافة وتنتشر عشرات المجموعات المشبوهة الدور والتمويل التي لا تهدف سوى الى خلق التشتت والفوضى متلطّين وراء وجع الناس:
يريدون مياه ويرفضون السدود؛ يريدون استراتيجية لادارة النفايات ويرفضون الفرز والطمر والحرق؛ يريدون مكافحة الفساد ويرفضون التدقيق والتحقيق والمحاسبة؛ يريدون الكهرباء ويرفضون المعامل؛ يريدون رفع قيمة الليرة ويستميتون بالدفاع عن المضارب؛ يريدون انتعاشاً سياحياً ويقطعون الطرق ويعبثون بالأمن ويفتعلون الشغب.
بناءً على ما سبق، ضرب اليأس صميم الشرفاء وصار الوطن نقمةً عليهم بدل ان يكون ضمانةً لهم، وصارت الدولة تحتاج الى رعاية بدل ان تكون هي الراعية لمواطنيها. والحكومة عاجزة بسبب تآمر من في داخلها عليها وعجز اصحاب النوايا الحسنة واصحاب المبادرات الايجابية وعلى رأسهم رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة عن فرض معادلات جديدة بسبب الحصار المفروض عليهم من المافيا التي تضم الجميع.
لكن على الرغم من كل هذه السوداوية يبقى الامل حاضراً، خصوصاً ان تيار الأوادم ما زال محافظاً رغم جراحه وآلامه على روحه النضالية التي كانت اساس ولادته والتي تحدى بها المعادلات الكونية وانتصر عليها رغم كل الصعاب.
فأبناء العماد عون ورغم سخطهم من الواقع المرير لا ينكفؤون، بل يبقون حاضرين دائماً متى ناداهم الواجب؛ وهم الذين اعتادوا المواجهات الطاحنة منفردين وقاوموا جميع من حاول اخضاع البلد سواء كانوا دول او ميليشيات او مافيات.
التيار