الرئيسية / محليات / عودة للبنانيين: لا تهلكوا أنفسكم من أجل زعيم يغدق عليكم الوعود قبل الإنتخابات وينساكم بعدها

عودة للبنانيين: لا تهلكوا أنفسكم من أجل زعيم يغدق عليكم الوعود قبل الإنتخابات وينساكم بعدها

مجلة وفاء wafaamagazine 

ترأس متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الارثوذكس المطران الياس عودة قداس الاحد في كنسية القديس جاورجيوس في وسط بيروت، والقى عظة قال فيها: “يا أحبة، سمعنا في إنجيل اليوم قول الرب يسوع: “من أراد أن يتبعني فليكفر بنفسه ويحمل صليبه ويتبعني”. يأتي هذا المقطع الإنجيلي، وهذه الدعوة إلى حمل الصليب، مباشرة قبل حدث تجلي الرب يسوع أمام تلاميذه. إن هذا الأمر ليس مصادفة، بل يجعلنا ندرك أن مشاهدة النور الإلهي تبدأ من خلال مماثلة الرب بحمل الصليب ونكران الذات. لذلك، يستدرك الرب يسوع كلامه بقوله: “لأن من أراد أن يخلص نفسه يهلكها، ومن أهلك نفسه من أجلي ومن أجل الإنجيل يخلصها”.

أضاف: “نكران الذات يعني ألا يهتم الإنسان لغده من خلال تكديس الأموال التي ربما لن يستخدمها كلها قبل أن يفارق هذه الحياة الوقتية. فكثيرون يقضون أيامهم في جمع الماديات، ويعقدون الصفقات أو يسلكون دروبا معوجة من أجل منفعة أو حفنة مال، ولا يتذكرون قول الرب في مثل الغني: “يا بني، هذه الليلة تطلب نفسك منك فهذه التي جمعتها لمن تكون؟” (لو 12: 20)، وقوله أيضا: “لا تكنزوا لكم كنوزا على الأرض حيث يفسد السوس والصدأ، وحيث ينقب السارقون ويسرقون، بل اكنزوا لكم كنوزا في السماء حيث لا يفسد سوس ولا صدأ، وحيث لا ينقب سارقون ولا يسرقون، لأنه حيث يكون كنزك هناك يكون قلبك أيضا” (مت 6: 19-21). نكران الذات يكون كذلك في المحبة غير المتناهية، التي لا تنتظر جزاء، وهي المحبة التي علمنا إياها المسيح على الصليب. يقول الرسول بولس: “لأن المسيح، إذ كنا بعد ضعفاء، مات في الوقت المعين من أجل الفجار. فإنه بالجهد يموت أحد من أجل بار، ربما من أجل الصالح يجسر أحد أيضا أن يموت، ولكن الله بين محبته لنا، لأنه ونحن بعد خطأة مات المسيح من أجلنا” (رو 5: 6-8). نكران الذات يكون أيضا بعدم الخوف من المرض أو الضيقات أو الموت. يقول الرسول بولس: “من سيفصلنا عن محبة المسيح؟ أشدة أم ضيق أم اضطهاد أم جوع أم عري أم خطر أم سيف؟” (رو 8: 35).

وتابع: “المسيحي، يا أحبة، يحمل صليبه ويتبع المسيح، أي يقبل أشنع الميتات من أجل أخيه الإنسان، ولا يتقاتل مع أخيه الإنسان، كائنا من كان، فكيف إن كان مسيحيا مثله؟! ما شاهدناه مؤخرا من اقتتال بين الإخوة محزن جدا، ويجعلنا مجربين بفقدان الأمل بغد أفضل، لأن المسيحيين نبذوا المسيح، صلبوه مجددا، وتبعوا أصناما وأشباه آلهة، نصبوها سيدة عليهم. إستيقظوا يا أبناء الرب! هل يتقاتل زعماؤكم من أجلكم؟ وإن تحاربوا كلاميا، أليس من أجل مصالحهم وجيوبهم؟ وفي النهاية تكون آخرتكم أنتم في القبور، وهم يبقون متربعين على عروشهم، يحصون أرباحهم، فيما تتشح أمهاتكم وأخواتكم بالسواد، وتنهمر دموعهن أنهارا لا تنضب. ألم تتعظوا من سنوات الحرب الطوال؟ لقد تخلى المسيحيون عن المسيح وآن أوان العودة إليه لكي يمد لنا يد العون. هل الزعيم هو الذي صلب ليخلصكم من الموت؟ هل يفكر الزعيم في أن يتألم ولو قليلا من أجل أتباعه؟ حتى الآن لم نر هذا، وطبعا لن نعاين كهذه الأعجوبة في بلدنا الحبيب. جل ما يشاؤه الزعيم أن يحافظ على منصبه وحصته، أما البلد المفجر والمحترق والمشرذم فلا يعنيه”.

وأردف: “لقد شخصت أعين اللبنانيين إلى زعماء بلادنا، علهم يبدلون نهجهم ويخرجون بحكومة تحاكي تطلعات أبناء هذا البلد المنكوب، بحسب الوعد الذي قطعوه، لكن أمراء السلطة والمال في بلدنا المسكين فضلوا المضي في نهجهم المعوج، وعدم الإصغاء إلى النصائح التي قد تنتشل لبنان من الهاوية، وتابعوا النهش في ما تبقى منه، بغية الحصول على ما يشبع جشعهم، ويخفي فشلهم، ويطمس اختلاسهم، ويخدم مآربهم.
أتساءل أحيانا، هل توجد إرادة حقيقية للعمل والإصلاح والإنقاذ؟ هل توجد رغبة حقيقية في تغيير النهج والسلوك؟ أقول هذا لأننا نلمس تشبثا بالعادات القديمة وما يرافقها من مطالب ومطبات وعراقيل. فما زالت حسابات الثلث ورفض المداورة والتشبث بالمشاركة في التوقيع قضايا مستعصية تتقدم على حياة الشعب الذي لا يكاد يتخلص من مأساة حتى تحل به أخرى تزيده بؤسا وفقرا ويأسا، فيما المسؤولون يتلهون بقضاياهم بذريعة الحقوق أحيانا والميثاقية أحيانا أخرى، متجاهلين أن لبنان يحتضر، وشعبه يكفر بهم وبجشعهم وتخطيهم للدستور والأعراف والمواثيق. لقد فقد المواطنون ثقتهم بالدولة إلى حد المطالبة بانتداب جديد حينا، وبعدم تسليمها المساعدات حينا آخر. هل هذا طموح أي مسؤول يتبوأ مركزا عاما من أجل الخدمة؟

وتوجه الى “الزعماء” قائلا: “تذكروا قول الرب: “قايين ماذا فعلت؟ صوت دم أخيك صارخ إلي من الأرض” (تك 4: 10). أنتم تختبرون طول أناة الله، وما زلتم تنهشون لحم إخوتكم الذين أوكلكم الرب مسؤولية رعايتهم. إسمعوا جيدا ما يقوله الرسول بولس: “لكنك من أجل قساوتك وقلبك غير التائب تدخر لنفسك غضبا في يوم الغضب واستعلان دينونة الله العادلة” (رو 2: 5).
أما أنتم يا أبناء لبنان، المسيحيون منكم خصوصا، لا تهلكوا أنفسكم من أجل زعيم، كائنا من كان، يغدق عليكم الوعود قبل الإنتخابات، وينساكم بعدها. لا تهلكوا أنفسكم من أجل من يحيط ذاته بحراس ومرافقين كي لا يصاب بأذى، وتتدغدغ كبرياؤه بمشاهدة مناصريه يحملون الأسلحة ويهتفون باسمه ويقاتلون مواطنيهم، أما أمنكم فلا يعنيه. لقد سئمت أنفسنا مشاهد الإقتتال، وصمت آذاننا من سماع الشعارات والإتهامات والشتائم، فهلا أحببتم بعضكم بعضا كما أحبنا المسيح باذلا نفسه على الصليب؟! أنبذوا الدمار والسلاح والموت وأبعدوها عن أبنائكم، الذين نعول عليهم لبناء الدولة. إرحموا أولادكم وهذا البلد! يقول الرب في إنجيل اليوم: “ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه؟ أم ماذا يعطي الإنسان فداء عن نفسه؟”. ألا يخسر المقتتلون أنفسهم وأحباءهم ووطنهم؟ فماذا ينتفعون إن ربحوا حربا دموية وخسروا فيها أعزاءهم ومستقبلهم؟
سمعنا في المقطع الإنجيلي اليوم كلاما قاسيا تفوه به الرب يسوع قائلا: “من يستحي بي وبكلامي في هذا الجيل الفاسق الخاطئ، يستحي به ابن البشر متى أتى في مجد أبيه مع الملائكة القديسين”. إن قرأنا كلام الرب في الإنجيل نعرف أن علينا أن نحب، وإن لم نطبق وصية المحبة فهذا يعني أننا نستحي بكلام من أوصانا. الناس بحاجة إلى من يحبهم مجانا، لا إلى من يتسيدهم ويستعبدهم ويكذب عليهم من أجل مصلحته الشخصية. دعوتنا اليوم أن نحب الجميع، مهما كان انتماؤهم، لأنه بالمحبة تبنى الأوطان. أحبوا بعضكم بعضا، كونوا إخوة، هكذا تفرح بكم كل ملائكة السماء، وهكذا لا يستحي بكم ابن البشر في ملكوته، آمين”

عن Z H