مجلة وفاء wafaamagazine
إيلده الغصين
بين مفهوم «البيانات ذات الطابع الشخصي» الذي استند إليه قرار قضاء العجلة، ومفهوم «السريّة المهنية» الذي استند إليه نقيب المحامين لتبرير طلب نقابته شطب أسماء منتسبيها عن موقع «ش م ل» الإلكتروني… حُجب الموقع المذكور في لبنان، فيما اختلفت وجهات النظر والاجتهادات القانونية حيال أساس القرار القضائي وحجّة النقابة
باستدعاء تقدّمت به نقابة المحامين في بيروت، لشطب أسماء المحامين من موقع «ش م ل» الإلكتروني (Shinmimlam.com)، صدر قرار عن قاضية الأمور المستعجلة في بيروت هالة نجا، الشهر الماضي، قضى بحجب الموقع في لبنان، إلى حين حذف بيانات المحامين. الموقع مسجّل خارج الأراضي اللبنانية، ويستخدم تقنيات لحماية خصوصيّة ناشريه، وهو يعرض معلومات موجودة في السجل التجاري أصلاً، ويقدّمها بتصاميم حديثة، تظهر أسماء مالكي الشركات والمساهمين فيها، إضافة إلى المحامين الموكلين عنها، بشكل مترابط عبر دوائر وأسهم قد تصل عند بعض رجال الأعمال إلى أكثر من 200 رابط. «الأخبار» تواصلت مع المجموعة القيّمة على الموقع، من دون أن تفصح عن هويات أصحابها، سوى أنّهم «مجموعة أصدقاء ومبرمجين من لبنان، جمعنا المعلومات من السجل التجاري فقط». وعن الجهد الذي تطلّبه إدخال المعلومات، قالوا «لم يأخذ وقتاً، لكن البرمجة وتسهيل الـUI (User interface/ واجهة المستخدم) تطلّبا أسابيع للوصول إلى الشكل الذي هو عليه». أما الهدف فهو «تعزيز الشفافية وإيصال المعلومات لكل مواطن». وعن توقيت شراء اسم النطاق عبر الانترنت بُعيد 17 تشرين الأول، أكدوا أن «التاريخ ليس مهماً، الأهم إيصال المعلومات لكل لبناني يعرف حقوقه»؛ وطلب نقابة المحامين «لا يهمّ مصدر القمع»، أما الحجب عبر شركات الاتصالات اللبنانية «فيمكن تخطّيه عبر شبكة VPN»، والمعلومات غير المحدّثة «ناتجة عن عدم تحديث السجل التجاري مصدر المعلومات»، والتمويل «فردي ولم يكلّفنا سوى وقتنا».
الموقع لم يقدّم إذاً إلاّ ما هو منشور ومتاح قانوناً في السجل التجاري، لكنّه سهّل لزائره إمكانية إظهار الصلات والروابط بين مالكي الشركات والمساهمين فيها، عبر البحث عن أسمائهم مباشرة، بعكس ما يتيحه السجل التجاري بالبحث عن اسم الشركة. ولأن الموقع يحمي أسماء العاملين عليه، تعذّر إبلاغ أصحابه، فكان القرار بحجبه كاملاً، إلى حين حذفه أسماء المحامين، وهي «معلومات ليست معدّة لاطلاع الجمهور، ولا تدخل في عداد البيانات الواجب نشرها في السجل التجاري، وعليه فإن نشرها عبر الموقع يعدّ من قبيل التعدّي على بيانات ذات طابع شخصي»، وفق قرار نجا. نقيب المحامين ملحم خلف، الذي حاولت «الأخبار» التواصل معه، ارتكز في ردّه عبر عدد من وسائل الاعلام إلى مبدأ «السريّة المهنيّة» والمعلومات ذات الطابع الشخصي المتعلّقة بالمحامين، متمسّكاً بالمادة 26 من قانون التجارة، والمادة 87 من قانون المعاملات الإلكترونية والبيانات ذات الطابع الشخصي.
رأي المعارضين للقرار وطلب النقابة، يستندان إلى أن وكالة المحامين للشركات ليست سرية ولا ذات طابع شخصي. النائب السابق والمحامي غسان مخيبر، في اتصال مع «الأخبار»، أكد «أن القرار القضائي أخطأ، وهو لم يتطرق إلى السرية المهنيّة، بل أساسه القانوني هو البيانات ذات الطابع الشخصي»، والاختلاف هو حيال وضع وكالة المحامي عن شركة في خانة المعلومة ذات الطابع الشخصي «وهي ليست كذلك»، لعدة أسباب، منها «أن نشر اسم المحامي وتوكيله هما شرط ترخيص واستمرارية الشركة (كما تلزمها المادة 62 من قانون تنظيم مهنة المحاماة) وأمين السجل التجاري ملزم بالتحقق سنوياً من هذه المعلومة. كما أن المحاضر السنوية للجمعيات العمومية تتضمن توقيعي المحامي والمدقق المالي، وهي معلومات للنشر. ثم إن العلاقة بين المحامي ومستشاره القانوني ليست خاصة (في ما عدا المعلومات الخاصة الواجب كتمها)، وصفة المحامي ليست سرية، وخاصة أن الوكالة تبرز في المحاكمة العلنية»، إضافة إلى أن «أسرار المهنة لا تعني سوى الأفراد، بينما المعلومة المعلنة تخصّ شركة وعرضاً يذكر اسم محاميها»؛ أما الأخطر فهو «الاجتهاد القانوني لاعتبار اسم المحامي سراً من أسرار المهنة، هذا خطير جداً، ويفتح الباب لاعتبار اسم مدقق المحاسبة معلومة شخصية، ولاحقاً أسماء المساهمين وأعضاء مجلس الإدارة… وعندها تنتفي قيمة السجل التجاري ووظيفته».
اعتبار اسم المحامي من أسرار المهنة يمهد لاعتبار أسماء أعضاء مجلس الإدارة كذلك!
كرّست تعديلات المادة 26 من قانون التجارة (الصادر عام 1942)، إلزامية تسجيل المحامي واسمه بالوكالة عن الشركة، بما يسري مع قانون تنظيم مهنة المحاماة والمادة 62 منه (الصادر عام 1970).
القطبة المخفيّة تكمن في المادة 63 من هذا القانون، والتي منعت كل محامٍ من أن يقبل توكيلاً بأتعاب سنويّة عن أكثر من خمس شركات تجارية، وهو ما ثبت في الممارسة أن معظم المحامين لا يلتزمون به، باعتبار أن المادة مجحفة وتحدّ من أعمالهم. كما أن موقع «ش م ل» بيّن بشكل أسرع وأكثر سلاسة أن المحامين يتوكّلون عن أكثر من 5 شركات، فيما نقيب المحامين وحده يتوكّل عن أكثر من 20 شركة. هذه المادة يفترض إما تطبيقها أو تعديلها. ويلفت مخيبر الى أن تطبيق المادة 63 «بيّن أن الممارسة لم تتفّق مع القانون، وتسقط المادة بعدم جدواها، ولا خطأ في تعدد الشركات، بدليل أن مجالس النقابة المتعاقبة لم تلاحق المخالفين. كما أن علاقة الشركة بالمحامي لا تحدّد بأعداد الشركات، إذ يمكن لمكاتب المحاماة الكبيرة توزيع أسماء الشركات على كل أسماء المحامين العاملين فيها، في حين أن الوكيل الفعلي هو صاحب مكتب المحاماة، ما يفتح باب التحايل!».
يبقى أن لمخيبر رأياً بشأن عدم إفصاح مبرمجي الموقع عن هوياتهم، إذ «من الخطأ عدم معرفة هوية صاحب الموقع، لأنه يمكن لقاضي العجلة أخذ كل تدبير حماية، وبما أنه لا يمكن التواصل مع أصحاب الموقع غير المعروفين، كان القرار بحجب الموقع كله! وهو قرار لا نتفق مع أساسه، لكن عدم إفصاح أصحابه عن هوياتهم أضرّ بالصالح العام وهدف الموقع». والنقطة الأهم «أن حق المتضررين تصحيح المعلومات الواردة في حال كانت مغلوطة، وهذه مخالفة قانونية، فكيف يمكن مراسلة الموقع؟». متمسكاً بالدفاع المزدوج عن حق الوصول إلى المعلومات وتصحيح المعلومات، يعتبر مخيبر «أن المبرمجين حصلوا على المعلومات بعكس ما يتيحه قانون الحق بالوصول إلى المعلومات. هم قاموا بما يشبه سرقة معلومات منشورة، ولكن بنية حسنة، ويفترض بهم عدم الخوف من التعريف بأنفسهم، لأن قانون حماية كاشفي الفساد يحميهم».
الاخبار