مجلة وفاء wafaamagazine
ألقى العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:
“عباد الله أوصيكم وأوصي نفسي بأن نستهدي وقفة الحر بن يزيد الرياحي موقفه في يوم العاشر، حيث تذكر السيرة أنه وقف في يوم العاشر من المحرم وكان آنذاك في جيش عمر بن سعد، وهو يرتعد فقال له أحدهم وهو من جيش عمر بن سعد وهو على هذه الحال، فقال له: أنت ترتعد، ولو قيل لنا من أشجع أهل الكوفة ما عدوناك. قال له: أنا لا أرتعد خوفا، ولكني أخير نفسي بين الجنة والنار. وأخذ قراره الحر عندما قال: لا أختار على الجنة شيئا، ولو قطعت أو أحرقت. أن يكون قرار الحر بن يزيد الرياحي هو خيارنا في كل موقف نقفه بين الحق والباطل وبين الخير والشر وبين العدل والظلم، أن نكون مع الحق والعدل والخير حتى لو كان على حسابنا وأن نقف ضد الظلم والباطل والشر، حتى لو كانت من ورائه الدنيا وكلفنا ما كلفنا. ومتى فعلنا ذلك بأننا نكسب جنة عمل لها الحر بن يزيد الرياحي وسنكون أقوى وأقدر على مواجهة التحديات”.
أضاف: “البداية من لبنان الذي يبقى فيروس كورونا هاجس اللبنانيين بعد ازدياد أعداد المصابين به، والذي يستدعي مجددا دعوة المواطنين جميعا إلى التقيد بكل إجراءات الوقاية من هذا الفيروس حفظا لهم ولمن حولهم. ونحن في هذا المجال، نقف مع أي إجراءات تتخذها الدولة ولو كانت تؤدي إلى توقف العديد من القطاعات، ولكن هذا لا يعفي الدولة من مسؤوليتها تجاهها بالتعويض عليها ومساعدتها على تحمل أعباء هذا الإقفال، حتى لا تضطر إلى الاستغناء عن موظفيها أو بتعطيلهم القسري على حسابهم ومن دون أجر، مع كل تبعات ذلك على لقمة عيش هؤلاء”.
ورأى ان “الدولة معنية بأخذ الإجراءات لوقاية مواطنيها بأن تعينهم على التقيد بها فلا تضطرهم للتجرؤ على عدم الالتزام بها حفظا للقمة عيشهم وعيش الذين يعملون لديهم”.
وتابع: “في هذا الوقت تعود إلى الواجهة معاناة اللبنانيين على المستوى الاقتصادي والاجتماعي المتأزم والذي يزداد تفاقما بعد تلويح حاكم مصرف لبنان برفع الدعم عن السلع الضرورية، وهي الوقود والطحين والدواء تفاديا لاستنزاف احتياطات العملة الأجنبية لديه والتي بلغت أدنى مستوياتها، والذي نرى أنه سيؤدي إلى أعباء متزايدة لا طاقة للبنانيين على تحملها. وهنا ندعو الدولة إلى استنفار كل جهودها من أجل عدم اتخاذ هذا القرار، لمنع كارثة اجتماعية وأمنية وبالطبع ستؤدي إلى غضب عارم يخشى من تداعياته على أصحاب القرار في هذا البلد”.
وقال: “على الصعيد الأمني نتوقف عند الحدث الأمني المؤسف والخطير الذي حدث بالأمس في خلدة، والذي كادت شراراته تطال العديد من المناطق اللبنانية وتأخذ بعدا طائفيا ومذهبيا. ونحن في الوقت الذي نقدر فيه وعي القيادات المعنية والدور الذي قامت به للإسراع بوأد الفتنة وتداعياتها، نؤكد على كل اللبنانيين ضرورة توقي دواعي الفتنة وعدم الوقوع في شرك الساعين إليها. وندعو القوى الأمنية والقضائية إلى معالجة ذيول ما حدث والتحقيق في ما جرى وملاحقة المتسببين والمحرضين والتعامل بكل جدية لمنع تكراره”.
أضاف: “وفي موازاة ذلك يستمر العدو الصهيوني بخروقاته في البر والبحر والجو، وكان آخرها الاعتداءات التي جرت على القرى اللبنانية المتاخمة للحدود اللبنانية الفلسطينية والتي حصلت بحجة خوف العدو من تسلل المقاومين أو إطلاق بعض العيارات النارية على جنوده، وغير ذلك مما بقي في إطار مزاعم العدو ولم تؤكده الوقائع على الأرض ولا بيانات الجيش اللبناني، مما يشير إلى نوايا هذا العدو تجاه هذا البلد والتي تدعو إلى بذل مزيد من الجهود لمنعه من تحقيق أهدافه. ومع الأسف، يأتي كل هذا في ظل استمرار التجاذبات الداخلية بين القوى السياسية والتي تتزامن مع ضغوط خارجية. ونحن أمام هذا الواقع نعيد دعوة القوى السياسية إلى تحمل مسؤولياتها تجاه مواطنيها بالخروج من حساباتها الخاصة أو من رهاناتها أو من تصفية حساباتها في ما بينها، والإسراع بتشكيل حكومة فاعلة وقادرة على النهوض بهذا البلد وإجراء الإصلاحات فيه لتحظى بثقة مواطنيها والعالم بها”.
واعتبر أن “على القوى السياسية أن تتقي غضب هذا الشعب الذي لن يرحم كل من يدير ظهره لمصالحه والذي لم يعد قادرا على تحمل المزيد من الآلام. ونحن في الوقت نفسه، ندعو المواطنين إلى أن يحسنوا التخاطب في ما بينهم، فلا يسمحوا لدعاة الفتنة أن يجدوا فيها مجالا رحبا، ونؤكد على القيادات الدينية أن تكون أمينة على قيمها وتدعو إلى الرأفة والرحمة والجدال بالتي هي أحسن والعمل للبنانيين جميعا. وأن لا يكونوا سببا في إيجاد شرخ بين اللبنانيين وخلق توترات في ما بينهم، أو أن تؤدي مواقفهم إلى تأليب بعضهم على بعض”.
وختم: “أخيرا نقف مع مناسبة أليمة هي مناسبة اختفاء الإمام السيد موسى الصدر، هذا الإمام الذي كان مثالا للعالم المنفتح على قضايا الحياة والعصر وشكل عنوانا للوحدة الإسلامية والوطنية، وللتقارب الإسلامي المسيحي والانفتاح على العالم العربي والإسلامي، وسعى إلى مد جسور التواصل فيما بينها وعمل على تحصين البلد من الفتن التي كان يراد للناس أن يكتووا بنارها، ووقف صلبا في مواجهة الفساد والحرمان وفي التصدي للعدو الصهيوني، وكان داعما بارزا للقضية الفلسطينية. إننا في هذه المناسبة نجدد دعوتنا إلى إماطة اللثام عن هذه القضية التي تهم كل اللبنانيين، فالإمام الصدر لم يكن إماما لطائفة من اللبنانيين، بل كان إماما للوطن ومن مسؤوليتنا أن نستلهمه، وأن نتوحد على هذه القضية ونقوم بواجبنا تجاهه”.