مجلة وفاء wafaamagazine
ألقى السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:
عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بأن نتأسى برسول الله، ونستلهم معاني الدعاء الذي كان يدعو به عند حلول سنة جديدة: “اللهم أنت الإله القديم، وهذه سنة جديدة، فأسألك فيها العصمة من الشيطان، والقوة على هذه النفس الأمارة بالسوء، والاشتغال بما يقربني إليك، يا كريم، يا ذا الجلال والإكرام”. ثم يقول: “ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وهب لنا من لدنك رحمة، إنك أنت الوهاب”.
وتابع: “لقد أراد رسول الله من ذلك أن يدعونا إلى أن نبدأ سنتنا من باب الله سبحانه بأن نتوجه إليه بكل صفاته وأسمائه الحسنى، ليقوينا على مواجهة الشيطان الذي يترصدنا في كل زمان ومكان ليضلنا وليغوينا، وعلى كل من يريد أن يعبث بإيماننا ومصيرنا، وعلى أنفسنا الأمارة بالسوء، وأن نبقى ثابتين نعيش صلابة الإيمان وصلابة الموقف، حتى تكون سنتنا القادمة سنة خير وبركة على مستوى الدنيا والآخرة. ومتى فعلنا ذلك، فإننا سنملك القدرة على أن نواجه التحديات الصعبة، وهي كثيرة”.
واضاف فضل الله: “البداية من معاناة تفشي جائحة كورونا والتي بلغت في الأيام الأخيرة أرقاما قياسية وهي مرشحة للازدياد. وإذا كان الإقفال العام هو أحد الحلول الذي عاودت الدولة اعتماده تحت وطأة الانتشار الكثيف لهذا الفيروس، إلا أنه ليس هو الحل المناسب في ظل عدم قدرة البلد على تحمل الإقفال الدائم والتام”.
ورأى “أن المواجهة الواقعية لهذه الجائحة تبقى على عاتق المواطنين بتقيدهم التام بالإجراءات المطلوبة ولبس الكمامات والتباعد الاجتماعي والاقتصار في التواصل على موارد الضرورة، والتواصي بهذه الإجراءات على مستوى الأفراد والجماعات. على أن تقوم الدولة بالتشدد في الرقابة على المواطنين لضمان تقيدهم بهذه الإجراءات وفي العقوبات الرادعة”.
ومن هنا، فإننا “نجدد دعوتنا إلى التعامل بكل جدية مع هذه الجائحة وعدم الاستخفاف بتداعياتها ونتائجها، لا على كبار السن فقط بل على الشباب، بأن يعتبروا ذلك واجبا شرعيا وأخلاقيا ووطنيا وليس خيارا”.
وعن تداعيات الانفجار في المرفأ التي لا تزال تلقي بثقلها الاجتماعي والإنساني والصحي والنفسي على اللبنانيين، والتي تتطلب من الدولة المزيد من العمل على معالجة سريعة لكل هذه التداعيات، في الوقت الذي نقدر كل الجهود التي يقوم بها الجيش اللبناني والبلديات والمؤسسات الصحية والجمعيات.
وقال فضل الله: “في هذا الجو، نريد للقضاء الإسراع بالقيام بما عليه بالكشف عن المتسببين وعدم استثناء أحد في هذا المجال، وبإظهار قدرته على مواجهة ضغوط التسييس وعدم الوقوع في فخ التمييع، حتى لا يبقى الحديث عن عدم قدرة القضاء الوطني على القيام بهذه المسؤولية”.
واردف: “وليس بعيدا من ذلك فإن البلد بات أمام استحقاق تشكيل الحكومة القادمة، وهنا ندعو إلى الإسراع بتأليف حكومة قادرة على النهوض بالواقع الاقتصادي المتداعي وازدياد نسب الفقر والبطالة، والقيام بالإصلاحات المطلوبة التي يتوقف عليها قيام الدولة وأية مساعدات تأتي من الخارج، والتي أصبح اللبنانيون بأمس الحاجة إليها”.
ودعا القوى السياسية الى ان “تخرج من تجاذباتها وصراعاتها ومن حساباتها الخاصة، وتكف عن التطلع إلى ما يريده الآخرون، وتنظر إلى ما يريده الذين أودعوهم مواقعهم وأوصلوهم إليها والعمل بكل قوة للخروج من المآزق التي يعيشها هذا البلد، وهي مآزق لا تحل بالتراشق أو بالاتهامات، بل بحوار جدي بعيد عن الشروط والشروط المضادة والكيدية والمهاترات، وبدون ذلك سيكون هذا الوطن في مهب رياح جميع المتربصين به وأسير التجاذبات الدولية الحادة ومصالحها الخاصة، التي غالبا ما تكون على حساب اللبنانيين”.
واضاف: “لقد أصبح واضحا أن أية قوة سياسية أو طائفية أو مذهبية لن تستطيع أن تعالج ما يعاني منه هذا البلد، فالحل لن يتم إلا بتضافر جهود الجميع وتعاونهم، والطريق إلى ذلك هو التسامي عن المصالح الفئوية ونشدان الخلاص لهذا الوطن وإصلاح ما فسد فيه. ونحن في الوقت نفسه، ندعو اللبنانيين إلى أن يخففوا من منسوب التوتر الذي نشهده على وسائل التواصل والوسائل الإعلامية وفي حواراتهم، حيث باتت اللغة الاستفزازية والتحريضية ومفردات السباب والشتائم والكلام النابي هي السائدة، ما يعمق الكراهية ويزيد من الأحقاد ويدفع البلد نحو مصير أسود لن ينجو من تداعياته أحد. إننا نريد للغة التخاطب بين اللبنانيين أن تحتكم إلى القيم السماوية التي يتلاقون عليها، بحيث يعبر كل طرف عن قلقه أو هواجسه أو يطالب بحقه بهذه اللغة، وهم بذلك سيكتشفون أن كثيرا مما يفرقهم ويباعدهم ويثير مخاوفهم نابع من تصورات غير واقعية، أو غير دقيقة وهو ما يسمح بإعادة التوازن إلى هذا البلد ويقطع الطريق على كل من يتلاعب به لحساب مصالحه الشخصية والفئوية والتي يريد تحقيقها”.
وختم فضل الله: “وأمام العديد من الحوادث المؤسفة التي جرت، لا بد من توقي الوقوع في الفتنة التي يريد لها أن تقع بين الناس وأبناء الصف الواحد بمزيد من ضبط النفس وعدم إدخال السلاح لعلاج التوتر. وهنا نقدر دور القيادات التي عملت سريعا على معالجة ما حصل ومنع تماديه”.