مجلة وفاء wafaamagazine
رشيد الخطيب
طوابير بشرية امام المصارف واخرى امام المحطات وغيرها امام الافران وهكذا دواليك هو المشهد اللبناني المحزن الذي أصبح يصوّر لبنان “سويسرا الشرق” في اخبار الصحف الدولية والمحلية ويتربع شاشات التلفزة .
سقط القناع وانفضح العهر السياسي الذي حكم لعدة عقود نتيجة حرب اهلية افتعلوها وكانوا امراءها .
فهل ما يعيشه لبنان اليوم هو وليدة صدف او فساد ام انه مخطط ممنهج لضرب النسيج اللبناني والقضاء على كافة القطاعات الحيوية في البلاد ؟
وهل كانت الحرب الاهلية وليدة جهل من هنا أوحقد من هناك ام انها كانت تنفيذا لمخطط صهيوني يشمل المنطقة والعالم العربي والذي اعلنه برنارد لويس في ثمانينيات القرن الماضي ؟
لو اردنا الاجابة على السؤالين لوجدنا الترابط بينهما ،نعم ان مخطط الشرق الاوسط الجديد وصفقة القرن ما هما سوى تكملة لخطة كنسجر ومخطط برنارد لويس الذي طالما صرح بعدائيته للعرب والمسلمين أو ليس هو من وضع خارطة تقسيم دولنا وعالمنا العربي لدوليات واقاليم؟
ففي عام ١٩٨٠م ومع استمرار الحرب العراقية -الايرانية صرح مستشار الامن القومي الاميركي “بريجنسكي” بقوله ان المعضلة التي ستعاني منها الولايات المتحدة الاميركية من الآن هي كيف يمكن تنشيط حرب خليجية ثانية تقوم على هامش الخليجية الاولى والتي تستطيع من خلالها أميركا تصحيح حدود “سايكس بيكو”
وعلى عقب هذا التصريح وبتكليف من وزارة الدفاع الاميركية بدأ المؤرخ الصهيوني “برنارد لويس ” بوضع مشروعه الشهير والذي كان لبنان من ضمنه ،وفي عام ١٩٨٣وافق الكونغرس الاميركي بالاجماع عليه في جلسة سرية.
أما فيما يتعلق بلبنان فقد كان من المقرر تقسيمه الى ثمانية كانتونات عرقية ومذهبية ودينية، كانت قد أصبحت جاهزة لذلك قبل صدور القرار بفعل الحرب الاهلية التي تسيدها أمراء الطوائف وحكام هذا الوطن الجريح ومن هنا نجد كيف كان لهم الدور الابرز في تنفيذ هذا المخطط الدامي ،نعم نجح التنفيذ في التقسيم المعنوي والمعيشي وبقي لبنان موحدا جغرافيا لكنه مقسما طائفيا ومذهبيا وخير دليل على ذلك الصفات والشعارات التي اطلقها الحكام واتخذوها لانفسهم ك”بيّ السنة “-“الثنائي الشيعي” وشعار “استعادة حقوق المسيحيين “.
اذا ان ما نشهده اليوم ليس سوى تتمة لما بدأ مع الحرب الاهلية ومع برنارد لويس والمشروع الصهيو-أميركي والذي عاد من جديد في عام ٢٠٠١ مع جورج بوش الابن الذي نجح في اختلاق حجة الحرب على الارهاب تحت ذريعة أحداث الحادي عشر من أيلول الشهيرة ومن ثم اختلاق ذريعة الاسلحة الكيماوية في العراق التي كانت سببا للإطاحة بصدام حسين والسماح لإيران بالخروج خارج حدودها وبالتالي خلق الحرب الخليجية الثانية التي كان قد خطط لها من أوائل الثمانينيات كما ذكرنا سابقا ،ومع تنامي النفوذ الايراني في المنطقة وفي ظل التهويل الاميركي للدول الخليجية وزرع الخوف من التمدد الايراني نجح الاميركيون في اشعال هذه الحرب لا سيما في اليمن وسوريا ووقع العرب والمسلمون ضحية للقتل والتهجير وظهرت اسرائيل ومعها الصهاينة برداء السلام والمحبة في صفقة مشبوهة سميت “صفقة القرن” حيث سارع العرب المتعطشين والمتخوفين من المد الفارسي الى اعلان التطبيع مع اسرائيل ولو كان هذا التطبيع على حساب مقدساتهم ودماء الشهداء من المجاهدين والفلسطينيين .
أما فيما يتعلق بالداخل اللبناني المقاوم للعدو الاسرائيلي ولمشروع برنارد لويس الذي فشل في مطلع الثمانينيات وجب العمل على ارغام واضعاف الشعب اللبناني لتغيير مواقفه ومن هنا بدأ المخطط الجديد للبنان وهو مخطط اغراقه في الديون من خلال نشر الفساد في الادارات والمؤسسات الرسمية ومن خلال تنفيذ مشاريع ظاهرها انمائي ودون مردود او فعالية وهذا ما حصل على مدار ثلاثة عقود من الزمن او أكثر بقليل.
نعم جميعهم مشتركون في هذا المخطط الممنهج والذي عمدوا من خلاله لإذلال الناس فكيف للمصارف التي كانت تتغنى بنجاحها الباهر بالأمس ويتلقى مدراءها الاوسمة والشهادات العالمية ان تفشل بين ليلة وضحاها ؟ وكيف لسلطة تعاني من الافلاس ان تعمد للهدر من خلال اصدار قرارات دعم مواد ونحن نشاهد ونتابع كيفية استغلال المافيات التي استمدت قوتها من هذه الطبقة الحاكمة على مدار عقود، هي المستفيد الاكبر من هذه القرارات .
وان ابرز واخطر انواع الفساد التي مرت بلبنان هو ما حصل في مرفأ بيروت هذا المرفأ الحيوي الذي ينافس ويقف عقبة في وجه مرفأ حيفا التي تحلم اسرائيل بجعله المرفأ الاول تجاريا على شرق حوض المتوسط .
فهل كان هذا الفساد والتفجير وليدة صدفة تزامنت مع افتتاح مرفأ حيفا بعد تجهيزه وتوسعته ؟
وهل جاء افلاس المصارف اللبنانية او اضعافها وتشويه سمعتها أيضا صدفة مع تزامن اطلاق اسرائيل مشروعها المالي من خلال انشاء شبكة مصرفية مع الدول العربية التي تعمد التطبيع معها كما حصل مع البنوك الاماراتية؟
نعم انه اذلال ممنهج تزامن مع اطلاق عملية التطبيع العربي الاسرائيلي ولم يكن لهذا الاذلال فقط غاية ارغام الشعب اللبناني على الموافقة على التطبيع مع العدو الصهيوني انما الغاية الاهم هو القضاء على كافة القطاعات التي استفاد لبنان من تحسينها بعيد عام ١٩٤٨ “ازمة الصراع العربي الاسرائيلي” وتحول انظار الدول العربي واموالها من فلسطين الى لبنان الذي عرف جيدا كيفية استغلالها حتى اصبح بفضلها سويسرا الشرق.
واليوم وبعد قيام الكيان الصهيوني بلعب دور الدولة الفسلطينية التي احتلها ونزع سيادتها يريد الصهاينة استعادت هذا الدور من لبنان وبالتالي القضاء على كافة المقومات التي استفاد منها سابقا وهذا ما يحصل مع القطاع المصرفي الذي نشأ بعد عام ١٩٤٨ بفضل الاموال الفلسطينية على وجه التحديد .
وانا شخصيا لا أرى ان اسرائيل تريد التطبيع مع لبنان أقله في الوقت الحالي لان التطبيع مع بلد يعد منافسا لها في مخططها يكون ضربا لمخططها بمشروع التفرد والسيادة
كما يعد ضربا لشعارها بان التطبيع معها يجلب الامن والرخاء فإذا ما ارادت التطبيع مع لبنان وجب عليها ان تحسن قطاعاته وهذا ما لا تريده لأنه سيؤثر سلبا على قطاعاتها لذلك انا لا ارى ان اسرائيل تريد التطبيع مع لبنان الا بعد ان تنتهي من التطبيع مع الدول العربية وبعد أخذها السيادة للقطاعات التي تسعى التفرد بها ومنها القطاع المصرفي والتجاري .
وبذلك وفي ظل التخاذل الحاصل والازمات المفتعلة والانهيار الشامل والتخلي الدولي عن وطننا الجريح ،هذا المجتمع الدولي الذي دعم اللاجئ في وطننا وترك المواطن الاصلي للجوع والفقر والعوز ،علينا جميعا كشعب واحد ان نعي ان لا امل لا في الداخل ولا في الخارج بل الامل الذي يكاد ان يكون وحيداً هو التكافل الاجتماعي فيما بيننا وتوحيد جهود ابناء هذا الوطن والوقف صفا واحد بقلب محب والا فإننا هالكون جميعا.
دمتم على امل المحبة …