الرئيسية / محليات / لتكن العربية لغة رسالة للعالم

لتكن العربية لغة رسالة للعالم

مجلة وفاء wafaamagazine

يذكِّرنا اليوم العالمي للغة العربية في 18 كانون الأول بأهميتها، جمالها، غناها ورصانتها وعزمها ووسع انتشارها البشري والجغرافي.

هي كنزٌ إنساني تكوَّنت ونُحِتَت وصقلت بآلاف السنين، محتكة بالحبشية ومتفاعلة مع بنات عمها من اللغات الساميّة العبرية والفينيقية والآرامية المتحدّرة جميعاً من الأقدم؛ الكنعانية والبابلية والأكادية وغيرها. ونجد آثاراً ساميّه في اللغات الأوروبية في كلمات متشابهة مع اللغة العربية.

وما يزيد من أهميتها، أنّ العديد من اللغات كالمالطية والتركية والفارسية والأوردية والكردية والإسبانية وغيرها كثير، أخذت بعد الاسلام كماً كبيراً من مفرداتها، وأصبح من صلب لغاتها، إنّها حقاً لغة عملاقة. لها ميزات لو اطلع عليها ايٌ كان لوجدها رائعة وأحبها وهي:

إنّ حروف وكلمات هذه اللغة تصويرية، فإذا نظرنا إلى صفحةٍ مكتوبة باحثين فيها عن كلمةٍ أو اسمٍ ما، فلسوف نلحظها في ثوانٍ لرسمها المميَّز. هذا الرسم ألهم الخطّاطين على إنزاله بلوحات جميلة.

إنّها لغة الاختزال وتوفير الحروف والأسطر في الكتابة، تستعيض عن الحروف الصوتية الخفيفة، بالحركات التي يكتبها التلميذ عند بداية تعلّمه القراءة والكتابة، ويستغني عنها لاحقاً كي يستعملها فقط عند لزوم التمييز.

إنّها ثلاثية الجذور، فهي لغة اشتقاقٍ بلا حدود، تؤدي الكلمة المشتقة المعنى الأقوى تعبيراً، ويستطيع الكاتب البارع إن اضطر، أن يبتدع كلمة كي تؤدي المعنى الدقيق. فالباب مفتوح للاشتقاق على الدوام، دون استئذان من القواميس والمراجع وأئمة اللغة.

إنّها لغة شعرية رنانة، فالأوزان من جهة، ثم الضمائر والتنوين والجمع والتثنية في نهاية الكلمات، هي ميّزات تخدم الشاعر وتحرّره من القيود، فلا تأتي أفكاره وشعره اسيرة حروف وكلمات القافية المتطابقة، بل على العكس، يكون الشكل هو المطواع لمضمون شعره وأفكاره.

لهذه الصفات، ندعو شبابنا اللبناني والعربي، الذي حسناً فعل وتعلّم لغات أخرى، الّا يهمل لغته، وأن يعيد الإطلاع عليها والتعرّف على جمالها وغناها وقوة تعبيرها، ومن ثَمَّ استعمالها وكتابتها بشكلٍ سليم، بعيداً عن تهجينها بالحرف اللاتيني بطريقة معاقة، إذّذاك يسهل عليه مراجعة كنوز كتبها .

لقد آن الأوان، ونحن في زمن ثورة الاتصالات ونهل المعلومات، أن يترجم الانسان العربي في الاتجاهين كي يَسمَعَ ويُسمَعْ. آن له أن يُصغي بلغته الجميلة إلى ما يقوله الغرب السائر ببنيان هرم الحضارة الإنسانية، ويُسمِعه أيضاً ما قاله فطاحل الفكر العربي على مرّ القرون حتى اليوم، في العلوم والأدب والفلسفة واللاهوت، أولئك الذين ما زالوا يساهمون في بناء ذلك الهرم. حان أن يلفت مثقفونا انتباه الغرب، إنّها لغة سلام في صلاة المسلمين ولغة الكنائس وترانيمها في البلدان العربية، ويدلّوهم إلى ما حملت كتابات المفكّرين العرب، منذ عصر النهضة وحتى الآن، من قيم إنسانية رفعتهم إلى أعلى المراتب.

إنّ الروح العربية الأصيلة والعقل العربي المنفتح، اللذين هما خلاصة هذه الأرض، مؤهَّلَان أن يرفعا من شأن لغتهما كي تصبح لغة عالمية، ليس بالإسم فقط، بل بالفعل والممارسة أيضاً، وتكون حينها لغة رسالة سامية إلى العالم كله.