مجلة وفاء wafaamagazine
“محظوظ من لديه قريب لاجئ أو مغترب”.. جملة تسمعها كثيراً في سوريا، فنسبة كبيرة من العائلات السورية أصبحت تعتمد خلال السنوات الماضية بشكل أساسي على ما يصلها من تحويلات مالية لتأمين احتياجاتها المعيشية، في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية وانخفاض القيمة الشرائية لليرة السورية، إضافة إلى انهيار سعر صرفها أمام الدولار الأميركي، إلا أن تلك العائلات “المحظوظة” بدأت تعاني كثيراً، إذ بدأت التحويلات تتعرّض للقضم من قبل التجار أو الدولة.
وأصبح التجار يقتطعون نسبة كبيرة من قيمة التحويلات التي يسلمون قيمتها بالليرة بسعر السوق السوداء، بحجة صعوبة التحويل في ظل جائحة فيروس كورونا أو مضايقات السلطات السورية، بينما إذا لجأ المغترب إلى التحويل عبر القنوات المالية لدمشق فإن مصير الحوالة سيكون التآكل بشكل أكبر، إذ يتم صرف قيمتها بالسعر الرسمي الذي يقل بنحو 66% عن السعر في السوق السوداء.
المعونة المالية هي مصدر الرزق الوحيد لكثيرين، كحال أبو مجد موسى (67 عاما) وزوجته، اللذين ينتظران حوالة ابنهما الوحيد، والذي وصل إلى إحدى الدول الأوروبية قبل نحو ست سنوات، بعد أن ضاع في البحر لأكثر من أسبوع، وكاد يفقد حياته لولا أن أحد قوارب الإنقاذ الأوروبية وجده ومن كانوا معه.
ويرسل مجد لوالديه شهريا 200 يورو، ويقول أبو مجد إنه يستلم الحوالة بالليرة السورية من أحد التجار في دمشق، بسعر السوق السوداء (سعر صرف يورو واحد نحو 2500 ليرة سورية)، مبيناً أن المبلغ “بالكاد يكفيهم ما بين إيجار منزل، بعد أن دمرت الحرب منزله الذي وضع فيه حصيلة عمره، إضافة إلى أدوية القلب والسكر والضغط، وباقي احتياجات الحياة”.
ويضيف “بالطبع نعتمد التحويل في السوق السوداء، لأن سعر صرف اليورو عبر التحويل الرسمي أقل من 1500 ليرة، فالـ 200 يورو تتحول من 500 ألف ليرة إلى أقل من 300 ألف ليرة، في حين نحتاج الليرة لنستطيع تأمين احتياجاتنا”.
ويلفت إلى أنه “في الأشهر القليلة الماضية أصبح التحويل من الخارج صعباً جداً، وبدأ يتأخر مجد في إرسال المال، حتى رسوم التحويل ارتفعت بشكل كبير”.
وقد تسببت أزمة التحويل إلى الداخل السوري بأن يعاني كثير من العائلات من أزمات مالية، كحال عائلة أيسر مهنا (38 عاما)، المكونة من 4 أفراد، وهو سوري يعمل في لبنان وعائلته في سوريا، قائلاً “منذ أن تسبب انتشار فيروس كورونا في تقييد السفر، خاصة بين لبنان وسورية، أصبحت مسألة تحويل المال إلى عائلتي مسألة صعبة ومكلفة جداً مقارنة بما سبق”.
ويوضح أيسر: “كنت أرسل لعائلتي مبلغاً شهرياً بحدود 300 أو 400 دولار، عبر أي شخص ذاهب إلى سوريا من البلدة أو عبر سيارات النقل، مقابل 10 دولارات كأجور تحويل، لكن اليوم تكاد حركة السفر والسيارات تكون متوقفة بشكل تام، في حين تطلب بعض مكاتب التحويل ما بين 20 إلى 25% كأجور تحويل وهذه أجور مرتفعة جداً”.
ويضيف: “المشكلة الكبرى أن التحويل عبر شركات التحويل الرسمية لا تسلم الحوالات فيه إلا بالليرة السورية وعلى أساس سعر الصرف المحدد من مصرف سوريا المركزي، وهو 1250 ليرة، في حين السعر في السوق 2200، إضافة إلى أجور التحويل، ما يجعل الشخص يخسر نصف قيمة الحوالة”.
وقدر خبراء اقتصاد حجم الحوالات المالية إلى سورية بحوالي 5.5 مليارات دولار العام الماضي، منها 1.5 مليار دولار عبر قنوات رسمية، معتبرين أن هذه الأموال تعتبر الدخل الأساسي لكثير من العائلات، كما ارتفعت نسبة مساهمتها في الدخل القومي بما يفوق مساهمة الصناعة.
العربي الجديد