الأخبار
الرئيسية / محليات / علي فضل الله: المرحلة تقتضي أقصى درجات الوحدة

علي فضل الله: المرحلة تقتضي أقصى درجات الوحدة

الجمعة 30 آب 2019

مجلة وفاء wafaamagazine

 ألقى السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين، في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصى به الإمام علي واليه مالك الأشتر عندما ولاه مصر، فقال له: “وأكثر مدارسة العلماء، ومناقشة الحكماء في تثبيت ما صلح عليه أمر بلادك، وإقامة ما استقام به الناس قبلك، واعلم أن الرعية طبقات لا يصلح بعضها إلا ببعض، ولا غنى ببعضها عن بعض، فمنها جنود الله، ومنها كتاب العامة والخاصة (العاملون بالشأن العام والمستشارون)، ومنها قضاة العدل، ومنها عمال الإنصاف والرفق، ومنها أهل الجزية والخراج من أهل الذمة ومسلمة الناس، ومنها التجار وأهل الصناعات، ومنها الطبقة السفلى من ذوي الحاجة والمسكنة، وكل قد سمى الله [له] سهمه، ووضع على حده وفريضته في كتابه أو سنة نبيه صلى الله عليه وآله عهدا منه عندنا محفوظا”.

وتابع: “لقد أراد الإمام علي بذلك أن يؤكد أهمية عودة الحاكم إلى العلماء والحكماء، ليستفيد من علمهم وحكمتهم، فلا يتفرد برأيه، وأن يوجه الحاكم إلى الاهتمام بالجيش، حصن الوطن، والقضاة، وأهل التجارة والصناعة، فبهم يقوى البلد، ويحفظ في أمنه واقتصاده، والنظر دائما إلى الفقراء والمساكين، بأن يكونوا بعينه وتحت رعايته، فلهم حق عليه، وفي ذلك حفظهم من أن يكونوا طمعا لمستغلي حاجات الناس ومتطلباتهم. وعند العمل بذلك، سيبقى الوطن قادرا على مواجهة التحديات وتحمل الظروف الصعبة”.

والبداية من لبنان، الذي لا يزال يعيش في هذه الأيام تحت وقع تداعيات العدوان الإسرائيلي الأخير في الضاحية الجنوبية، والذي بات واضحا أنه تصعيد إسرائيلي غير مسبوق، يريد العدو من خلاله العودة إلى ما كان عليه سابقا من العبث بأمن هذا البلد واستقراره، وامتلاك حرية التحرك في أن يقصف ويضرب ساعة يشاء، وفي أي مكان، وحيث تقتضي مصالحه، بحيث يعمل على تعديل المعادلة الراهنة القائمة على توازن الردع المتبادل مع لبنان، وإرساء معادلة جديدة تقوم على استباحته متى أراد، ودفعه إلى الانصياع لمطالبه التي لا حدود لها، وهو الذي يضغط عليه في أكثر من مسألة، بإصراره على الاحتفاظ بأراض لبنانية محتلة أو بتمسكه بنهب ثرواته البحرية وغيرها.

واضاف فضل الله: “ونحن في ذلك نرى أهمية المواقف الرسمية والسياسية التي صدرت عن رئيس الجمهورية ورئيس المجلس النيابي ورئيس الحكومة ومجلس الدفاع الأعلى… والأوساط السياسية والحزبية والشعبية والدينية، والتي أكدت وحدة الموقف اللبناني، وحق لبنان في الرد على هذا الانتهاك الصارخ لسيادته واستقراره. وهنا نحيي في هذا المقام مبادرة الجيش اللبناني في التصدي بقوة لمسيرات العدو، والتي تتلاقى مع استعداد المقاومة لحفظ أمن لبنان واستقراره، لأن العدو سيواصل عدوانه بشتى الوسائل إذا لم تردعه القوة المناسبة والمدروسة. لقد كان لبنان بغنى عن أن يتحمل العبء الكبير في مواجهة العدوان، لو كانت المؤسسات الدولية والدول الكبرى تقوم بواجبها في ردعه، وعلى الأقل استنكاره ورفضه، فكيف ونحن نعرف أن بعض هذه الدول تبرر للعدو عدوانه بحجة الدفاع عن النفس! وهنا نسأل عن دور الجامعة العربية، وخصوصا أن عضوا فيها تعرض لهذا الاعتداء الذي كان من المفترض أن يستدعي اجتماعا سريعا لإيصال رسالة استنكار وموقف واضح في مواجهة العدو”.

وفي المقابل، فإننا كنا نأمل عدم صدور أصوات قد يستفيد منها العدو في هذا العدوان أو أي عدوان قد يقدم عليه. ولا بد هنا من أن نقول لكل الخائفين من ردود فعله: إن من يتصدى لهذا العدو ليس متهورا، ولا يضع أمن الناس على الهامش أو يعبث بهم. إن المرحلة تقتضي أقصى درجات الوحدة، ونحن أحوج ما نكون فيها إلى استجماع كل عناصر القوة التي نملكها، لا أن نفرط فيها، ولا سيما تلك التي أثبتت جدواها في التاريخ القريب، وحررت الأرض.

واردف فضل الله: “إننا، وفي ظل هذا العدوان المستمر، ليس على لبنان وحده، بل على سوريا والعراق أيضا، وفي ظل الحرب المستمرة على غزة وحصار العدو المتواصل لأهلها… ندعو إلى موقف عربي وإسلامي موحد في مواجهته، لأن الرهان على أن توقفه الإدارة الأميركية أو الدول الكبرى عند حده هو رهان على سراب، ويدخل في عداد الأوهام التي اعتاد الناس سماعها من دون أن تغير من واقع العدوان شيئا. لقد جربنا سابقا أن نقلع أشواكنا بأظافر الآخرين فلم نفلح. ولذلك، سيبقى قرارنا أن نقلعها بأظافرنا”.

ونبقى في لبنان، لنشير إلى أهمية بذل الجهود لمواجهة الوضع الاقتصادي الخطير الذي يزداد خطورة بعد العدوان الإسرائيلي، وبعد القرارات التي خفضت تصنيف لبنان، منوها “بالمبادرة التي انطلقت من رئيس الجمهورية، ومن رئيس المجلس النيابي، بالدعوة إلى عقد اجتماعات تساهم بإيجاد علاج سريع وفعال للمشاكل الاقتصادية، حرصا على قوة هذا البلد واستقراره”، آملا “من كل القوى السياسية أن تتناسى في هذا الوقت خلافاتها، لنشارك معا في إيجاد حلول للواقع الاقتصادي من خلال معالجة أسبابه، ولكن بعيدا عن زيادة أعباء إضافية على الناس، في ظل الحديث المتزايد عن زيادة رفع أسعار البنزين وغيره، مما لا طاقة للمواطن على حملها”.

وتابع فضل الله: “في هذه الأيام، تطل علينا ذكرى تغييب الإمام موسى الصدر ورفيقيه، وهو الذي كان داعية وحدة وحوار على مختلف المستويات، وكان صدرا رحبا لكل اللبنانيين، ومنفتحا على كل القضايا العربية والإسلامية، فحمل مسؤولية وقف الحرب الأهلية اللبنانية، وعمل لترسيخ الوحدة الداخلية، ودافع عنها في كل المحافل، وواجه الحرمان، وعمل على تحصين لبنان في مواجهة العدو الصهيوني، وكان داعما بارزا لقضية الشعب الفلسطيني. لقد شكل قرار تغييب هذا الإمام مع رفيقيه عدوانا على كل الأحرار وأصحاب القضايا المحقة. ولذلك، فإننا في الوقت الذي ندعو إلى إماطة اللثام عن هذه القضية بكل تفاصيلها، نؤكد أن على جميع اللبنانيين أن يعملوا بكل الأساليب لكشف ملابسات ما حدث، ليعرف الناس أبعاد هذه الجريمة بكل خيوطها وخطوطها وأهدافها الخطيرة، لأن الإمام الصدر لم يكن إماما لطائفة من اللبنانيين، بل كان إماما بحجم وطن وأمة، ومن مسؤولية الوطن أن يتوحد على هذه القضية ويقوم بواجبه تجاهها”.

وختم فضل الله قائلا: “وأخيرا، نستعد في هذه الأيام لاستقبال موسم عاشوراء؛ هذه الذكرى التي تمثل امتدادا لهجرة رسول الله وتثبيتا لإنجازها، وهي التي عملت على تجسيد الإسلام بكل عناوين التضحية والوفاء، وأعادت للدين صورته الحقيقية، وحفظت الإسلام من كل عناوين التشويش والتشويه. إننا نريد لهذه الذكرى وهذه النهضة التي كانت منطلقا للاصلاح في أمة الإسلام، أن تكون كما أرادها الحسين، منطلقا للوحدة، وميدانا للتآخي، وعنوانا للتقارب في الوسط الإسلامي، وميدانا للدفاع عن الحرية والعزة والكرامة، وفي مواجهة الطغيان والفساد والانحراف، فالحسين كان إماما للمسلمين، لكنه كان يعمل بحجم الإنسانية كلها. 

وطنية