مجلة وفاء wafaamagazine
تحدث الرئيس فؤاد السنيورة الى “قناة الحدث” في حوار حول التطورات الاخيرة فقال: “الحقيقة ان الذي جرى في بيروت فظيع بكافة المعايير. وهو قد تسبب بكارثة إنسانية كبيرة حلت على لبنان بمئات الأرواح التي أزهقت وفي معاناة آلاف الجرحى. وكذلك بالتدمير الهائل الذي لم يوفر ولا بناية ولا شقة في بيروت مع ما يعني ذلك من أعباء نفسية ومادية كبيرة على معظم اللبنانيين الذين لا يملكون او يستطيعون حتى تغيير زجاج منزلهم. فكيف بالدمار الحاصل لتلك الأبنية والمنازل. صحيح أن هذه الاستقالات مؤشر لمدى التدهور الحاصل في الثقة لدى اللبنانيين ومن ضمنهن أيضا لدى الوزراء والنواب بالحكومة وبفخامة الرئيس، وبقسم كبير من السياسيين، وهو التهور الذي أدى إلى هذا الانهيار الكبير في الثقة. وبالتالي إلى حدوث انهيارات اقتصادية ومالية ونقدية ومعيشية. وكل ذلك جرى ما قبل عشية هذا الانفجار الكبير الذي حصل يوم الثلاثاء الماضي. وبالتالي، فإن هذا الانهيار المتفاقم بالثقة تفاقم وتعاظم أكثر بكثير بعد الانفجار الذي حصل في مرفأ بيروت وأصاب العاصمة بأسرها.
ومن ذلك يتبين للبنانيين والشباب، وتحديدا أن هناك قصورا وتقصيرا وإهمالا كبيرا، بل أكثر من ذلك، فإن كل المعالم والمؤشرات حول هذا الانفجار توحي بكثير من الريبة والشكوك حول ما جرى ولماذا جرى. وذلك منذ ست سنوات ونيف ومنذ أن غيرت تلك السفينة وجهتها لتبحر باتجاه لبنان ولترسو في مرفأ بيروت، مما يوحي وكأن هناك ليس فقط عملية قرصنة بل وتقصدا بأن تأتي هذه الباخرة وتفرغ حمولتها في لبنان وفي مرفأ بيروت بالذات. وهي الحمولة التي تحتوي على مواد ممنوعة من الدخول الى لبنان لأنها تستعمل لصناعة المتفجرات.
ولكي تكتمل هذه العملية بكامل فصولها، فإن ذلك كان يقتضي ترتيب كل الأمور التي تجعل هذه العملية تبدو وكأنها قانونية. وبالتالي جرى التعتيم على عملية كانت بالفعل بمثابة وضع قنبلة نووية صغيرة على مقربة من المناطق السكينة في العاصمة وفي محلاتها التجارية، وهي التي لم يجر التنبه أو كان ممنوعا التنبه إلى ضرورة خزنها بطريقة صحيحة ريثما يتم التخلص منها، وهو الأمر الذي كان ينبغي أن يكون الهدف الأساسي.
بعد ذلك، وما هي الأسباب الحقيقية، حصل ذلك الانفجار الذي كان بالإمكان تجنبه لو كان هناك بعض التبصر لدى المسؤولين، ولاسيما وأنه يقال إنه كان قد جرى وفي آخر المطاف إبلاغ فخامة الرئيس في الـ20 من تموز الماضي بشأن وجود هذه المواد المتفجرة والحاجة إلى التخلص منها. كذلك، فقد جرى ابلاغ رئيس الحكومة بهذا الشأن أيضا خلال شهر حزيران الماضي.
في ضوء جميع هذه المعلومات والحاجة إلى التحقيق والتحقق منها، نرى ان هناك تعجلا من اجل إنجاز تركيبة جديدة بشأن التحقيق حول وجود وتخزين هذه المواد وكيف أدخلت إلى عنابر الجمرك وإلى أن انفجرت.
إنه وفي ضوء هذا الانهيار الخطير في الثقة لدى اللبنانيين في الحكومة وبرئيس الجمهورية والدولة ولدى السياسيين ككل، وهو الانهيار الذي ذكرت لك أنه قد تعاظم مرات بعد هذا الانفجار وبالتالي تجد المواطنين في الشارع يريدون التغيير من رأس الهرم الى أخمصه. هناك من يحاول أن يتملص من إجراء تحقيق محايد وشفاف يبعث على الثقة لدى اللبنانيين”.
س: كيف يمكن هذا التغيير ان يحصل في ظل وجود القوانين لو افترضنا انتخابات مبكرة ظل القانون الموجود أولا سنرى أن أغلب الوجوه تعود هي هي وكأن شيئا لم يحصل؟
ج: “بداية هناك حاجة من أجل العمل على طمأنة الناس بشأن من سيتولى التحقيق فيما حصل وحاجة ماسة لدى اللبنانيين لكي يتأكدوا بأن الدولة وبوجود فخامة الرئيس والحكومة يسعيان بصدق وحزم من أجل التوصل إلى جلاء الحقيقة. والحقيقة لا يمكن التوصل اليها من خلال اعتماد ذات الأجهزة والإدارات التي كانت موجودة ومسؤولة في المرفأ، وهي التي مازالت مسؤولة عن المرفأ حتى الآن وأعني بذلك الجيش اللبناني وامن الدولة والأمن العام والجمارك والإدارة المدنية كلهم كانوا موجودون، وعلى علم بطريقة أو بأخرى بكل ما كان يجري بشأن هذه المواد الخطيرة الموجودة في عنابر المرفأ يجري تحت سمعهم وأبصارهم وليس لعدم ثقة بهم لا بل وبالفعل من أجل حمايتهم. فهل من المعقول أن يتولوا التحقيق ودون أن يؤدي ذلك إلى التشكيك بهم وبالتحقيق. فهل من المعقول أن يرتاح اللبنانيون ويطمئنوا عندما يرون ان التحقيق يجري من قبل من كانوا موجودون في المرفأ حتى لو كانوا صادقين فسيكون هناك تشكيك بهم. وإذا لماذا يحاول البعض من أهل السلطة أن يزيدوا من حدة التوترات في لبنان بالإصرار على أن تتولى تلك الأجهزة التحقيق، بينما هناك إمكانية أن يصار الى الاستعانة بهيئة منفصلة وحيادية تستطيع ان تقدم هذه الخدمة للدولة اللبنانية من خلال قضاة حياديين ومن أشخاص محترفين ويمكن أن يتحقق ذلك من خلال إنشاء هيئة خاصة يتولى تأليفها إما مجلس الأمن أو الجامعة العربية”.
س: يعني هيئة محلية او دولية؟
ج: “ممكن أن تكون دولية او عربية، فبالتالي أنا استغرب لماذا يصر البعض على رفض هذا الاقتراح العملي والموحي بالثقة للبنانيين ما لم يكن لدى أولئك المعترضين ما يسمى: “اللي عنده مسلة بتنغرو” يعني بعبارة أخرى ان الذي ليس لديه شيء يخاف منه فإنه يبادر إلى التجاوب مع مطالب هؤلاء المواطنين الغاضبين ويؤيد طلب تأليف هذه الهيئة الخاصة للتحقيق.
هناك غضب عارم عند المواطنين اللبنانيين وشعور بأن هناك من يتآمر عليهم فبالتالي لماذا لا تحاول السلطة، رئيس الجمهورية والحكومة أن تنفس هذا الغضب من خلال الاستعانة بهيئة تحقيق كهذه. هذه أول خطوةٍ نحو استعادة الثقة.
المشكلة الآن أن هناك انهيارا كاملا في الثقة ما بين الناس والحكومة ورئيس الجمهورية والسياسيين ككل. أول خطوة، في هذا السبيل هي ان تسعى الحكومة لطمأنة المواطنين.
أما الامر الثاني، فإنه بما يتعلق بهذه الحكومة التي فشلت والتي يجب ان تتغير أو أن تستقيل أقول هنا أنه يجب ان يتم العمل على احتضان اللبنانيين. كيف يتم احتضانهم؟ هل يكون بوضع الجيش والقوى الأمنية في مواجهة المتظاهرين وهذا- وياللأسف- ما يجري كل ليلة وكل يوم. إذ إن هناك مواجهات دامية بين هذه القوى والناس وهذا أمر جدا خطير ومقلق؟ لماذا نضع الجيش في مواجهة المواطنين”.
س: ما هو الحل برأيك؟
ج: “إنه بتقديري أنه ينبغي وفورا، وبعد الموافقة على تأليف هذه الهيئة، فإن على الحكومة أن تستقيل. ولكي يتم تسهيل تأليف الحكومة الانتقالية الجديدة فإنه ينبغي أن تكون بوصلة الحكم والدولة أن تصبح موجهة إلى الوجهة الصحيحة. هناك ما يسمى منحى ونهج يعتمده رئيس الجمهورية وتعتمده الحكومة. إلا أن هذا النهج الذي يعتمده الرئيس والحكومة لا يزيد الأمور إلا تفاقما. وبالتالي إذا لم تتم المسارعة إلى إيجاد الحلول الصحية وبشكل سريع، فإنه لن يعود هناك أي شيء يرضي المتظاهرين أو الناس. وبالتالي ليس هناك من حل يؤدي الى النتيجة المرجوة إذا لم تتغير المقاربات. الوضع الذي وصلنا اليه في لبنان سيؤدي استمراره إلى تفاقم المشكلات وإلى التسبب بمشكلات إضافية.
أما آن للرئيس ولهذه الحكومة أن يتعلما من الدروس الكثيرة الموجودة في كثير من دول العالم. هذه الدول العاقلة لا تضع الأجهزة الأمنية في مواجهة المواطنين، وبالتالي هي تحرص على عدم التسبب باشتعال توترات ومجابهات جديدة”.
س: أريد أن أستفسر منك في حال استقالة الحكومة الى أي مرحلة مقبل لبنان؟ كيف سنرى الأمور في حال استقالتها؟
ج: “أنا اعتقد ان أول خطوة ينبغي على الرئيس والحكومة أن يقوما بها هي في معالجة مشكلة التحقيق. ليعملوا على تصويب البوصلة الصحيحة في الوجهة الصحيحة التي تهدف الى استعادة ثقة الناس. هناك كارثة كبرى يزداد تفاقمها وهي مشكلة خطيرة تعادل مشكلة انفجار هيروشيما. هل يمكن التعامل معها وكأنها حادث سيارة أم أنه ينبغي أن يتم التعامل معها على أساس انها بالفعل كارثة كبرى، وتتطلب معالجة مختلفة ومقاربة مختلفة بداية بالنسبة لموضوع هيئة محايدة التحقيق وبما يؤمن للبنانيين البدء في سلوك استرجاع الثقة.
وثانيا، بالنسبة للحكومة، هنا يأتي الدور الذي يمكن ان يلعبه فخامة الرئيس. رئيس الجمهورية في لبنان، وهو على رأس كل السلطات ويفترض به أنه ليس فريقا، وهو بالفعل عليه واجب في أن يقنع اللبنانيين أنه يريد أن لا يكون فريقا. وبالتالي يجب عليه ان يخرج من تحزباته الى فريق من اللبنانيين، بل ليعود إلى ما ينبغي أن يكون عليه انتماؤه لجميع اللبنانيين الذين ينبغي عليه ان يحتضنهم. لأنه بدون ذلك، فإنه يبدو وكأنه يعمل ويؤدي بفعله الى مزيد من المشكلات. والتعاظم في مفاقمة المشكلات وبتطلع براس كل الناس بما فيهم رأسه”.
س: وهو مطالب أيضا بالاستقالة من قبل الشارع؟
ج: “نعم، المطالبة باستقالة رئيس الجمهورية ربما تصبح عما قريب مطلبا لدى الناس. ولذلك، فإن على فخامة الرئيس أن يحسم أمره. إما أن يتصرف كرئيس جمهورية يحتضن كل اللبنانيين، وإما عليه ان يتحمل نتائج استعصائه وعناده.
دعني أوضح أمرا، غبطة البطرك قال البارحة في عظته إنه ما عاد من الممكن أن تنحل المشكلة دون أن يصار إلى تعيين هيئة خاصة وحيادية للتحقيق ويجب ان تستقيل الحكومة. المفارقة أن مصادر الرئيس ترد على غبطة البطرك عبر إحدى الوسائل الإعلامية رافضة تعيين هيئة خاصة للتحقيق ومتذرعة بأن هذه سوف تأخذ وقتا.
ماذا يعني هذا؟ هل يمكن التعامل مع الشعب اللبناني بهذه الطريقة. هذه الطريقة تؤدي الى زيادة حدة الغضب وحدة العنف وحدة الرفض. وكلما استمرت المعاندة وجرى التأخر في عدم القيام بالمعالجات الصحيحة وازداد الاستعصاء والعناد والتأخر بالمعالجات الصحيحة كل ما تتصاعد المطالب. وبدل أن يصار إلى احتوائها، فإنه يجري العمل على المزيد من إضرامها وإشعال النيران فيها. نيران الغضب عند الناس لا تعالج هكذا. أنا أعتقد أن ما أشرت إليه هو الطريقة الوحيدة للمعالجة ولا وجود لطريقة أخرى”.