الثلاثاء 06 آب 2019
مجلة وفاء wafaamagazine
تستمر البلاد في حال تقهقر واضطراب، بحيث لا يمضي يوم إلّا وتُبلى فيه بمزيد من التأزّم على مختلف المستويات نتيجة عجز السلطة عن اكتساح الازمات، وتَلهّيها بالخلافات والكيديات والنكايات التي لا تورث سوى صور شَوهاء عن لبنان تُبعد عنه ثقة اللبنانيين والاشقاء والاصدقاء.
ففيما كانت دوائر قصر بعبدا والسراي الحكومي تنتظر مبادرة لرئيس مجلس النواب نبيه بري لمعالجة قضية قبرشمون قضائياً وسياسياً، أطفأ الأخير محركاته نهائياً وطوى كل صفحات المبادرات التي أطلقها وقابلها الافرقاء المعنيون بمزيد من التصعيد والاصرار على التأزيم، الأمر الذي دلّ الى أنّ الأزمة دخلت في مرحلة خطرة لا يمكن الخروج منها اذا لم يتوقف التصعيد الذي لجأ اليه المعنيون، وكان سبب توقّف كل المبادرات.
قالت مصادر واسعة الاطلاع لـ«الجمهورية» انّ الأزمة الراهنة، التي تَأتّت عن حادثة قبرشمون، دخلت الى حيّز شديد التعقيد، وباتت تتطلب معجزة لحلها.
واشارت الى انّ هذه الأزمة خرجت فعلاً من كونها أزمة بين رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط ورئيس «الحزب الديموقراطي اللبناني» النائب طلال ارسلان، بل انّ الازمة الفعلية قد توضّحت معالمها، وظهرت بنحو واضح على أنها أزمة بين رئاسة الجمهورية وجنبلاط، حيث تعتبر الرئاسة انّ ما جرى في قبرشمون ليس حدثاً عادياً او عرضياً، بل هو يستهدف رئيس الجمهورية، سواء عبر الوزير المحسوب عليه من حصته الوزارية صالح الغريب، او عبر صهره الوزير جبران باسيل، الذي كان في صدد الذهاب الى كفرمتى في ذلك الوقت.
وهذه الأجواء المعقدة ماثَلت ما ساد عين التينة أمس، حيث لم تعكس أجواؤها أي مؤشرات مريحة حيال الأزمة السائدة، بل على العكس، لا ترى في الأفق أي وميض إيجابي من شأنه ان يدفع الازمة في اتجاه الحلحلة. وفُهِم من أجواء عين التينة، أنه بناء على السلبيات المستفحلة، فإنّ بري قد أطفأ محركاته نهائياً حيال هذه الازمة، وطوى كل صفحات المبادرات التي أطلقها، والتي لم تلق استجابة لدى بعض الاطراف، بل كانت تُقابل بمزيد من التصعيد والاصرار على التأزيم.
وبحسب المعلومات، فإنّ بري الذي ركّز كل مبادراته على حلحلة الازمة الدرزية – الدرزية، ليُنتهى الى حلها سياسياً وقضائياً وأمنياً، كان في صدد ان ينتقل في حال نجحت مبادراته، الى التحرك الفاعل على خط المصالحة بين «حزب الله» وجنبلاط. إلّا انّ الامور التي استجَدّت في الأزمة الراهنة اعادت الامور الى نقطة الصفر.
وعندما سئل بري لماذا أوقف مبادراته؟ اجاب: «كلما حاولنا ان نفتح ثغرة ايجابية، ينبت أمر آخر في مكان آخر مع الأسف».
وعندما سئل: ما هو الحل برأيك؟ أجاب: «لا أعرف، لا أملك جواباً».
وفي السياق نفسه، اكد بري امام زواره «أنّ الوضع الحالي بتعقيداته، لا يجوز ان يستمر على ما هو عليه، والوقت الذي يمضي في هذا الجو السلبي يأكل من عمر البلد».
لا مجلس وزراء
وقالت مصادر مطلعة على أجواء المفاوضات لـ«الجمهورية» ان المعطيات السلبية السائدة ستحول دون انعقاد مجلس الوزراء قبل عيد الأضحى الذي يصادف نهاية الاسبوع ومطلع الاسبوع المقبل، لأنّ أيّاً من طرفي النزاع في حادثة قبرشمون لم يُضحّ أو يتنازل لتسهيل الحل، وعندما رصدت منهما اشارات حلحلة منذ أيام فوجىء الجميع بتصعيد قصر بعبدا، بحسب المصادر نفسها التي كشفت انّ اجواء المشاورات التي قادها بري شخصياً كانت على وشك انتزاع موافقة الجميع على عقد جلسة لمجلس الوزراء لا يتضمن جدول أعمالها إحالة حادثة قبرشمون الى المجلس العدلي، وتنعقد في موازاة إجراء مصالحة شاملة في القصر الجمهوري يُشارك فيها، الى الاطراف الخمسة المعنيين، ممثل عن «حزب الله»
لكنّ تدهوراً دراماتيكياً حصل فجأة وتَمثّل بعاصفة تسريبات ومعلومات ومعلومات مضادة ترافقت مع دخول عنصر جديد، وهو اعتبار انّ محاولة الاغتيال في قبرشمون كان المقصود منها الوزير جبران باسيل، اضافة الى تقديم رئيس الجمهورية تطبيق القانون والمَسار القضائي على اي مصالحة، الأمر الذي أدّى الى تجميد المساعي التي بَدا واضحاً انه لم يعد احد متحمّساً لها. وعليه، فلا جلسة للحكومة قبل عيد الاضحى في انتظار اختراق ما، لا أحد حالياً يملك تصوّراً له.
«الاشتراكي»
وفي غضون ذلك ينتظر ان يبلغ التصعيد المتبادل ذروته اليوم.
وأبلغ مصدر قيادي اشتراكي الى «الجمهورية» انّ المؤتمر الصحافي الذي سيعقد اليوم، في مقر «الحزب التقدمي الاشتراكي» في وطى المصيطبة، سيتضمن عرضاً مفصلاً لكل ما حصل. وأشار الى «انّ المسألة واضحة منذ بدايتها، هناك محاولة محاصرة ومحاولة تحجيم لوليد جنبلاط».
وقال: «هؤلاء لا يريدون مصلحة البلد، بل هم يريدون خراب البلد بسَعيهم الدؤوب الى خلق «سيدة نجاة» جديدة. هذا هو عهدهم، إنهم يلعبون الصولد على مصير البلد».
«مجلس عقلي»
وقال الوزير اكرم شهيّب لـ«الجمهورية» انّ «مَن يسعى الى مجلس عدلي يحتاج الى مجلس عقلي». وأوضح «انّ المؤتمر الصحافي الذي سيعقده «الحزب التقدمي الاشتراكي» اليوم سيعرض الوقائع والادلة التي تثبت التدخّل السياسي في ملف حادثة البساتين، الذي كان يجب ان يُترَك لمساره الامني – القضائي»، مشيراً الى «تدخل فاقع لأحد وزراء البلاط في الوجهة القضائية للقضية».
وأشار الى انه كان قد التقى في مجلس النواب، خلال الجلسة العامة، وزير الدفاع الياس بوصعب في حضور الرئيس سعد الحريري، «فسألتُ بوصعب عَمّن بدأ بإطلاق النار؟ فقال لي: الطرف الآخر. وعندما سألته عمّا اذا كان يظن بوجود مَكمَن؟ أجابني بالنفي، وكان ذلك على مسمع من الحريري». واعتبر «أنّ ما يفعله البعض أصبح كناية عن «وَلدنة».
عبد الله
وقال عضو «اللقاء الديمقراطي» النائب بلال عبد الله لـ«الجمهورية»: «ما زلنا نراهن على أنّ رئيس الجمهورية سيبقى الحكم وحامي الدستور والحريات والعدالة والاستقلالية والقضاء»، ولفتَ الى أنّ «هناك من هم في محيط الرئيس عون، ويريدون استغلال هذا الموقع لغايات سياسية أصبحت واضحة للعيان».
وأضاف: «بعد خطاب الوزير باسيل النّاري في الكحالة، كان هَمّ الحزب الإشتراكي أن يخفف الاحتقان، فعمدَ الوزير أكرم شهيّب وقيادة الحزب الى التواصل مباشرة مع الوزير بوصعب، والذي نتمنى أن يكشف حقيقة ما حدث، وذلك لتجنّب أي إشكال أو احتكاك مباشر».
واستغرب عبد الله «إصرار البعض على «إقناع الرئيس عون بأنّ المكمن كان لوزير الخارجية». معتبراً أنّ «هذا الكلام كبير وعار عن الصحة، والهدف منه الاستهداف السياسي المباشر لوليد جنبلاط والحزب الاشتراكي ودوره الوطني، كما أنّه استهداف واضح للحكومة».
وكرر التأكيد أنّ الحزب «يَحتَكم للأجهزة الأمنية والقضاء شرط وقف التدخلات في عملها».
ووصف عبد الله ما يحصل بأنه «سوء استخدام للسلطة، فما يحصل اليوم يؤكد أنّ الذين يحكمون البلاد لا تليق بهم السلطة، فهم لا يعرفون كيف تُدار البلاد ولا المناصفة ولا النهوض بالاقتصاد»… معتبراً «أنّ التركيبة السلطوية تستقوي برئيس الجمهورية وبموقعه على بلادها وناسِها».
ورأى أنّه «كان المطلوب من «حكومة العهد الأولى»، وتحديداً بعد إقرار الموازنة، أن تبدأ بالانجازات بدلاً من شلّ البلاد بهذه الطريقة، وكأنهم لا يريدون أن ينجح عهدهم».
«لبنان القوي»
وشدد عضو تكتل «لبنان القوي» النائب إدي معلوف على أنه «مرّ على حادثة قبرشمون أكثر من شهر ونصف، والرئيس عون على صمته، وباسيل على صمته، في اعتبار أنّ هناك وزيراً تعرض لمحاولة اغتيال، وآخر «ولي الدم» يعملون على حلّ الأمور».
وسأل: «أين أصبحنا بعد أكثر من شهر ونصف؟»، مجيباً: «تحوّل الجلاد الى ضحية، والتَهجّم أصاب الرئيس عون، والقضاء…».
وأضاف: «كل ذلك استَوجَب وضع حدود لهذه اللعبة وهذا التمادي، فكلام الرئيس لم يصدر في اليوم الثاني للحادثة، بل بعد أن فتح المجال لكل المبادرات، مع أنّ تحقيقات فرع المعلومات لم تتأخر في الصدور، ورغم كل ذلك لم يقبلوا بالمجلس العدلي ولا بالمحكمة العسكرية، وباتوا يريدون اختيار القضاة».
وشدد على أنّ «الأمور لا يمكن أن تسير بهذا الشكل، وانّ معالجة هذه الحادثة لن تكون في النهاية بـ«تبويس لحى» و«تعليق نيشان» لمَن أعطى الأوامر، وإلّا سنكون في الغد القريب على موعد مع حادثة ثانية وثالثة كالتي حصلت!».
وعن إمكانية أن تكون الحادثة رد فعل عفوي للأهالي، قال معلوف: «في لبنان لا أحد يتحرك عفوياً… خواتيم هذه الحادثة في القضاء، فالدولة لن يمس بهيبتها، وتحديداً في عهد الرئيس عون».
«حزب الله»
وفي السياق نفسه، اكدت مصادر «حزب الله» لـ«الجمهورية»، انّ الحزب يؤيّد بلوغ حل للازمة الراهنة يعيد إطلاق العجلة الحكومية، لأنّ تعطيل الحكومة يرخي مزيداً من السلبيات على الواقع الداخلي.
وعمّا اذا كان الحزب في صدد تقديم مبادرات للحلحلة؟ قالت المصادر: «نحن على تنسيق كامل في هذا الاطار مع الرئيس نبيه بري، وهو الذي يقوم بمبادرات لتجاوز الأزمة».
وكان بري قد التقى أمس رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد، وعرضا للتطورات الجارية على مختلف الصعد.
الاستغراق الداخلي
وعَبّر بري عن استغرابه «للاستغراق الداخلي في الأزمة، في وقت تلوح في الافق مؤشرات اقتصادية شديدة السلبية، وهو أمر يدعو الى اكثر من استغراب لهذا التجاهل لأزمة اقتصادية تزداد تفاقماً، علماً أنّ ثمة محطة مهمة في انتظار لبنان، مرتبطة بالتصنيف الائتماني الذي قد يصدر تقريره (عن وكالة «ستاندرز اند بورز) ربما في 17 و23 آب الجاري، والذي يوجِب على لبنان مواكبته بإجراءات استباقية تحول دون ان يأتي هذا التصنيف سلبياً. وهو أمر، في حال حصوله، لن يكون مريحاً للبلد، فأقلّ الواجب لدى المعنيين اللبنانيين هو أن تعود الحكومة الى إطلاق جلسات مجلس الوزراء قبل صدور التقرير، فعدم حصول ذلك من شأنه أن يعطي إشارة أقل ما فيها أنها شديدة السلبية».
كيل دول «سيدر»
في غضون ذلك، أفادت معلومات ديبلوماسية تَلقّتها مراجع معنية أنّ الدول المشاركة في مؤتمر «سيدر» طَفح كيلها من لامبالاة ولامسؤولية السلطات اللبنانية من مطالب مؤتمر «سيدر».
وأكدت هذه المعلومات انّ الزيارات التي قام بها عدد من سفراء الاتحاد الاوروبي الكبار إلى المسؤولين اللبنانيين الأسبوع الماضي قبل مغادرتهم إلى عطلاتهم الصيفية، كانت بطلب من حكوماتهم للإبلاغ الى السلطات اللبنانية أنّ مؤتمر «سيدر» في خطر، وانّ الدول المانحة لم تقتنع بالاجراءات التي اتخذتها الدولة ما عدا الارتياح إلى إقرار الموازنة، وأنها لا تزال تنتظر الاصلاحات التي التزم بها الجانب اللبناني في اجتماعات مؤتمر «سيدر».
واستغرب هؤلاء السفراء أن يكون بعض المسؤولين اللبنانيين يعتبرون انّ ما قاموا به كاف، بل راحوا يحمّلون مسؤولية التأخير إلى الدول المانحة وليس إلى تقصير الحكومة.
وعُلِمَ في هذا الاطار انّ القروض والمساعدات لن تأتي إلى لبنان قبل عودة الحكومة إلى العمل الجدي على الأقل.
وأبلغت الجهات الديبلوماسية الى المراجع اللبنانية أنّ عدداً من المسؤولين الاوروبيين أرجأوا مشاريع زيارات إلى لبنان في انتظار عودة الحياة إلى عمل الحكومة.
وفي هذا الاطار علمت «الجمهورية» انّ زيارة وزير خارجية فرنسا جان ايف لودريان، التي كانت مقررة منذ اسبوعين إلى بيروت، قد أرجأت إلى اوائل الخريف المقبل.
أمّا بالنسبة إلى زيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون المقررة للبنان منذ أكثر من سنة، والتي كان من المتوقع ان يُحدد موعد حصولها قبل تموز المنصرم، فلن يبحث في موعدها الجديد قبل عودة السفير الفرنسي إلى بيروت في أواسط ايلول المقبل.
وقد حاول السفير الفرنسي، قبل مغادرته لبنان، إقناع السلطات اللبنانية بضرورة التجاوب مع المطالب الاصلاحية لمؤتمر «سيدر»، لأنّ من شأن ذلك ان يساعد فرنسا في إقناع الدول المانحة الالتزام بالاستثمار في لبنان وتقديم القروض الموعودة.
تباين حول النفط
من جهة أخرى، عُلِمَ انّ زيارة نائب وزير الطاقة الأميركي للبنان الاسبوع الماضي كشفت تبايناً اميركياً اوروبياً من جهة، واميركياً روسياً من جهة أخرى حيال موضوع استخراج النفط اللبناني، اذ انّ اميركا تحرص على الاحتفاظ بدور النظام السوري في ملف المربعات النفطية والغازية، نظراً إلى المنطقة الحساسة التي توجد فيها الآبار العتيدة، ونظراً إلى الدور الذي تؤديه واشنطن على صعيد ترسيم الحدود البرية والبحرية بين لبنان واسرائيل.
ولكن المراجع اللبنانية أبلغت الى هذا المسؤول الاميركي أنها، مع كل التقدير للدور السياسي والديبلوماسي حيال لبنان والامتنان الكبير للمساعدات التي تقدمها واشنطن للجيش اللبناني، فإنّ لبنان غير قادر على حصر الالتزامات في طرف واحد، ويفضّل وجود «كونسورتيوم» دولي لأنّ هذا الأمر يوفّر للبنان التزام مجموعة دولية بحماية هذه الثروة.
المصدر: الجمهورية