الرئيسية / محليات / الاضطرابات النّفسيّة والسّلوكيّة لدى الأطفال اللّاجئين

الاضطرابات النّفسيّة والسّلوكيّة لدى الأطفال اللّاجئين

مجلة وفاء wafaamagazine

سركيس الشّيخا الدّويهي

يعيش الأطفالُ اللّاجئون ظروفًا صعبةً للغاية في المخيّمات (السّكن السّيّئ، والأحياء المكتظّة، والفقر، والبطالة، والأهل الأمّيّون، والعنف الأسريّ، والنّزاعات المسلّحة من وقت إلى آخر…)، تجعلهم عرضةً للاضطرابات النّفسيّة الّتي تنعكس على سلوكهم الاجتماعيّ وتحصيلهم الدّراسيّ؛ فالبيئة الّتي يعيش فيها هؤلاء الأطفال، بكلّ متغيّراتها الدّيموغرافيّة والاجتماعيّة، تؤثّر بقوّة في مسارات نموّهم النّفسيّ، وتترك آثارًا عميقةً في شخصيّتهم وسلوكهم.

يعتقد فرويد Freud أنّ الفرق بين الإنسان السّويّ والإنسان غير السّويّ يكمن في شدّة النّزوات، والصّراعات، وآليّات الدّفاع النّفسيّة الّتي تكون غالبًا سلبيّة ومستمرّة عند الفرد غير السّويّ. ويتّخد الاضطراب أعراضًا متعدّدةً كالعدوانيّة، والتّمرّد، والعزوف عن مخالطة الزّملاء، وقلّة الانتباه، وكثرة الحركة، وسرعة الاستثارة، ونوبات البكاء أو الغضب، والشّعور بالخجل، وفقدان الثّقة بالنّفس وبالآخرين…

إنّ الطّفل الّذي يعاني اضطرابًا نفسيًّا يكون عاجزًا عن تكوين صورة إيجابيّة عن نفسه وعلاقة سليمة مع محيطه الاجتماعيّ، ما ينعكس سلبًا على سلوكه، ودراسته، وعلاقته مع الآخرين. فما هي هذه الاضطرابات النّفسيّة والسّلوكيّة الّتي تعيق النّموّ النّفسيّ لدى أطفالنا، وتعرقل عمليّة انخراطهم في المجتمع، وتهدّد مستقبلهم؟

كثيرة هي الاضطرابات النّفسيّة والسّلوكيّة لدى الأطفال اللّاجئين، نذكر منها:
– السّلوك المرتبط بعدم الأمان Insecure Behavior
يشمل هذا النّوع من السّلوك حالات القلق، وانخفاض تقدير الذّات، والاكتئاب، والحساسيّة الزّائدة للنّقد، والخجل، والرّهاب الاجتماعيّ.
– قلق الانفصال Separation Anxiety Disorde (SAD)
يعدّ قلق الانفصال من الاضطرابات الشّائعة عند الأطفال، حيث يشعر الطّفل بعدم الأمان والرّاحة النّفسيّة، وأنّ هناك احتمالًا لفقدان أمّه وانفصاله عنها.
– الخجل Shyness
يتّصف الخجل بالشّعور بالضّيق والتّوتّر والارتباك في المواقف الاجتماعيّة، وفي مواجهة الغرباء. والخجل الشّديد يعرقل عمليّة التّفاعل الاجتماعيّ، ويحرم الطّفل من التّعبير عن ذاته.
– الاكتئاب Depression
يتّصف الاكتئاب عند الصّغار بالميل إلى الحزن، وفقدان الرّغبة في اللّعب والمشاركة في النّشاطات. وهو يترافق مع تقلّب المزاج المصحوب بهبّات الغضب، وتراجع في التّركيز والتّحصيل الدّراسيّ لدى التّلميذ، واضطراب في النّوم.
– تدنّي تقدير الذّات Low Self Esteem
إنّ الطّفل الّذي يتعرّض باستمرار للنّقد، والتّوبيخ، والشّتم، والعقاب، والحرمان يفقد تقديره لذاته، ويقع ضحيّةً للاضطرابات النّفسيّة والسّلوكيّة.
– العزلة الاجتماعيّة أو الانطواء Social Isolation
تعني العزلة الاجتماعيّة الابتعاد عن الآخرين، وبقاء الطّفل منفردًا معظم الوقت، لا يشارك رفاقه في النّشاطات المختلفة.
– العدوانيّة Aggression
هي مجموعة ميول فطريّة ومكتسبة تدفع الطّفل إلى سلوك المعارضة، والتّحدّي، والاستقواء، والاعتداء اللّفظيّ والجسديّ على الأطفال الآخرين، أو تحطيم ممتلكاتهم.
– الغضب Anger
هو استجابة انفعاليّة فيزيولوجيّة عنيفة تظهر عند الفرد في بعض مواقف الإحباط، والنّبذ، والخيبة، والغيرة، والمشاعر المجروحة، والهدف هو استعادة الاعتبار الذّاتيّ والدّفاع عن الكرامة الشّخصيّة.
– نقص الانتباه والحركة المفرطة Attention Deficit Hyperactivity Disorder (ADHD)
يتّصف هذا الاضطراب بتقاطع ثلاثة أنماط دائمة: نقص الانتباه، والحركة المفرطة، والاندفاعيّة. ويظهر في سلوك الطّفل أكان في المنزل، أو في المدرسة، أو في أثناء اللّعب، وينعكس سلبًا على تحصيله الدّراسيّ وعلاقاته الاجتماعيّة.
– السّرقة Stealing
إنّ حالات الحرمان المادّيّ والعاطفيّ تدفع بعض الأطفال إلى السّرقة الّتي تصبح لديهم سلوكًا عاديًّا. وهنا، ندخل في مجال الاضطرابات العصابيّة، أي أنّ الطّفل يرمي من خلال السّرقة إلى التّعويض عمّا خسره في أسرته من حبّ وأمان ورعاية، أو أنّه يبحث بشكلٍ لا واعٍ عن سلطة بديلة ينال منها العقاب والتّأنيب (الميول المازوشيّة وهزيمة الذّات).

نستنتج ممّا تقدّم أنّ الأطفال اللّاجئين يتعرّضون للكثير من الاضطرابات النّفسيّة والسّلوكيّة الّتي تمنعهم من إقامة علاقات اجتماعيّة سليمة وفعّالة مع أقرانهم، وتؤثّر سلبًا في تحصيلهم الدّراسيّ، وقد تؤدّي بهم إلى الانحراف، والجنح، وحياة العصابات.

هنا، تؤدّي الأسرة دورًا رئيسًا وفعّالًا في صحّة الطّفل النّفسيّة، فحالات التّفكّك الأسريّ، والعنف المنزليّ، واليتم، والفقر تعيق النّموّ النّفسيّ والاجتماعيّ عند الطّفل، وتدفعه إلى أشكال مختلفة من الاضطرابات النّفسيّة والسّلوكيّة كالعنف، والعدوانيّة، والتّخريب، والقلق، وتدنّي تقدير الذّات…

كما أنّ البيئة المدرسيّة لها تأثير قويّ في ظهور أو عدم ظهور الاضطرابات النّفسيّة والسّلوكيّة، فالمناخ المدرسيّ القائم على الانضباطيّة، والتّحفيز، وثقافة الاجتهاد والتّعاون يحدّ كثيرًا من تأثير العوامل الأسريّة السّلبيّة في نموّ الطّفل، ويساعد على بناء تقدير الذّات والثّقة بالنّفس.

إنّ صحّة أطفالنا النّفسيّة هي أغلى ما نملك، فأطفالنا هم أجيال الغد وصنّاع المستقبل. لذلك، يجب علينا أن نخصّص لهم الكثير من وقتنا، وأن نعتني بهم أشدّ عناية، وأن نحميهم بأشفار عيوننا من كلّ ما يؤذيهم ويسبّب لهم الاضطرابات النّفسيّة والسّلوكيّة.

إنّ أطفالنا أمانة في أعناقنا، فهل سننجح يومًا في جعل هذا العالم الصّاخب بالمشكلات والحروب والمعاناة بيئة آمنة لهم؟ وهل سنتمكّن في المستقبل القريب من تحويل الأطفال المضطربين نفسيًّا وسلوكيًّا إلى “أبطال”؟

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 


مجلة وفاء

عن Z H