مجلة وفاء wafaamagazine
تحت عنوان ” حاكم «المركزي» يعلن وقف تثبيت سعر صرف الليرة”
كتب علي زين الدين في صحيفة “الشرق الأوسط”
” أحدثت تصريحات حاكم ««مصرف لبنان»، رياض سلامة، عن انتهاء عصر تثبيت سعر صرف الليرة إزاء الدولار دوياً «صوتياً» في أسواق القطع الموازية، من دون تأثير في مجرى المبادلات النقدية (البنكنوت) القريبة من عتبة 9 آلاف ليرة لكل دولار، أي ما يماثل نحو ستة أضعاف السعر الرسمي المعتمَد.
لكن إطلاق الصافرة الرسمية لتعويم النقد الوطني، ومن قبل سلامة بالذات، وبوصفه صانع استراتيجية تثبيت سعر الدولار عند مستوى 1515 ليرة والمدافع الشرس عنها على مدى ولاياته المجددة أربع مرات، منذ انتهاء ولايته القانونية الأولى، صيف العام 1999. يمثل تحولاً نوعياً في استجابة السلطة النقدية مسبقاً، ولو بالتقسيط، لحزمة الشروط التي يضعها ««صندوق النقد الدولي»، وربما إزالة صاعق واحدة من «القنابل الموقوتة»، التي طالما تجنبتها الحكومات المتعاقبة.
وفيما تتوجس مصادر مالية ومصرفية بأن يكون البلد قيد فقدان «التوقيت» المناسب لفرصة الإنقاذ الحقيقي بفعل الملف الحكومي الشائك، ويكون التصريح المستجد بمنزلة «تبرئة الذمة»، يعتقد مسؤول مالي كبير بأن تحسس حجم المخاطر المرتفعة المقبلة على لبنان خلال الأمد القريب يوجب خروج أصحاب القرار من حالة الإنكار السائدة، والإقرار بأن البلاد في عين العاصفة وبأن المقاربات المحكومة بخلافات القوى السياسية ومناكفاتها، ضاعفت من سرعة تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية إلى حدود استهلاك كامل لمخزون «المسكنات» التي تم تبديدها في معالجات خاطئة وسطحية.
ويشير المسؤول المالي إلى أن تعويم النقد وإعادة النظر بآليات الدعم التمويلي للاستهلاك، يشكل محاولة تصحيح، وأن جاءت متأخرة للغاية، يؤمل تفعيلها بعد تأليف الحكومة العتيدة لخيارات استراتيجية منحرفة، وإظهار نية الاستجابة لمطالب المجتمع الدولي ولروحية المبادرة الفرنسية في الشقين التشريعي والتنفيذي، والتي دشنها مجلس النواب بفتح باب التدقيق الجنائي من قبل مؤسسة دولية في حسابات الدولة والبنك المركزي، عبر تعليق فعالية العوائق القانونية التي يفرضها قانونا السرية المصرفية والنقد والتسليف.
ويستدل المسؤول في حديث لـ ««الشرق الأوسط» بتبديد نحو 6 مليارات دولار من احتياط العملات الصعبة لدى البنك المركزي على تمويل الدعم الاستهلاكي، خلال العام الماضي. وهو رقم يوازي وربما يفوق ما يتطلع إليه لبنان عبر البرنامج التمويلي المأمول مع صندوق النقد. بينما تظهر البيانات الموثقة لدى الحكومة والمؤسسات المالية الدولية أنه بالإمكان صرف نحو 2.4 مليار دولار سنوياً لإيصال الدعم إلى مستحقيه وسد ثغرات التهريب والاحتكار، وذلك عبر آلية المعونة النقدية البديلة إلى نحو 500 ألف أسرة لبنانية وبمعدل 400 دولار شهرياً، وبالتالي تحقيق وفر يقارب 3.6 مليار دولار.
ووصل احتياط البنك المركزي إلى مستويات محرجة تقل عن ملياري دولار قابلة للاستخدام، وفقاً للميزانية الموقوفة، بنهاية العام 2020. كما سجل ميزان المدفوعات عجوزات قياسية مثيرة على المستويات الشهرية لتصل الحصيلة التراكمية إلى 10.2 مليار دولار في نهاية شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2020. ولم تكن مؤشرات القطاع المصرفي بحال أفضل، وفق بيانات مالية رصدتها ««الشرق الأوسط»، حيث تقلص إجمالي الأصول بنسبة 27 في المائة خلال 12 شهراً، من نحو 260 مليار دولار إلى نحو 190 مليار دولار في نهاية الشهر الحادي عشر.
وبدا أن استدراك الحاكم وتوضيحه ربط التعويم بعقد اتفاق مع «(صندوق النقد)، ينسجم مع رؤية الأخير الذي منحه وصف ركيزة الاستقرار المالي والكيان الحارس لنظام سعر الصرف»، إنما نبه إلى أن هذه السياسة النقدية تجيء على حساب تكثيف الروابط بين البنوك والمالية العامة، وإثقال كاهل ميزانيته العمومية. فعلى مدار السنوات القليلة الماضية، وفرت العمليات النقدية التي يقوم بها (مصرف لبنان) عائدات حدية كبيرة بالليرة اللبنانية على الودائع الجديدة للبنوك بالدولار لدى المصرف. وأدى ذلك إلى زيادة حيازات المصرف بالدولار، دون التأثير على أسعار الفائدة على الودائع القديمة لديه، وعلى الدين الحكومي. كذلك ساعدت هذه العمليات البنوك على تقديم أسعار فائدة مرتفعة لمودعيها، بهدف جذب تمويل جديد، أو الاحتفاظ بالتمويل القائم، مع المحافظة على ربحيتها”.
بالتوازي، وفي تنبيه جديد إلى خطورة الأوضاع السائدة وضرورة التحرك، نوه البنك الدولي بانحدار لبنان إلى درجة عدم اليقين الكبيرة، وأزال ترتيبه عن لائحة ترقباته لما بعد عام 2021 الحالي، الذي توقع أن يشهد انكماشاً إضافياً في نمو الناتج المحلي بنسبة 13.2 في المائة، معطوفة على نسبتي 19.2 في المائة و6.7 في المائة خلال العامين السابقين، مبرراً خطوته بكثرة التحديات، كالأزمتين الاقتصادية والسياسية، ووباء (كورونا)، وانفجار مرفأ بيروت والتعثر في دفع الدين السيادي للمرة الأولى في التاريخ، ومستوى التضخّم العالي، وانهيار العملة الوطنية.
ويغيب لبنان أيضاً عن لوائح الترقبات الاقتصادية التي يصدرها «صندوق النقد الدولي»، تحت ذريعة «الضبابية» التي تكتنف المؤشرات للفترة المقبلة. فيما توقع الصندوق أن يسجل البلد انكماشاً سلبياً في نمو الاقتصاد بنسبة 25 في المائة في عام 2020، معززاً التراجع المحقق بنسبة 6.9 في المائة في عام 2019. وورد في تقرير الصندوق أن «التوقعات للفترة الممتدّة بين عام 2021 وعام 2025 غير متوفرة نتيجة الضبابية حول الأوضاع الاقتصادية للبلاد».