الرئيسية / محليات / إستغلال العالم ملفّ النازحين السوريّين أرهق لبنان!

إستغلال العالم ملفّ النازحين السوريّين أرهق لبنان!

مجلة وفاء wafaamagazine

ناجي س. البستاني

هل يُمكن أن يُشكّل المُؤتمر الدَولي المَنوي عقده في دمشق في 11 و12 من تشرين الثاني المُقبل، لدرس سُبل تأمين عودة ​النازحين​ واللاجئين السُوريّين إلى بيوتهم، نافذة أمل في هذا الملف، خاصة في ظلّ الدَعوات اللبنانيّة المُتكرّرة-على لسان رئيس الجُمهوريّة العماد ​ميشال عون​ نزولاً إلى باقي المسؤولين، المُجتمع الدَولي لمُساعدتنا على حلّ هذه المُشكلة؟.


بداية، لا بُدّ من التذكير أنّه طوال السنوات الماضية كان ملفّ اللاجئين والنازحين السُوريّين، مَحلّ خلاف في الداخل اللبناني، بسبب إختلاف النظرة إزاء النظام السُوري، ونتيجة تناقض التموضع السياسي في ما خصّ الحرب القائمة في ​سوريا​، وخُصوصًا بفعل تضارب الآراء بالنسبة إلى الأسلوب الواجب إتباعه لإعادة السوريّين إلى بلادهم. إلّا أنّه اليوم، وبعد إنتهاء المعارك العسكريّة الأساسيّة في سوريا، وإستتباب الأمن في مساحات واسعة من الأراضي السُوريّة، لم يعد من مُبرّر على الإطلاق لبقاء هذه الأعداد الضخمة منهم في لبنان.

لكنّ المُشكلة أنّ عودة هؤلاء إلى بلادهم ليست مُرتبطة بإستتباب الأمن، بعكس نُزوحهم من سوريا الذي كان بسبب هذا الأمر! فالكثير منهم هرب لأنّه ضُدّ النظام، ولا يريد العَودة إلى أرضه في ظلّ حُكم الرئيس السُوري بشّار الأسد، بحجّة الخشية من التعرّض للمُلاحقة والسجن كونه لم يُلبِّ دعوات الإلتحاق الإلزاميّة بوحدات الجيش السُوري خلال الحرب، وُصولاً إلى الخوف على الحياة! والكثير من السُوريّين خسر بيته ودُمّرت مُمتلكاته، ولا يريد العودة للعيش في العراء، طالما أن لا مُساعدات لإعادة البناء! والكثير من السُوريّين تأقلم مع حياته الجديدة في لبنان، فأمّن مسكنًا ووظيفة، إضافة إلى تقاضي مُساعدات ماليّة دَوريّة من المُنظّمات الدَوليّة، ولا يريد خسارة كلّ ذلك لمُجرّد العودة إلى بلاده! وإذا كان كلّ ما سبق صحيحًا، فإنّ الأصحّ أنّ الوُجود السُوري في لبنان ألحق خسائر ضخمة ب​الإقتصاد اللبناني​، لأنّ المُساعدات الدَوليّة للبنان والإستثمارات المَحدودة التي جرى توظيفها على أراضيه، لمُواكبة ملفّ النازحين، تقلّ بكثير عن التكاليف التي يدفعها لبنان وعن الخسائر التي لحقت به. فإستضافة أكثر من مليون نازح سوري لسنوات طويلة، سبّب ضغطًا كبيرًا على خدمات الكهرباء والمياه، وأسفر عن هدر المزيد من الأموال على توليد ​الطاقة الكهربائية​ بسعر مدعوم، كما أسفر عن مزيد من الشحّ في توزيع المياه. وتسبّب الوجود السُوري في لبنان كذلك الأمر برفع حجم كمّيّات ​النفايات​ المنزليّة، وبالتالي كلفة رفعها ونقلها وطمرها، إلخ. وزاد الطلب على ​المازوت​ و​الطحين​ المَدعومين، ما راكم المزيد من الخسائر لخزينة الدَولة، في حين أسفر إرتفاع الطلب على المواد الغذائيّة والإستهلاكيّة المُختلفة عن إرتفاع أسعارها. والأهمّ من كلّ ما سبق، أنّ النازحين السُوريّين أخذوا من أمام اللبنانيّين، وعن غير وجه حقّ، مئات آلاف المهن والأشغال والوظائف، وتسبّبوا بالتالي بارتفاع قياسي لنسبة ​البطالة​ التي تضرب اليد العاملة اللبنانيّة من مختلف الأعمار والأجناس!.

إشارة إلى أنّه في السنوات القليلة الماضية فوّت لبنان العديد من الفرص لمُعالجة هذا الملفّ الشائك، بسبب تباين الآراء بين المسؤولين والقيادات في لبنان، حيث طالب البعض بالتحاور المُباشر مع السُلطات السوريّة الرسميّة بينما رفض آخرون هذه الطرح. وناشد الكثيرون المُجتمع الدَولي التدخّل وحلّ هذا المِلف برعاية الأمم المُتحدة، من دون أن يلقوا آذانًا صاغيّة. حتى أنّ رهان البعض على دور روسي فاعل في هذه القضيّة، بفعل علاقة موسكو المُمتازة مع دمشق، فشل في تحقيق النتائج المرجوّة. وقد حاولت بعض الجهات في لبنان حثّ النازحين السُوريّين على العَودة الطَوعيّة، وهي نظّمت رحلات عودة برّية مُتعدّدة، لكنّ النتائج المُحقّقة بقيت مُتواضعة جدًا ولم تؤثّر على الوُجود السُوري الكبير في لبنان، والذي أخلّ بالتوازن الديمغرافي القومي والطائفي الهشّ أساسًا.

واليوم، تُطلّ فرصة جديدة من الضروري عدم هدرها من قبل الجانب اللبناني، وتتمثّل في تنظيم مؤتمر دَولي في دمشق في 11 و12 تشرين الثاني المُقبل، لدرس سُبل إعادة النازحين واللاجئين السُوريّين إلى منازلهم في سوريا، وتحديدًا في المناطق التي لم تعد فيها أيّ مشاكل أمنيّة وهي واسعة جدًا، إضافة إلى درس سُبل مُساعدة هؤلاء العائدين على الإنطلاق بحياتهم المهنيّة من جديد، وعلى تأمين المُتطلّبات التربوية والإستشفائيّة والحياتيّة بشكل طبيعي. لكن حتّى الساعة لا تأكيد على تثبيت مكان وزمان المُؤتمر المَذكور، بسبب تكاثر الدعوات إلى تأجيله أو إلى نقل مكان إنعقاده إلى مكان آخر، لأنّ الكثير من الجهات العربيّة والدَوليّة ترفض المجيء إلى دمشق، قبل إيجاد الحلّ السياسي الشامل للأزمة السُوريّة! وبعض المُتشائمين يتحدّث عن فشل مُسبق للمؤتمر–حتى في حال إنعقاده بمن حضر، لأنّ أغلبيّة الدُول المَعنيّة بتمويل أيّ عودة للنازحين واللاجئين السُوريّين إلى بلادهم، لا تزال ترفض دفع أي مبالغ ماليّة، طالما لم يتمّ التوصّل إلى حلّ نهائي للحرب السُوريّة!.

في الخلاصة، ما زال ملفّ النازحين السُوريّين يُواجه المُعضلة نفسها، ويدور بالتالي في الحلقة المُفرغة بسبب إستغلال المُجتمع الدَولي للملفّ لأهداف سياسيّة ولغايات مصلحيّة. لكن على لبنان مُواصلة رفع الصوت أمام المحافل الدَوليّة، ومُواصلة مُطالبة المُجتمع الدَولي بتحمّل مسؤوليّاته، وكذلك على لبنان عدم التغيّب عن المؤتمر-في حال إنعقاده، ليس بهدف تطبيع العلاقات مع نظام تُخاصمه العديد من الدول العربيّة والغربيّة، بل لحفظ حقّه في إزالة هذا العبء الثقيل عن أرضه. فكلّ مسعى يرمي إلى إعادة ولوّ أعداد قليلة من النازحين… يستحقّ المُحاولة!.

 

 

 

 

 

 

 

النشرة