الاثنين 05 آب 2019
مجلة وفاء wafaamagazine
لم يكن متوقعا “الطلاق” الواقع اليوم بين أهل السلطة وأبنائها. فهم الذين خاضوا معا، بالتكافل والتضامن، تجربة تغيير قانون الإنتخابات ليتلاءم و”كفالة” بلوغهم كراسي الحكم، بدليل النتائج التي أوصلت الأحزاب لتتقاسم مغانم البلد وثرواتها فيما كانت تعد اللبنانيين بمرحلة إنتعاش إقتصادي ستقوم على ركيزة مؤتمر “سيدر” وملياراته. فهل فجّرت حادثة قبرشمون حرب صلاحيات بين الرئاسة الأولى والثالثة؟ أم هي خلافات الحصص التي بدأ توزيعها فعليا على طاقم “المستثمرين الجدد” من باب خصخصة تطل برأسها من قطاع الكهرباء؟
كثير هو الكلام في ما يجري خلف الكواليس من إعداد لصفقات وتلزيمات مخصصة لمنتفعين ومحسوبين مستورين بشركات غير مدقق تاريخها ولا خبراتها. كثيرة هي المخاوف عما يمكن أن تؤول إليه أوضاع البلاد في ظل ما يسود من أفق غامضة تبقى غير مطمئنة لمناخ الأعمال وتاليا لمجتمع دولي، مانح أو مراقب، يستكين إلى أحكام “موضوعية” تصدرها وكالات متخصصة تضع سلّما بدرجات تقيس الديون وفق مخاطرها، وتحدّد معدلات الفائدة على السندات السيادية للدولة، فترتفع تبعا لإرتفاع المخاطر أو تنخفض مع إنخفاضها.
في التوقيت، لا شكّ في أن إحتمال خفض تصنيف لبنان إلى مرتبة C لن يكون في مصلحة الإقتصاد أو المواطن وحتى الدولة. فالإستحقاقات المالية المترتبة على لبنان ما زالت كبيرة، رغم سابقة تسديد الـ2.5 مليار دولار في نيسان وأيار الماضيين من دون إصدار سندات “يوروبوند” التي تولاها مصرف لبنان، وإنعكست على نحو إيجابي على تنامي حجم الدين العام… لكن، هل ستعهد السلطة المشلولة إلى مصرف لبنان إكمال مسيرة تسديد ما بقي من إستحقاقات الـ16 مليار دولار؟ وهل يُحمّل وحده كلفة التسديد بعدما إنكفأت المصارف، ومن ثم يُطالَب بكشف حساب؟
ليس في الحسبان إلا صورة لبنان وصدقيته في المحافل الدولية. وهذا ما يعجز لبنان عن التحكّم به أو “التوّسط” في شأنه، كون الإنطباع يولّد الأحكام بعد الدرس والمراقبة. وما تنقله وسائل الإعلام المحلية وشبكات التواصل الاجتماعي، يُزاد على ما يستقيه صحافيون ومراسلون أجانب مباشرة من “أرض الواقع” ليستخلص مشاعر وتقارير تحكي عن “لبنان أفضل دولة فاشلة في العالم”.
هذا عنوان ورد السبت الماضي في مجلة The Spectator الأسبوعية البريطانية، للصحافي بول وود، وفيه مشاهد من إقامة في بيروت، خلصت إلى إقتناع بأن الحرب لم تنتهِ، فـ”أمراء الحرب ما زالوا موجودين، يتنافسون في قوافل سيارات الدفع الرباعي مطلقين صفارات إنذار، ويثيرون موجات من الإستياء. لقد تمّ تجميد الإنقسامات في الحرب من خلال إتفاق لتشكيل السلطة بين المكونات المختلفة (…) وهذا يعني أنه يكاد يكون مستحيلا فصلهم، حتى في حالات الفساد الأكثر وضوحا”.
لم يبتعد المراسل البريطاني كثيرا عن بيروت ليلاحظ أن “بطانية رمادية من الضباب الدخاني تخنق المدينة، وهو يأتي من مولدات الطاقة بسبب إنقطاع التيار الكهربائي”. يقرّ بأن السبب ليس من القصف الإسرائيلي لمحطات توليد الطاقة عام 2006، “رغم أن إسرائيل فعلت ذلك”، بل خلاف ذلك، فإن السبب يشكّل تذكيرا مستمرا للبنانيين بجشع السياسيين وفسادهم وعدم كفاءتهم”. ويشير إلى أن الحكومات المتعاقبة فشلت في بناء محطات طاقة جديدة، ويفترض أن ينجز بعضها العام المقبل، “لكن الجميع يعلم أنها لن تكون كافية لتلبية الطلب المرتفع”. يلمح إلى عمل كهربائي مشترك بين السياسيين و”مافيا المولدات”، ويضيف “هناك أموال كثيرة تبذل حتى لا تتغير الأمور أبدا. يتجاهل الناس ويقبلون بذلك. لقد عجز لبنان عن توليد ما يكفي من الكهرباء لتلبية حاجاته منذ إنتهاء الحرب الأهلية في 1990″.
في عشاء دُعي إليه المراسل البريطاني في حضرة أحد مستشاري رئيس الحكومة، كان يبحث عن أجوبة لتعذّر ربط منزله في الجميزة بشبكة الإنترنت رغم جهود “أوجيرو”… لكنه سأل “كيف وصل الإقتصاد إلى نقطة الإنهيار، ومعه ربما، النظام الهشّ لتقاسم السلطة القائمة منذ الحرب الأهلية؟”. يمرّ على تحركات الشارع ضد عجز الدولة عن إنجاز “مهمات بسيطة”، مثل التخلص من النفايات. “لكن، يتفق جميع المدعويين على أن اللبنانيين يجدون دوما وسيلة لتجاوز المشكلات مع الدولة أو من دونها”. وينقل عن نائب سابق قوله “قد نكون دولة فاشلة، لكننا أفضل دولة فاشلة في العالم”.
توصيف قد يتطابق ما لدى لبنان من مواصفات، طالما يتلهى عن أزماته المصيرية بسياحة وزارة الطاقة في سدّ شبروح، وبالدعوة إلى “قوم بوس تيريز”..
المصدر: Arab Economic News