مجلة وفاء wafaamagazine
وجه سماحة العلامة السيد علي فضل الله رسالة في الذكرى العاشرة على رحيل المرجع السيد محمد حسين فضل الله (رض) وجاء فيها: تأتي الذكرى العاشرة في هذا العام، والوطن يفتقد حكمتك وتسديدك، والأمة في أمس الحاجة إلى مواقفك ورؤاك، وفلسطين تنتظرك لتطلق كلمة الحسم، وجراحاتنا النازفة التي سببتها الانقسامات المذهبية والطائفية وعوامل التخلف الكثيرة لا تكل عن إطلاق النداءات لتبلسمها..
وقال: لقد أيقظت في الأمة إرادة الحياة ضد الخوف والهلع وأشعلت إرادة الحرية في مواجهة الاستبداد والطغيان والاستكبار، واستنفرت إرادة المعرفة في مواجهة الجهل والأمية، وحفزت إرادة الحوار والوحدة في مواجهة الفتن والانقسامات، وأعدت للدين إشراقته وللإسلام ضياءه وسماحته وللتشيع ألقه وتلألؤه في مواجهة كل حالات التخلف والغلو والعصبية، وبعثت فينا إرادة التحدي ضد مشاريع قهر الناس وإذلالهم وإفقارهم..
وأضاف: أطلقت فينا إرادة الانتصار لدولة الإنسان.. دولة الحرية والعدل والمساواة.. دولة المواطنة.. مقابل دولة المزرعة ودولة المحاصصة ودولة النهب ودولة الطائفيين والمترفين الذين بلغوا في فسادهم إلى حد أنهم أوصلوا وطننا إلى الانهيار..
وتابع: سوف نبقى معك في تطلعاتك إلى بناء هذه الدولة دولة الإنسان، دولة المواطنة في مواجهة هذا النظام الطائفي الذي بلغ ذروة أزمته بوصول لبنان إلى انهيار سبّبه تواطئ سياسي ــ مالي غير مسبوق نهب موارد البلد وسرق مدخرات اللبنانيين.
لقد كان همنا الأساس ضمن هذه الظروف العمل على تبريد هذه الحساسيات من خلال اللقاءات والحوارات والخطاب والمنتديات والمؤسسات الدينية ندعو دون كلل إلى استعادة روح الدين ومقاصده الأخلاقية وأهدافه الإنسانية العليا والتي عنوانها العدل والحرية وكرامة الإنسان في مواجهة الفساد والظلم والإذلال، ليكون الجميع ومن كل الطوائف تحت مظلة هذه الأهداف لإنقاذ الوطن بدل انجرارنا خلف كل ألوان التحريض الطائفي والمذهبي خدمة لزعامات ومشاريع لا تريد خيراً للبنان ولا تأبه أن وصلنا إلى فتنة تقضي على ما تبقى من هذا البلد…
وأضاف: ما زلنا على نهجك في الانحياز لوجع الناس وآلامهم، فوقفنا مع الحركة الشعبية التي ملأت ساحات الوطن في 17 تشرين الأول، ورأينا فيها فرصة نادرة لإنقاذ الوطن، لهذا دعوناها إلى توحيد صفوفها وطرح برنامج مشترك للتغيير الهادف، وتقديم قيادات تعبر عن هذا البرنامج بوضوح ليعرف الناس إلى أين يسيرون، لكن وللأسف انقسمت هذه الحركة على نفسها ما يتطلب مراجعة حقيقة والتهيؤ لنضال طويل وشاق من اجل التغيير يأخذ بالحسبان الظروف المعقدة التي يحاول أكثر من طرف الاستفادة منها لدفع البلد إلى فتن لحساب الخارج.
وتابع: إننا ما زلنا نعيش القلق العميق على مصير الوطن، حيث تكاد آمال اللبنانيين تتبدد من أن تتمكن هذه الحكومة التي جاءت استجابة للانتفاضة الشعبية، من تنفيذ الإصلاحات التي جاءت لأجلها وأن تضع حداً لحال الجوع والإفقار والإذلال التي يعيشها المواطنون، والتي ليست هي المسؤولة لوحدها عن الوضع الحالي، لأن المسؤولية تقع على جميع القوى السياسية التي تعاقبت على حكم البلد منذ عقود…
ودعا سماحته القوى السياسية الفاعلة في هذا البلد إل الكف عن كيل الاتهامات لبعضها بعضاً، وأن تتوقف عن التوهم بأن الظروف الراهنة مؤاتية لتصفية حساباتها السياسية مع خصومها وتلتقي جميعها تحت عنوان الإنقاذ لتتحمل المسؤولية معاً فإن أحداً سواء كان جهة سياسية أم طائفة أم مذهباً لن يكون بمنأى عن تداعيات الانهيار مؤكدا أنه إذا خلصت النيات فإن لبنان سوف يجد أكثر من مخرج للإنقاذ..
وجدد سماحته التمسك بالمقاومة كقوة رادعة لغدر العدو ولحماية الأرض إلى جانب الجيش اللبناني تحت عنوان موحد لحفظ السيادة والاستقلال، لا سيما وأن المقاومة أثبتت وخلال سنوات طويلة القدرة والأهلية على تحرير لبنان من الاحتلال وفي جعله عصياً على أي عدوان، ونريد للبنانيين أن يقفوا إلى جانب الجيش والمقاومة في مواجهة إصرار العدو على الاستيلاء على أجزاء من أرض الوطن واستهداف ثرواته النفطية والغازية في البحر، بعدما بات واضحاً أن أطماع هذا العدو لا تردعها لا قوانين دولية ولا مواثيق الأمم المتحدة ولا قيم أخلاقية.
وشدد على التمسك بقضية فلسطين معتبرا أن موقفنا منها دين نُدين الله به، وليس مجرد شعار سياسي للاستهلاك.. فمع القدس تصبح أرض فلسطين قضية ورسالة، ومعنى التنكر لهذه البقعة الطاهرة والتي هي مهبط الرسالات هو التنكر لمعنى إنسانية الإنسان..
وقال: من موقع وطنيتنا وعروبتنا وإسلامنا وإنسانيتنا نرفض كل مخططات الضم وكل مؤامرات تصفية هذه القضية، وندين كل محاولات التطبيع القائمة والتي تشجع العدو على المضي في الاستيلاء على كامل فلسطين
ودعا سماحته العرب والمسلمين إلى عدم السقوط أمام التهاويل الإعلامية والسياسية التي تواكب الحصار القائم على بلادنا وتهددنا بالجوع إن لم نستسلم لأطماع العدو، أو نرضخ لإملاءاته ونقول لهم كما قلت: لا تسقطوا أمام حصار الحاضر، لا تسقطوا أمام تهاويل الحاضر.. إذا ضاق بنا الحاضر… فإنّ هناك مستقبلاً كبيراً يمكن أن نجد فيه أكثر من أفقٍ للحريَّة، وأكثر من أفقٍ للعدالة، وأكثر من أفقٍ لإغناء إنسانيَّتنا بكلِّ ما نعيشه من غنى الإنسانيَّة…
وختم بالقول: الأمانة التي حملّتنا إياها في خدمة الأيتام والفقراء والمساكين ستبقى وثيقة في أعناقنا، وسنحمل راية كل هؤلاء الذين حاصرهم وأرهقهم الجوع والعوز.. في لبنان وخارجه على الرغم من ثقل الحمل وقلة ذات اليد..