الثلاثاء 03 أيلول 2019
مجلة وفاء wafaamagazine
اذا كان الاجتماع السياسي – الاقتصادي في قصر بعبدا شغل جانباً من اهتمامات الرأي العام الداخلي خشية فرض ضرائب أو زيادات ضريبية اضافية كان تردد طويلاً انها ستفرض لكنها لم تفرض فعلاً، فان الشكوك التي سابقت صدور توصيات هذا الاجتماع لم تحجب بعداً دراماتيكياً اتخذه وتمثل في “عودة” صورة الدولة مع رؤساء الكتل النيابية والاحزاب بعدما كانت تطورات المواجهة الحدودية بين اسرائيل و”حزب الله” قد غيبتها تماماً.
ففيما أغرق الرأي العام بالاستخلاصات والتقديرات الكثيفة عقب تنفيذ “حزب الله” الاحد رده على مقتل اثنين من عناصره في غارة اسرائيلية قرب دمشق ومن ثم خرق طائرتي استطلاع اسرائيليتين الضاحية الجنوبية بقصف صاروخي لآلية اسرائيلية في أفيفيم، لم تكف الجهود والاتصالات الكثيفة التي تولاها رئيس الوزراء سعد الحريري لاستدراك أي توسع للمواجهة بين اسرائيل والحزب عبر الحدود وربما أبعد نحو العمق لستر حالة الغياب الفاضح للدولة عن هذا الخطر الذي أحدق بالبلاد مهدداً بمواجهة واسعة من خلال انهيار “الستاتيكو” الذي ارساه بدء تنفيذ القرار 1701 منذ آب 2006. وهو غياب رتب وسيرتب تداعيات بالغة السلبية على لبنان حتى لو كان هناك اجماع لبناني على اعتبار الانتهاكات الاسرائيلية للقرار 1701 وللسيادة والاجواء اللبنانية السبب المباشر الاساسي للتوتر والتدهور اللذين شهدهما لبنان في الايام العشرة الاخيرة.
وأما من الناحية العملانية والاستراتيجية، فان المواجهة التي انتهت بعد ساعتين من اندلاعها أفضت الى خلاصات واقعية أهمها اطلاقاً أنها كانت محدودة وأريد لها ان تكون تحت سقف محدد تجنباً لاشعال حرب سواء من جانب ”حزب الله” الذي اعتمد رداً “مدروساً”على هدف عسكري انما في العمق الاسرائيلي، أو من جانب اسرائيل التي اكتفت باطلاق نحو مئة قذيفة على مناطق حدودية لبنانية، علماً ان عدم سقوط اصابات في الجانب الاسرائيلي شكل نقطة محورية في النقاشات والحملات الاعلامية المتبادلة طوال الساعات التي اعقبت الرد والرد على الرد.
وجاء بث قناة “المنار” شريط فيديو يظهر اطلاق صاروخ “كورنيت” على الآلية الاسرائيلية في أفيفيم ليزيد النقاش احتداماً، اذ أظهر الاصابة المباشرة للآلية، فيما كان رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو اعلن عدم وقوع أي جريح “أو أي خدش” في الجانب الاسرائيلي. ولعل السؤال المحوري الذي طرح عقب هذا التطور هو هل يعد الخرق الجوهري للقرار 1701 بداية مرحلة تآكل لـ”الستياتيكو” الحدودي الذي أرساه القرار منذ عام 2006؟ معظم الاوساط السياسية والديبلوماسية لا تسقط هذا الاحتمال من التقديرات الناشئة عن التطور الاخير، ولكن ثمة اقتناع لدى هذه الاوساط بان محدودية المواجهة الاخيرة تعكس في العمق قرارات اقليمية ودولية بعدم تعريض الوضع في لبنان لمواجهات من شأنها اشعال بؤرة اقليمية اضافية.
وفي كلمته الاولى بعد العملية، تحدث السيد نصرالله مساء أمس في مجلس عاشورائي، فقال إن “ما حصل منذ خطاب الاحد الماضي حتى أمس كان عقاباً للعدو ونحن أمام عملية متعددة الاشكال، اخلاء الحدود عند الشريط الشائك ولم يعد هناك خط أزرق ولا حدود دولية والحدود تم إخلاءها ولم يعد هناك أي جندي أو آليات، والطريق الترابية كانت خالية واليوم بدأوا يظهرون لان العملية انتهت أمس، حيث كانوا قاموا بإخلاء مواقع أمامية بالكامل أي هربوا، وهذا أكثر من المتوقع فأنا قلت لهم “انضبوا” فهم هربوا، وتم إخلاء ثكنات بكاملها”.
وأضاف أن “المشهد العام إذا اخذناه من الجانب الاسرائيلي، نحن أمام إسرائيل التي تقدم نفسها صاحبة أقوى جيش في المنطقة ما زالت تدعي ذلك والدولة المتعجرفة والمتكبرة الطاغية التي كانت تخيف الملايين خلال ثمانية أيام كل العالم رآها خائفة وقلقة ومختبئة والحدود اللبنانية لا شيء فيها وهذا ذل وهوان وضعف وهذا أحد أشكال أن اسرائيل أوهن من بيت العنكبوت، وهذا جزء من العقاب”.
ولفت الى أن “المقاومة عملت في وضح النهار وعلى مقربة من الحدود وتحت الخطر وتعمدنا ان لا نعمل في الليل وكان القرار ان نرد في النهار وهذا كان أحد أسباب التأخير في الرد. وهذه المقاومة لم تضرب على الشريط، بل في العمق، وبالرغم من الاجراءات والتدابير والاهداف الوهمية من ملالات و دبابات وآليات فيها دمى وينتظرون أن نضربهم، مع ذلك المقاومة صبرت وتابعت معلوماتياً وعلى كل صعيد وعندما حصلت على الهدف ضربته وأصابته بكل تأكيد والعالم رأى ما نشر على وسائل الإعلام وما حصل يعبر عن شجاعة ودقة ومسؤولية”. ولاحظ أن “أهم ما حصل أمس، هو الإقدام، أي أن أعظم ما في العملية أنها نفذت وجرت وحصلت، رغم تهديدات إسرائيل، والرسائل الديبلوماسية. ولكن أقول إن حزب الله، لم يتزحزح في واجب الرد، كنا سابقاً. نرد في داخل مزارع شبعا، والكمائن. التي كنا ننصبها للدبابات الإسرائيلية كانت في مزارع شبعا المحتلة، ولكن الذي حصل أن العملية حصلت في أرض 48، يعني أن أكبر خط أحمر منذ عشرات السنين، في أرض 1948، كسرته المقاومة الإسلامية. احفظوا هذا التاريخ 1 ايلول 2019 وهو بداية تاريخ للدفاع عن أمن وشعب لبنان ولم يعد هناك من خطوط حمراء”. وشدد على “ان من حقنا الدفاع عن سماء لبنان”.
هيئة طوارئ
اما في الاجتماع السياسي والاقتصادي الذي انعقد أمس في قصر بعبدا برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وحضور رئيسي مجلس النواب نبيه بري والحكومة سعد الحريري ورؤساء الكتل النيابية والاحزاب، فبدا واضحاً ان اركان السلطات السياسية والمالية والجهات الاقتصادية المعنية تتجه الى اعتماد نهج اضطراري تجنباً للانزلاق نحو متاهات خطيرة قد يكون الرئيس الحريري أكثر المسؤولين الرسميين افصاحاً عنها في ايحائه بأن مهلة الاشهر الستة المقبلة تعتبر بمثابة فرصة مصيرية. ومع ذلك اثارت توصيات الاجتماع الذي لم تغب عنه ملامح التوترات التي تطبع العلاقات بين افرقاء سياسيين عدة خصوصاً بين “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية” في ظل الخطاب الناري الذي القاه رئيس حزب “القوات” السبت شكوكا كثيفة في سلوكيات تنفيذها انطلاقا من تجارب عدة سابقة أولاً ومن ثم لان اعلان تشكيل هيئة طوارئ يبدو من باب لزوم ما لا يلزم لان الحكومة بذاتها يفترض ان تشكل هيئة طوارئ ما لا يستدعي هذا الاجراء الشكلي الذي يمكن ان يؤدي الى ازدواجية في الصلاحيات.
ومع ذلك اكدت أكثر من جهة مشاركة في الاجتماع ان معظم التوصيات التي وردت في الورقة الاساسية التي تلاها وزير الاقتصاد منصور بطيش في الاجتماع تشكل توصيات اصلاحية علمية وطموحة، كما ان الطروحات التي قدمها الافرقاء من شأنها استكمال خريطة الانقاذ شرط الانتقال بسرعة الى تنفيذ التوصيات وفق برنامج زمني محدد وملزم. وقرر الاجتماع إعلان حالة طوارئ اقتصادية، ومتابعة ما أقر في اجتماع 9 آب 2019، في قصر بعبدا.
كما أكد الاستمرار في سياسة استقرار سعر صرف الليرة اللبنانية، وإقرار إطار مالي متوسط المدى، يمتد على سنوات 2020، 2021، و2022، كذلك، أقر خفض عجز الكهرباء إلى 1500 مليار ليرة، والإسراع في إطلاق المشاريع الاستثمارية المقررة في مجلس النواب والبالغة قيمتها 3,3 مليار دولار.
واعلن رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل تحفظه عن المقررات، كما افيد ان رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع دعا الى تغيير الحكومة والاتيان بحكومة اختصاصيين. وذكر ان الرئيس بري قال لجعجع: “تطلب منا أن نعين اختصاصيين ونقعد نراقبهم ونقعد على جنب”. وافيد ان رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية قال: “لنا اكثر من 25 سنة في السلطة ولا تزال المشكلة نفسها ما عم نقدر نحل الازمة الاقتصادية. تعالوا نبيع مرفأ بيروت ونبيع ممتلكات للدولة اللبنانية لتوفير الديون”، ولاقى اقتراح فرنجية اعتراضاً.
المصدر: النهار