الإثنين 19 آب 2019
مجلة وفاء wafaamagazine
أشياء كثيرة تتبادر إلى أذهاننا عند رؤيتنا الصور الفوتوغرافية، أحياناً حنيناً أو نستولوجيا تشدنا من ذاكرتنا إلى الماضي. وأحياناً أخرى رغبة عارمة للركض إلى المستقبل ورؤية ما سوف يحدث هناك. وأحياناً ثالثة، تكون الصورة بمثابة حيز للتأمل، للشِعر، للفلسفة، للمكان، للبلاد ووجوه الناس. وعلى الرغم من كل ذلك، نحن غالباً لا ننتبه إلى العين التي التقطت هذه اللحظة، وحنّطت الوقت في مربع ورقي حتى نعيشه.
تالياً، وبمناسبة اليوم التصوير العالمي، سنغير اتجاه الكاميرا صوب تلك العين التي صنعت لنا كل هذه المتعة. ونعود في التاريخ إلى شخصية رائدة في هذا المجال بكل ما تحمله الكلمة من معنى، سنوجهها إلى صاحبتها، «كريمة عبود»، أول مصورة فوتوغرافية فلسطينية، وبحسب بعض المؤرخين، أول مصورة فوتوغرافية في العالم العربي.
البداية من مدينة الناصرة
أواخر القرن التاسع عشر، وتحديداً في يوم 18 تشرين الثاني/نوفمبر من العام 1896، وُلدت كريمة عبود في مدينة الناصرة الفلسطينية، لعائلة تنحدر من أصول لبنانية، كانت قد نزحت منتصف القرن التاسع عشر بلدة «الخيام الجنوبية» إلى فلسطين. والدها هو القس المسيحي «سعيد عبود»، الذي عمل بعدة وظائف مختلفة، من بينها عمله كمدرس في إحدى المدارس الإنجليزية وقت الانتداب البريطاني.
كريمة عبود ولقائها الأول مع الكاميرا
في السنين الأولى من حياتها، عاشت كريمة عبود في مدينة الناصرة، وهناك تلقت دراستها الأساسية. بعد ذلك انتقلت إلى مدينة القدس، وتابعت دراستها الثانوية، وهناك أيضاً عرفت عالم التصوير لأول مرة، بعد أن أهداها والدها أولى كاميراتها الخاصة عندما كانت بعمر الـ17 عاماً. وكان ذلك في العام 1913، وبدأت تتعلم حرفة التصوير الفوتوغرافية عند مصور أرمني في القدس. وكانت كاميرتها ترافقها في كل مكان، وشرعت تلتقط صوراً لكل شيء حولها، من مشاهد طبيعية وبيوت عتيقة ووجوه وشوارع. وبعد ذلك، ذهبت عبود إلى مدينة «بيت لحم» حتى تتلقى دراستها الأكاديمية.
بعد عدة أعوام من احترافها التصوير، افتتحت «عبود» ستوديو تصوير للعائلات في مدينة بيت لحم، وعلى الرغم من أنه ليس أول ستوديو تصوير في فلسطين، إلا أنه الأول من نوعه الذي تفتتحه وتعمل فيه سيدة، وهذا الأمر جعل الكثير من العائلات وتحديداً النساء الفلسطينيات يُقبلن عليها بشكل كبير. لأنهن لم يجدن أي حرج من أن تصورهن سيدة مثلهن، وليس رجلاً كما جرت العادة.
أول مصورة فلسطينية
رغم أنها افتتحت استوديو خاصاً بها للعائلات في بيت لحم، إلا أن كريمة عبود لم تكن مجرد مصورة عادية تصور المناسبات والأشخاص، بل كانت فنانة تصوير التقطت مشاهد مذهلة للمدن وللطبيعة الفلسطينية عموماً، وكانت فرادتها أنها تمكنت من مزاحمة الرجال في مجال كانوا يحتكرونه، وأثبتت حرفيتها وكوادر عينها المميزة من خلال أعمالها الفوتوغرافية. حتى أن العائلات الأرستقراطية بكل من فلسطين والأردن وسوريا ولبنان، كانت تشتري أعمالها كتحف فنية تعلقها على جدران منازلها.
أعمال كريمة عبود ظهرت بعد اختفائها
عندما توفيت كريمة عبود خلال العام 1940، تركت وراءها إرثاً كبيراً من أعمالها الفوتوغرافية المختلفة، إلا أنها اختفت لعقود طويلة من الزمن، وظل الحال على ما هو عليه حتى العام 2006، عندما تم الإعلان عن وجود عدد من ألبوماتها لدى جامع تحف ليس فلسطينياً يعيش في القدس.
وبقيت هذه الألبومات التاريخية النادرة، التي توثق الحياة في فلسطين خلال تلك المرحلة في حوزة جامع التحف هذا، الذي كان يرفض تماماً التخلي عنها. لكن الباحث الفلسطيني «أحمد مروات»، كان قد تمكن أخيراً من الحصول عليها.
خلال العام 2013، نشر مروات هذه الألبومات النادرة بكتاب حمل عنوان «كريمة عبود: رائدة التصوير النسوي في فلسطين»، وكان نشره بالتعاون مع القسّ «متري الراهب»، والباحث الدكتور «عصام نصّار». وضم الكتاب إلى جانب الصور الفوتوغرافية التي التقطتها المصورة الفلسطينية الرائدة، عدداً من الدراسات والأبحاث التاريخية حولها وحول التصوير الفوتوغرافي عموماً في فلسطين. وتضمن الكتاب مئات الصور التي التقطتها عبود للمدن الفلسطينية وأبرز معالمها، وللأسواق والشواطئ والجوامع والكنائس خلال حياتها. وبذلك عادت المصورة الفلسطينية المبدعة إلى الواجهة الإعلامية من جديد، بعد عقود طويلة من وفاتها، وعرف الكثيرون اسمها وتاريخها وإرثها الذي وثق للبلاد بأجمل الطرق الممكنة. سيدتي نت