مجلة وفاء wafaamagazine
تكثر التكهّنات حول السياسات التي تعتزم الإدارة الأميركية المقبلة اتّباعها تجاه كوريا الشمالية. وفيما يحذِّر البعض من أن تكون نسخةً من تلك التي سادت فترتَي باراك أوباما، يرى آخرون أن جو بايدن سينتهج مساره الخاصّ في هذا الملفّ. وإذ تُبدي بيونغ يانغ حذرها من «عدوٍّ» ما انفكّ يخالف وعوده، فهي تتهيّأ تالياً للسيناريوات كافة، حتى العسكرية منها
فصلٌ جديد من فصول العلاقات المشحونة بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية، يُرتقب بدؤه مع تسلّم الرئيس الأميركي المنتخَب، جو بايدن، منصبه، ولا سيّما أن التصريحات التي أدلى بها الأخير أثناء حملته الانتخابية أظهرت تبايناً واضحاً؛ فمِن جهة، وجّه انتقادات كثيرة لنهج الرئيس المنتهية ولايته، دونالد ترامب، حيال الملفّ الكوري الشمالي، مبدياً «انزعاجه» من «دبلوماسية القِمَم» التي جمعت ترامب إلى نظيره كيم جونغ أون، ومتّهماً الأوّل بـ»الذهاب بعيداً» في التقارب مع الأخير؛ ومن جهة أخرى، أبدى انفتاحاً غلّفه بتعبير «الدبلوماسية المبدئية» لوصف سياسته التي يعتزم اتّباعها تجاه بيونغ يانغ.
سياسةٌ تتفاوت التقديرات في شأنها، لكنّها تجتمع على توقّع انتهاج بايدن مساراً مختلفاً تماماً عن ذاك الذي أرساه ترامب. فالإدارة الحالية كانت قد اعترفت سابقاً، على لسان المبعوث الخاص لشؤون كوريا الشمالية ستيفن بيغون، بفشل سياستها تجاه الجمهورية الشعبية، والتي انتقلت من مرحلة ذروة التصعيد في عام 2017، حين وصلت التهديدات بين البلدين إلى حافة حربٍ نووية، إلى مرحلة «دبلوماسية القِمَم» بين عامي 2018 و2019، قبل أن تجمّد في ما بعد جرّاء رفض واشنطن تقديم أيّ تنازل في شأن تخفيف العقوبات المفروضة على بيونغ يانغ مقابل تخلّي الأخيرة عن برنامجها النووي. وعلى رغم «التفاؤل» الذي جرى ضخّه على مدى السنتَين الماضيتَين، ومفاخرة ترامب، مراراً، بـ»علاقته الجيّدة جداً» مع كيم، لم يتمّ إحراز أيّ تقدّم، ليعود التوتر ويسود العلاقات بين الجانبَين في عام 2020.
يرى مراقبون أن وصول بايدن إلى الحكم يوحي بـ»العودة إلى الوضع التقليدي»
وعلى رغم غياب أيّ رؤية واضحة لدى بايدن إزاء هذا الملفّ، إلا أن الرئيس المنتخَب عمد إلى رفع السقف بوجه كوريا الشمالية مرّات عدّة، وخصوصاً حين أشار إلى أنه لن يعقد أيّ لقاء مع كيم «من دون توفّر مجموعة شروط». من هنا، يرى مراقبون أن وصول الرئيس الديموقراطي إلى الحكم يوحي بـ»العودة إلى الوضع التقليدي» بين واشنطن وبيونغ يانغ، إذ يلفت هؤلاء إلى أن بايدن ومستشاريه لمّحوا، في أكثر من مناسبة، إلى أن الأخير «ملتزم بالتحالفات المتعدّدة الأطراف (كوريا الجنوبية واليابان)»، وإلى أن سياسته «لن تتّضح قبل الاجتماع مع الحلفاء». كذلك، ثمّة توقّعات بتبنّي بايدن مقاربة رئيسه باراك أوباما (سابقاً)، والتي عُرفت هي الأخرى بـ»الصبر الاستراتيجي»، حيث استخدمت واشنطن سلاح «العقوبات والضغط» لدفع بيونغ يانغ نحو التخلّي عن «برامجها النووية». ولأن هذا المبدأ أثبت عدم نجاعته، ومنحَ كوريا الشمالية الوقت لتطوير قوّة نووية أكثر فاعلية، يُستبعد انتهاج بايدن لهذه الاستراتيجية، بالنظر إلى اختلاف ظروف حكم الرئيسَين. وفي هذا السياق، يرى معلّقون أن إدارة بايدن «قد تحاول تقليل العبء السياسي من خلال إجراء محادثات على مستوى فرق العمل»، لكن ليس في المرحلة الأولى التي يُتوقَّع أن تعطي الأولوية للقضايا الداخلية. ويتوقّع هؤلاء أن تركّز الإدارة المقبلة على «استعادة الثقة الدولية وتقوية تحالفات الولايات المتحدة مع الدول الأخرى أولاً». لكن احتمال إرجاء النظر في الملفّ الكوري الشمالي ليس محبّذاً من قِبَل المقرّبين من بايدن. بدا ذلك جليّاً من خلال تصريح مستشاره، كيرت كامبل، الذي رأى أن «أحد التحدّيات التي ستواجه الإدارة المقبلة هو اتخاذ قرار مبكر» يُحدِّد كيفية العمل إزاء هذه البلاد. وأضاف كامبل الذي شغل سابقاً منصب كبير الدبلوماسيين الأميركيين لشؤون شرق آسيا خلال فترة أوباما، إن «التأخير الذي حصل في عهد أوباما أفسح المجال أمام ممارسات استفزازية قامت بها بيونغ يانغ كادت أن تؤدي إلى الاشتباك»، حاثّاً الإدارة الجديدة على عدم الوقوع في تكرار ما سبق تجربته.
على المقلب الآخر، لا تبدو الرؤية داخل كوريا الشمالية أكثر صفاءً تجاه الولايات المتحدة. إذ إنه لم يصدر، حتى الآن، أيّ موقف رسمي في هذا الصدد. على رغم ذلك، ظلّت بيونغ يانغ، على مدى سنتين، ثابتة على موقفها ومطالبها من المفاوضات. وفي هذا الإطار، رفض مصدر دبلوماسي التعليق على نتائج الانتخابات الأميركية، معتبراً، في حديث إلى «الأخبار»، أن السباق الرئاسي «شأن أميركي داخلي». وعن نهج بايدن المحتمل تجاه كوريا الشمالية، أكّد المصدر أن «السلام هو المبدأ الثابت للسياسات الخارجية الكورية الشمالية»، وأن بيونغ يانع «تتطلّع دائماً إلى إقامة علاقات جيدة مع كل الدول»، مستدركاً بالقول: «لا نتسوّل السلام». ولدى سؤاله عن احتمال تطوّر الانجرار إلى نزاع عسكري، قال المصدر إن «هذا الخيار قد يكون وارداً على طاولة واشنطن»، مضيفاً إنه «يجب (على أميركا) أن تفكّر جيداً قبل اتخاذ قرارها العسكري… كوريا الشمالية باتت قوّة عسكرية عالمية تملك القنابل النووية والهيدروجينية والصواريخ العابرة للقارات وصواريخ الغواصات». أمّا بالنسبة إلى الالتزامات التي توصّل إليها كيم وترامب على طاولة المفاوضات، فرأى المصدر أن «الولايات المتحدة خالفت أولاً وعودها التي قطعتها»، متسائلاً: «لماذا تبقى كوريا متقيّدة بهذه الالتزامات؟». وربط الالتزام الكوري الشمالي بالاتفاق بـ»تغيير الولايات المتحدة سياستها العدائية تجاه بيونغ يانغ والالتزام بوعودها». كما شدّد على أن الشرط الأساسي لحوار كوري شمالي ــــ أميركي هو «إلغاء السياسات العدائية الأميركية تجاه بيونغ يانغ، بما فيها العقوبات القسرية الأحادية الجانب والتهديدات النووية والعسكرية».
ولناحية تأثير العقوبات التي تعيش كوريا الشمالية تحت وطأتها منذ نحو 70 عاماً، قال المصدر إن الكوريين الشماليين «معتادون جداً على العقوبات… ومن خلال المسيرة التي خاضتها البلاد، فقد تعلّموا عدة طرق للتغلب عليها». وأشار إلى أن «التقنيات التي طوّرتها بيونغ يانغ والموارد الذاتية كانت كفيلة بالتغلّب على كلّ آثار الحصار الاقتصادي»، مؤكداً أن القوة العسكرية الكورية الشمالية «جرى تطويرها وسط الحصار القاتل». وعن العلاقة بين كوريا الشمالية و»الجنوب»، والتي كانت قد تحسّنت بشكلٍ كبير بعد لقاءات عدّة جمعت كيم إلى نظيره الكوري الجنوبي، مون جاي إن، رأى المصدر أن «معارضة الولايات المتحدة للسياسات التي اتّبعها مون جعلته ينسحب من كل الوعود التي قطعها للمضيّ قُدُماً في تطوير العلاقات بين الشمال والجنوب».
الاخبار