الخرطوم | وسط صمت من جانب الحكومة الانتقالية، ينخرط رئيس «مجلس السيادة» السوداني، عبد الفتاح البرهان، في مباحثات ثلاثية في العاصمة الإماراتية أبو ظبي، تضمّ، إلى جانب السودان، كلّاً من الولايات المتحدة الأميركية والإمارات، وتتناول أجندة محدّدة، على رأسها ملفّ تطبيع العلاقات بين الخرطوم وتل أبيب. وعلى رغم تنصّل حكومة عبد الله حمدوك، سابقاً، من اللقاء الذي جمع البرهان برئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في عنتيبي الأوغندية قبل سبعة أشهر، إلّا أن حضور وزير العدل، نصر الدين عبد الباري، ضمن وفد البرهان الموجود منذ يومين في أبو ظبي، يمثّل مفارقة لافتة، وخصوصاً أن عبد الباري انخرط، فور وصوله الى العاصمة الإماراتية، في تفاوض مباشر مع فريق مِن الإدارة الأميركية موجود هناك حول رفع العقوبات عن السودان، ودعم الفترة الانتقالية فيه، وإعفائه من الديون الأميركية، وحثّ الدول «الصديقة» على اتخاذ خطوات مماثلة تجاهه.

هكذا، بدا، هذه المرّة، أن ثمّة تناغماً واضحاً وعلنياً بين الحكومة المدنية والمكوّن العسكري، ولا سيما بعدما اجتمع رئيس «مجلس السيادة»، في مكتبه الأسبوع الماضي، بوزير العدل، قبل ذهابهما إلى الإمارات، وتباحثا في المسائل القانونية في ما يخصّ رفع العقوبات الاقتصادية التي تفرضها الولايات المتحدة على السودان منذ عام 1997، إلى جانب إزالة اسم السودان من «قائمة الدول الراعية للإرهاب»، وما يستدعيه ذلك من خطوات إجرائية كان قد بدأها عبد الباري، في وقت سابق، بعقده لقاءات مع مسؤولين وقانونيين في واشنطن، تَمخّضت عنها موافقة الحكومة السودانية على دفع تعويضات ماليّة لأسر ضحايا المدمّرة الأميركية «كول». وفي ما عدّه مراقبون نوعاً من توزيع الأدوار، خرج وزير الإعلام، فيصل محمد صالح، لينفي أن يكون الوفد الوزاري المرافِق للبرهان يحمل تفويضاً بمناقشة التطبيع مع إسرائيل، مكرّراً القول إن الحكومة الانتقالية لا تحمل تفويضاً من المجلس التشريعي يمنحها الحق في اتّخاذ قرارات مماثلة، وإن تلك القرارات من اختصاصات الحكومة المنتخبة. وأضاف صالح إن الوفد الوزاري الموجود في أبو ظبي ذهب لبحث رفع اسم السودان من «قائمة الإرهاب» ورفع العقوبات الاقتصادية عنه.

على أن الخروج من شرنقة العقوبات لا يكون إلّا من بوابة التطبيع وفق ما يروّج له رئيس «مجلس السيادة»، والذي سبق أن برّر لقاءه نتنياهو في شباط/ فبراير الماضي بأنه جاء انطلاقاً من «مسؤوليته واستشعاره بأهمية العمل الدؤوب لحفظ أمن الأمن الوطني السوداني وصيانته، وتحقيق المصالح العليا للشعب السوداني». أمّا هذه المرّة، فقد بدا البرهان أكثر وضوحاً، إذ وضع أمام مفاوضيه الثمن الذي يطلبه مقابل الموافقة على التطبيع، والمُتمثّل في دعم مالي قيمته 1,2 مليار دولار مخصّص للنفط والقمح، ومليارا دولار في صورة منحة أو قرض لمدة 25 عاماً، بالإضافة إلى الالتزام بتقديم مساعدات اقتصادية إماراتية وأميركية للخرطوم، فضلاً عن إزالة اسم السودان من «لائحة الإرهاب»، والتي تتصدّر مطالب الوفد السوداني. مطالبُ اعتبرها محلّلون بمثابة الطُّعْم الذي رمت به إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، للحكومة السودانية لدفعها إلى قبول التطبيع. وفي هذا الإطار، يصف مصدر دبلوماسي، في حديث إلى «الأخبار»، ما تقوم به الولايات المتحدة بـ»الابتزاز السياسي المفضوح وغير الخفيّ»، مستدركاً بأن «واشنطن وتل أبيب تريدان الحصول على التطبيع من دون دفع أيّ شيء مقابل ذلك». ويضيف المصدر إن «المكوّن العسكري الآن يمضي في اتجاه التطبيع، والحكومة المدنية يبدو أنها وافقت مقابل أن تقبض الثمن، بمعنى أنه إذا وُجد مقابل للتطبيع فلا بأس في ذلك».
وتنشط إدارة ترامب، على أعلى المستويات، لإنهاء ملفّ تطبيع العلاقات بين الخرطوم وتل أبيب. وهو ما بدا واضحاً منذ الزيارة التي أجراها وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، إلى السودان، الشهر الماضي، والتي تندرج في إطار المساعي المحمومة للإدارة الحالية لتحقيق مكاسب تساعد رئيسها في تحقيق نقاط إضافية في السباق الانتخابي المنتظر. ولذا، سارعت هذه الإدارة إلى الالتفاف على أيّ حجج يمكن أن تتذرّع بها حكومة حمدوك، علماً بأن جهود وسيطها، أي الحليف الإماراتي، انصبّت باكراً في اتجاه المكوّن العسكري في «المجلس السيادي»، على اعتبار أن العسكر كانوا هم الأقرب إلى الإمارات منذ عهد النظام السابق. ومن هنا، يُخشى أن يؤدي المسار الحالي، فضلاً عن فتح الأبواب لإسرائيل، إلى تعزيز حضور الإمارات في الشأن الداخلي السوداني. وهو ما يعبّر عنه مصدر دبلوماسي بالقول إن «ما تقوم به الإمارات تَعدّى مرحلة التدخل إلى مرحلة أصبحت فيها أبو ظبي تقود وتقرّر في الشأن السوداني»، مشيراً إلى أن «العسكريين منقادون خلفها بعلم منهم أو من دون علم، وتدفعهم الحماسة إلى إنهاء ملفّ التطبيع».