الرئيسية / محليات / الخطيب طالب بالإسراع في تأليف حكومة إنقاذية: ندين ما حصل في نيس ونحمل المسؤولية لمن أمعنوا في الإساءة لقدسية رسول الله

الخطيب طالب بالإسراع في تأليف حكومة إنقاذية: ندين ما حصل في نيس ونحمل المسؤولية لمن أمعنوا في الإساءة لقدسية رسول الله

مجلة وفاء wafaamagazine

أدى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى العلامة الشيخ علي الخطيب الصلاة جماعة في مقر المجلس والقى خطبة الجمعة قال فيها:”أوجه في بداية هذه الكلمة بالتهنئة والتبريك الى اللبنانيين عموما والمسلمين خصوصا بالمولد النبوي الشريف بل الى الانسانية عموما ، لما لهذا الحدث من آثار لم تقتصر على الأمة الإسلامية فقط باعتباره إيذانا مبكرا بنشوئها وولادتها، وانما لان هذه الاثار شكلت نقطة فاصلة في التاريخ البشري والانساني وبداية لمرحلة جديدة لهذا التاريخ على مستوى العالم، فقد رافق هذه الولادة المباركة احداث كونية ومعجزات الهية، حيث ولد صلوات الله عليه في عام الفيل عام 570 م في شهر ربيع الأول، وهو الحدث الذي ذكره تعالى في كتابه الكريم تحت اسم سورة الفيل اذ بعث طيورا تحمل الحصى قضى بها على جيش ابرهة الذي قصد بجيشه تخريب الكعبة الشريفة وتدميرها، وفي يوم ولادته تساقطت الاصنام في الكعبة على وجوهها وانكسر ايوان كسرى وسقطت اثنتا عشرة شرفة منه واخمدت نيران فارس التي كانت تعبد ولم تخمد قبل ذلك بألف عام وجفت بحيرة ساواة، فضلا عن احداث اخرى لا داعي لذكرها”.

أضاف: “هذه الأحداث الكبرى برمزيتها التي كانت قد ذكرت أنها من علامات ظهور خاتم النبيين كانت تعبيرا عن الشأن العظيم لهذا المولود المبارك والمهمة الكبرى التي انيطت به وهي تبليغ الرسالة الخاتمة حجة على البشرية وانقاذا لها، ولاخراجها من ظلمات الجاهلية التي غرقت بها الى نور الايمان والى نور المعرفة الحقيقية، من حالة الحيرة والضياع التي كانت تعيشها وتتخبط بها حيث لا تعرف سر وجودها والغاية منه، ولا الوظيفة التي انيطت بها الى الهداية والرشاد الى ما تطمئن به في سيرها المتواصل الى الله سبحانه وتعالى، بعد ان اضنتها الغرائز والنزوات وذهبت بها بعيدا عن القيم والأخلاق، يقول امير المؤمنين واصفا تلك المرحلة التي سبقت دعوة الإسلام: “إن الله بعث محمدا نذيرا للعالمين ، وأمينا على التنزيل ، وأنتم معشر العرب على شر دين، وفي شر دار منيخون (مقيمون) بين حجارة خشن وحيات صم، تشربون الكدر، وتأكلون الجشب، وتسفكون دماءكم، وتقطعون أرحامكم، الأصنام فيكم منصوبة، والآثام بكم معصوبة. تخلف على كل المستويات فكانوا يفتقدون الى الحياة المتحضرة يعيشون في أسوأ حالة على المستوى المادي يفتقرون إلى أبسط وسائل الحياة المادية فكأنهم يعيشون في العصر الحجري خارج التاريخ منسلخين حتى عن الحضارات التي كانت تحيط بهم من الفرس والرومان، لم يستفيدوا منها بشيء لتطوير واقعهم المزري، وعلى المستوى الاجتماعي فلم يكن هناك من استقرار حيث كانوا يعتاشون على النهب والسلب والقتل، يغزو بعضهم بعضا، وعلى الصعيد الاخلاقي فحدث ولا حرج فقطيعة الرحم ورجم الاناث واعتبارهم عارا، إلى آخره، من أعمال يندى لها جبين الإنسانية. كل ذلك لم يدفعهم الى التفكير بتغيير هذا الواقع الذي كان مقدرا ان ينتهي بهم الى الهلاك لولا ان بعث الله رسوله فقلب المعادلة وتبدل هذا الواقع الى ان يصنع منهم امة ذات اهداف تتجاوز حدودهم الزمانية والمكانية، امة تحمل مشعل النور والهداية الى العالم الذي وان كان افضل حالا من واقعهم المادي، ولكنه ليس باحسن حالة من الناحية المعنوية والأخلاقية، لقد كانت هناك امبراطوريات عظمى تتنازع العالم كما هي اليوم، وتتصارع من اجل التوسع والنفوذ”.

أضاف: “لقد ارتقى صلوات الله عليه بهذه البيئة من هذا الواقع المخزي من قبائل وعشائر تعيش حياة البداوة والغزو والتخلف حتى عن التفكير في تشكيل وحدة اجتماعية وكيان سياسي محترم الى جانب الكيانات المجاورة وان تتقاسم معظمها، لم يخرج عن سلطانها سوى هذه الصحراء البلقع التي تفتقر الى كل شيء الى ان يشكل منها كيانا سياسيا قويا يتحدى هذه الامبراطوريات العظمى وليحمل مشروعا رساليا الى العالم كله، شكل جوهر القوة لهذه الدولة الوليدة هزم به كل من وقف بوجهه وتحداه. بهذا المشروع الالهي الرسالي الذي يعطي الاهمية للقيم والاخلاق والمعرفة والعلم استطاع ان يتغلب الاسلام على القوى التي لم تتقبل ان ينافسها ويتحداها امة وليدة كانت الى الامس غير موجودة تشكلت من مكونات كانت محتقرة لديها ولا تمثل اي تحد وجودي لها، ولكن سرعان ما انتشرت انباء الدعوة الجديدة لتقتحم عليها قوتها وجبروتها بما اثارته في نفوس مواطنيها من الامل بغد اكثر عدالة واشراقا، وتحررها من الظلم والقهر الذي كان يحبطها. لقد ارسى رسول الله باخلاقه العظيمة وسلوكه المليء بالحب والعطف على الناس والتواضع للفقراء والضعفاء ووقوفه الى جانبهم وصبره وجلده وتحمله من اجلهم وفي سبيل رفع شأنهم ومواساته لهم، لقد ارسى بذلك اساسا متينا لهذه الدعوة استطاع ان يحول هؤلاء الى قوة هائلة لم يستخدمها ليقاسم نفوذ القوي المهيمنة الأخرى، وانما لينشر العدل والقيم الانسانية الراقية ويرفع من شأن الانسان الذي كان الهدف لهذه الرسالة ( ولقد كرمنا بني ادم وحملناه في البر والبحر) ( يا ايها الانسان انك كادح الى ربك كدحا فملاقيه)”.

وتابع: “لقد رفع سبحانه من شأنه حتى جعله خليفة له (اني جاعل في الارض خليفة) كان موضع حسد من ابليس الذي ابى السجود له تكريما وتعظيما، لقد استقبلت كثير من الامم هذا الدين الجديد باستبشار عظيم وتقبلته بكل سرور لأنها رأت فيه المنقذ من الواقع الذي تعيشه، ولم يجبر احد على اعتناقه عنوة وكان شعاره لها( لكم دينكم ولي دين)، وعاش في كنف المجتمع الاسلامي اصحاب الديانات الاخرى من النصرانية واليهودية التي تمارس طقوسها وايمانها بكل حرية دون ان يتعرض لها بسوء، لكن بيزنطية التي لم تتقبل هذا الواقع بقيت تكيد للاسلام وتؤلب عليه وحدثت صراعات مريرة أفضت الى هزيمة مدوية دق الاسلام على اثرها ابواب أوروبا. ولم تزل اوروبا تبعث بالحملات الصليبية مرة بعد أخرى وتتلقى هزيمة بعد أخرى مدفوعة بالخوف من العالم الإسلامي تلجأ الى التزوير والتحريف وخلق الأكاذيب والافتراءات بحق الإسلام ونبيه، تحول بين هذا النور المنبعث من الشرق وبين شعوبها تعصبا وحقدا وهي مستمرة بذلك حتى الان بعد ان اعتبرت سقوط الدولة العثمانية ثأرا من الاسلام واهله ونهاية تنطلق بذلك من ذكريات الماضي الاليم الذي مازال يؤرقها، وقد اعتبر الغرب الاستعماري والصليبي الحاقد انه بسقوط الدولة العثمانية قضي على الاسلام وعلى أمته حيث خططت لإنهائه من نفوذ المسلمين وتعميم حضارتها المادية عليهم وتغريبهم وزرع الكيان الصهيوني في قلب الامة حتى يكون ضمانا للقضاء على اي نزعة جديدة للنهوض، ولكن سرعان ما انكشفت الغشاوة وبانت الحقيقة، نتج عن ذلك تحولات اعادت الاسلام من جديد للساحة كعامل للنهوض بوجه هذا الاستعمار كانت أهمها الثورة الاسلامية في ايران بقيادة الامام الخميني”.

أضاف: “مع انبعاث هذه الثورة بدأ التوجس الغربي ينبعث من جديد ولم يفتأ هذا الغرب يقوم بالدسائس ويؤلب على هذه المسيرة مستخدما الاساليب والوسائل، ومن جملتها دفع بعض الخونة ممن يرجعون بأصولهم الى بلدان اسلامية بافتراءات ينسبونها لنبي الاسلام او بالتشجيع واتاحة الفرصة والحرية لافتراءات بحقه صلوات الله عليه من الكاتب البريطاني الهندي الاصل سلمان رشدي الى الرسوم الكاريكاتورية وآخرها ما حصل وتكرر مرارا في فرنسا محميا من السلطات التي تشجع على ذلك، كما فعل الرئيس الفرنسي معللا له بحرية التعبير بعد ان صرح في وقت سابق أن الاسلام مأزوم. هنا نطرح السؤال، هل الازمة هي ازمة الاسلام أو هي ازمة حكام أو ازمة حضارة؟ برأيي، إن الازمة هي ازمة حضارة وهي ازمة الغرب الحضارية الذي يعيش عقدة الخوف من انبعاث الاسلام كقوة جديدة في منطقة تشكل عصب الحياة لهذا العالم سواء بجغرافيتها الاستراتيجية التي تتحكم بممرات التجارة العالمية او بما تمتلك من ثروات هائلة من البترول والغاز، التي بدت الانظمة التي زرعت فيها مهددة بالسقوط وغير قادرة على مواجهة هذا الواقع الجديد واضطرت الى ان تكشف عن نفسها باظهار تحالفها مع العدو الاسرائيلي الى العلن ، لذلك ليس بريئا ما نراه اليوم ورأيناه من قبل من هجوم على الإسلام والإساءة لرسوله واندفاع بعض الانظمة للدفاع والرد بشكل قاس يجلب نظر الجماهير الاسلامية اليه، ويعطيه صفة المدافع عن الاسلام ويصنف نفسه في موقع القيادة لهذه الامة التي أمعن في تقسيمها وتفتيتها وضرب بعضها ببعض كما وقع في سوريا والعراق وليبيا ومصر من دعم وتسهيل وصول الارهابيين اليها، لقد سقطت هذه المحاولة وفشلت ولكن المشروع ما زال قائما والمحاولات ما زالت مستمرة بتنصيب خليفة جديد على المسلمين يسند اليه دور القيام بوظيفة الحفاظ على مصالح الغرب واهدافه في المنطقة العربية والاسلامية لتتمكن من الوقوف امام الجمهورية الاسلامية وتمنع من قيام تحالف قوي لجبهة الممانعة”.

ورأى أن “الغرب وفي سبيل الخروج من أزمته سيقوم بكل شيء يمكنه القيام به مستخدما كل الوسائل بما فيها الارهاب بل حتى السلاح الذري ان احتاج الى ذلك، للحفاظ على وجوده المقتدر والمسيطر دون أي اعتبار للمسائل الاخلاقية التي برر لها عبر فلسفاته المادية المجردة من القيم والاخلاق ولاتخاذه من صراع الوجود الذي استفاده من الطبيعة منهاجا له في الحياة، ومن نظرته الى الانسان على انه مجرد موجود كسائر الموجودات الحية في الطبيعة، لا يتمايز عنها الا انه الاقوى من بينها وان وظيفة العقل لديه ليست سوى أداة متطورة يستخدمها في هذا الصراع ليكتب له البقاء، من دون شعور بالذنب بل يعتبره أمرا طبيعيا. هذه هي الازمة الحضارية التي يعانيها الغرب، اما نحن المسلمون وسائر الامم التي تتنازعها القوى الدولية الطاغية وبخاصة الغرب فهي في قلب الازمة والصراع، تنهش جسده هذه القوى وتستخدم بعضه في مواجهة البعض الآخر لمنعه من النهوض من جديد. ان المواجهة التي يفتعلها رئيس فرنسا مع الاسلام ليست الا تنفيذا لهذه السياسة المدانة ولكن الادانات ايها المسلمون لم تنفع وحدها يوما ولم ترد معتديا ولا غازيا ولا اعادت حقا مهتضما، وها هي فلسطين تعدم كل يوم وتغتصب كل ساعة والشعب الفلسطيني تنتهك حقوقه ويشرد من ارضه وتدمر بلاده ويقتل أبناؤه في صراع مع الامة لم يزل الغرب وأدواته يضعون سيناريوهات حتى أوصلوه الى هذه النهاية البشعة والصورة السيئة التي أرادوا أن يطبعوا عليها شعوبنا من اليأس والتسليم بالواقع المرير والاعتراف بالفشل والاستسلام بخسارة المعركة ونهاية الصراع، لصالح الغرب لأنه الأقوى. وهذه هي رسالة المطبعين اريد ارسالها لهذا الغرب باسم الامة والإسلام، ولكن القوى الحية لهذه الامة لن تستسلم لهذا الواقع ولن تترك هؤلاء يرسلون رسائل يأسها بردات الفعل التي يدفع بها الارهاب في شوارع فرنسا، وسيكتب لها النصر في نهاية المطاف بدماء شهدائها وابطالها”.

وتابع: “إن المطلوب، بدلا من ممارسة الارهاب الذي حقق هدف اعدائنا، القيام ببعض الخطوات العاقلة وفي هذا المجال نؤيد دعوة فضيلة شيخ الازهر بالعمل على استصدار تشريع دولي يجرم الاساءة للديانات ورموزها ويعاقب على فعلها. ونحن إذ ندين ما حصل في مدينة نيس الفرنسية من ردة فعل عنيفة تنافي تعاليم الإسلام فإننا نحمل مسؤولية هذه الأعمال للمتسببين بها الذين امعنوا في الإساءة لقدسية رسول الله، هؤلاء الحاقدون الذين يحملون حقدا دفينا ضد الأنبياء والمرسلين يتماهى مع المشروع الصهيوني في محاربة الأديان والإساءة إلى رموزها بغية سلخ الإنسان عن فطرته الإيمانية وإشاعة الفساد والرذيلة في المجتمعات، وهم يغذون الفتن ويثيرون النعرات الطائفية والمذهبية وتشويه صورة الإسلام والمسلمين”.

وقال: “بالحديث عن شؤوننا الداخلية فإننا نطالب السياسيين بالإسراع في تشكيل حكومة انقاذية إصلاحية تخرج الوطن من الازمات التي يتخبط بها، هنا فإننا نعتبر أن استعادة المال المنهوب ممر إلزامي وخطوة ضرورية لإنقاذ الاقتصاد الوطني ولجم الانهيار المعيشي، ولذلك لا بد أن تضم الحكومة العتيدة أصحاب كفاءة من المشهود لهم بالنزاهة والخبرة الذين يشهد تاريخهم على مناقبيتهم الوطنية وتحملهم للمسؤولية في إنقاذ الوطن وشعبه. إن لبنان غني بثرواته التي بددتها سياسة الفساد والهدر والرشى والصفقات المشبوهة التي أغرقت لبنان في الديون وخدمة فوائدها حتى وصلنا إلى هذه الازمة الخطيرة التي طالما حذرنا من أهدافها السياسية بإخضاع لبنان لإملاءات العدو وتنفيذ مشاريعه”.

وختم: “بارك الله لنا جميعا ولأمة رسول الرحمة هذا العيد وأعاده علينا بالخير والبركة، وعلى هذه الأمة التي تكالبت عليها الأمم بجمع الشمل والوحدة تحت رايته الحقة التي لن يقوم لها قائمة دون ذلك وسيكون ذلك حقا بوعد الله الذي لا يخلف وعده في قوله عز من قائل ( هو الذي ارسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون ) صدق الله العلي العظيم تحت لواء ولي الله الاعظم المهدي المنتظر عج فرجه الشريف ثبتنا الله بالقول الثابت وجعلنا ممن ينتصر به لدينه آمين رب العالمين”.

عن H.A