مجلة وفاء wafaamagazine
أقامت حركة “مواطنون ومواطنات في دولة” ندوة حول مشروعها الاقتصادي الصادر بكتاب بعنوان “اقتصاد ودولة للبنان”، في منتدى حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في الميناء- طرابلس.
في البداية، رحبت عضو الحركة ناريمان الشمعة بالحضور، ثم قالت: “نلتقي اليوم في ظروف بالغة الصعوبة سبق أن حذرنا منها كمواطنين ومواطنات في دولة. فمنذ أكثر من عامين حذرنا من الانهيار وأطلقنا وثيقة اقتصادية لتدارك الوضع. وفي أيار 2019 التقينا في الرابطة الثقافية في طرابلس، وحذرنا من تبخر الودائع والصناديق النقابية ومخاطر شح الدولار والمواد الأساسية، ودعونا للخروج من الاعتراضات الفئوية إلى تنظيم قوى اعتراضية لمواجهة السلطة وإنقاذ البلد، وحدث للأسف ما كنا نحذر منه ولسنا سعيدين بذلك، ولكنه الواقع. واليوم نلتقي لنتحدث عن مشروعنا الاقتصادي ونضع بين أيديكم كتاب “اقتصاد ودولة للبنان” لمؤلفه أميننا العام الدكتور شربل نحاس مع عدد من الرفاق، وهو يتضمن جردة عن الإرث اللعين ليبين كيف وصلنا إلى هنا، وكذلك كيفية الخروج من المأزق”.
كبارة
ثم تحدث رئيس المنتدى الدكتور نواف كبارة: “في مرحلة التغيير الاقتصادي والسياسي لا بد من طرح المشروع الاقتصادي الذي ينسجم مع الهدف السياسي ألا وهو إقامة الدولة المدنية. هذه الدولة التي يجب أن يشكل خطابها بديلا لخطاب السلطة القائم على تحالف البرجوازية بطابعها المالي مع المنظومة الإقطاعية السائدة في الكثير من المناطق اللبنانية. من هنا فإن التناقضات التي تنتجها هذه السلطة ليست هي نفسها في المناطق اللبنانية كافة، مما ينعكس أيضا على بنية قوى التغيير وديناميكيتها. من هنا فإن ما نشهده من بعثرة في القوى التغييرية قد يكون طبيعيا بمعنى أن هناك حركية سياسية من التفعيل والتفاوض بين مختلف الفئات الاجتماعية صاحبة المصلحة في التغيير كجزء من عملية تنضيج حركة التغيير للوصول إلى خطاب جامع لحركة التغيير يكون قادرا على إنشاء أكبر تكتل مجتمعي مناوئ للسلطة على امتداد الأراضي اللبنانية”.
نحاس
بعد ذلك تحدث الأمين العام ل”حركة مواطنون ومواطنات في دولة” شربل نحاس، فقال: “في العام 1996، كانت احتياطات مصرف لبنان قد قاربت الصفر، فبدأت حينها عملية ضخمة بنتائجها وهي اختراع الدولار اللبناني من خلال قيام الدولة بالاقتراض من البنوك بالدولار عبر مصرف لبنان. واكب ذلك سلسلة من العمليات مثل وقف الاستثمارات وتجميد الأجور ووضع اليد على الاتحاد العمالي العام من خلال زمرة من الأتباع. وفي العام 1998، لم يقر مشروع الموازنة لأن الحالة كانت قد أصبحت خربانة وانتهت. ونظرا للظروف المأساوية الإقليمية التي كانت سائدة في حينه، لم يكن المجتمع الدولي على استعداد أن ينهار الوضع في لبنان، فأتى بمؤتمر باريس 2 الذي مدد أجل المنظومة المالية السياسية الطبقية لفترة طويلة وصلت حتى العام 2015. وفي ظل عدم انعقاد مجلس النواب لانتخاب رئيس للجمهورية، قام مصرف لبنان بما أسماه هندسات مالية، وهي استخدام المال العام والاحتياطي الإلزامي القليل المتبقي بغية رشوة المصارف من أجل جلب ودائع بالدولار وشراء سندات يوروبوند. هذا إجراء لا تقوم به إلا دولة أو مؤسسة مفلسة وهو عمليا ليس رهنا لما تملك، وإنما رهن لما لا تملك، لاستكمال عملية الترميم البائسة. وصولا إلى العام 2018 حيث انتهت مفاعيل الهندسات المالية وطار أكثر من 5 مليارات، فزادت مديونيتنا تجاه الخارج، قاموا بعملية ترميم ثانية لاعتبارات خاصة بدولة فرنسا التي كانت تهدف الى تعزيز دورها بالمنطقة بعد أن خابت رهاناتها في ليبيا وفي سوريا، فأتوا بمؤتمر سيدر الذي انعقد قبل أسبوعين من الانتخابات النيابية التي ما كانت لتجري لو لم يطمئن الزعماء الستة إلى نتائجها مسبقا، ولو لم يتفقوا مسبقا على الحكومة التي سوف تلي الانتخابات النيابية وموعدها وتركيبتها. في هذا الوقت، وهذا ما لا يعرفه الكثيرون، أصدر مصرف لبنان ما يزيد عن ستة مليارات دولار يوروبوند مراهنا على قدرته على بيعها إلى ممولين خارجيين لتأجيل السقوط”.
أضاف: “استباقا للأمور، أنشأنا حركة مواطنون ومواطنات في دولة في العام 2016، لأننا كنا على يقين بأن عمليات الترميم هذه كانت الصراع الأخير. لم نخض الانتخابات البلدية أو النيابية ليكون لنا عضو في مجلس، وإنما من أجل جمع شمل القوى حول مشروع سياسي. ولمعرفتنا بأن الانهيار المقبل كبير جدا، ولأنه ليس فقط انهيارا ماليا وإنما انهيار للمجتمع ككل، أنذرنا وأبلغنا خلال عهود الحكومات السابقة، كما أطلقنا في العام 2018 وثيقة اقتصادية موجهة إلى الزعماء الستة ومصرف لبنان وجمعية المصارف وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي وصولا إلى سفراء الدول الخمس الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن. وقد كان التجاوب بالجلسات الخاصة متقدما جدا، أما على المستوى العام فلا شيء. كذلك في تشرين الثاني 2019، قدمنا طرحا محددا وواضحا لإدارة الإرث اللعين، من خلال دولة مدنية فعلية لديها شرعية واثقة تدرك كيف تتعامل مع الخارج ولديها المعرفة والجرأة عند توزيع الخسائر، لطي 40 عاما من الأخطاء والتمديدات والمراهنات الفاشلة، والحرب من جملتها، ولعدم الانجرار إلى تمزيق بالعمق لمجتمعات المنطقة كلها ومنع تحويلها لساحة حرب بالواسطة بين أطراف دوليين وإقليميين. التدخلات الخارجية أكيدة، من أميركا إلى تركيا وإيران وغيرهم، فهذه الدول تعمل لمصالحها، أما نحن فليس لدينا دولة وإنما مجموعة مكونات متهربة من المسؤولية لأنها عاجزة. خاطبناهم بكل وضوح وطرحنا فرض التفاوض على تنظيم انتقال سلمي للسلطة لإدارة المرحلة الانتقالية ببرنامج محدد وواضح معزز بالمصداقية. لكن التجاوب إلى الآن غير كاف، رغم أن أهل السلطة يؤكدون أننا على حق في ما نسعى اليه، ولكن لا أحد منهم لديه الجرأة للإعلان عن بدء التفاوض. وأصبح كل منهم يستعير كلماتنا حول الدولة المدنية والمرحلة الانتقالية وتوزيع الخسائر، وهم عاجزون فعليا عن مواجهة الخيارات المختلفة، أو تصور مواجهتها”.
وتابع: “نعم، لقد طرحنا فرض التفاوض ولا يمكننا القفز فوق هذه المرحلة التي تعتبر الأكثر منطقية، لأنه إن لم يرتضوا التفاوض قد نذهب إلى مراحل أصعب وكلف أكبر، وجميعنا يعلم كيف تكون الحرب إن بدأت. لذا دعونا وندعو الى الانتقال إلى موقع المسؤولية، والمسؤولية هنا تعني إدارة البلد في هذا الظرف اللعين لأن المظاهرات وحدها غير كافية على أهميتها. نحن نسعى وبكل وضوح إلى أن نجمع من يلاقينا على الهدف لاستلام السلطة وإدارة المرحلة الانتقالية لأن ما تقوم به هذه السلطة هو تبديد المجتمع بالهجرة أو بالحرب أو بالاثنين معا لتبقى هي قائمة بشكلها الحالي على أمل ترتيب خارجي على شكل اتفاقي الطائف أو الدوحة”.
وختم نحاس: “أما بشأن طرابلس، فهناك ما يستحق التوقف عنده، ويتعلق بإعادة تشكل المنطقة، وقد تحولت خلال الحرب وبعدها إلى تجمع سكاني كبير، أكبر بكثير من الوظائف الاقتصادية التي تبرر وجود مدينة بهذا الحجم بحكم المناطق التي تستقطبها والتموضع التاريخي والحروب الداخلية والخارجية. أحدث كل ذلك شرخا بداخل طرابلس التي أصبحت فعليا مدينتين إلى جوار بعضهما البعض تعيشان على هامش البلد. إن التهميش الذي تعاني منه طرابلس سابق لما يحصل على صعيد المنطقة ككل ولما يجري في لبنان. وما تتميز به طرابلس، وهذا كنز، هو عدم وجود روابط العشائر والعصبيات وهو ما ينتج تنظيمات طائفية تنتج زعيما. وهذا يستدعي عدم الارتضاء بالتهميش والانجرار للإنزواء، ما يعطل كل الطاقة التي يمكن أن تؤديها طرابلس بالمواجهة على صعيد لبنان وعلى صعيد المنطقة كلها، لا أن تكون بموقع المتفرج أو الضحية”.