مجلة وفاء wafaamagazine
للمرة الأولى منذ اعتزال المدرب الأسطوري «السير» الاسكوتلندي أليكس فيرغيسون، يقف مانشستر يونايتد في صدارة الدوري الإنكليزي الممتاز. أمرٌ لافت بلا شك، لكن الأسئلة المطروحة كثيرة، وعلى رأسها هل عاد «الشياطين الحمر» إلى سابق عهدهم، أم أن تطوّرهم محدود ولن ينتج أيّ كؤوس؟
كانت المرة الأخيرة في موسم 2012-2013. عامذاك احتفل مانشستر يونايتد بلقبه الـ 20 في الدوري الإنكليزي الممتاز لكرة القدم، لكنه ودّع صانع أمجاده أليكس فيرغيسون الذي ترك فريقاً قوياً، لكنه سرعان ما تشرذم وسجّل تراجعاً موسماً بعد آخر حتى أصبح اليونايتد خارج الترشيحات للّقب بشكلٍ منطقي وكذلك كلاسيكي.
لكن اليوم تغيّرت الأمور بعض الشيء، وتحديداً بعد عامين على تسلّم النروجي أولي غونار سولشاير القيادة الفنية لفريقٍ لم يرضِ عشاقه أي أداء أو نتائج ولا حتى تلك الكأس الأوروبية (يوروبا ليغ) التي كانت آخر لقبٍ يحمله، وذلك عام 2017 مع المدرب البرتغالي جوزيه مورينيو.
الأخير كان طبعاً أكثر خبرة من سولشاير الذي جاء تعيينه مفاجئاً في ظل حاجة مانشستر يونايتد الى مدربٍ خبير يعيد بناء الفريق، لا الى مدربٍ يحتاج الى وقت للتعرّف على الأرضية وإلى صبر القيّمين لتحقيق النتائج الإيجابية.
هنا، شرع سولشاير في السير بين الألغام، فعمل على صرف حوالى 250 مليون جنيه استرليني لسدّ الفراغات، لكنه رغم ذلك لم يرتقِ بمانشستر الى ما هو مأمول منه. أما ما صنع الفارق هنا فهو إعطاؤه الفرصة تلو الأخرى لتنفيذ مشروعه، وهو الذي حتى هذه اللحظة لم يصل الى النسبة التي حققها مورينيو في ما خصّ الانتصارات، والذي كان أفضل المدربين الذين تعاقبوا على اليونايتد منذ اعتزال «فيرغي» إذا ما تطرقنا الى لغة الأرقام.
في المقابل، رأى الجمهور في سولشاير أنه نسخة عن الاسكوتلندي ديفيد مويز، فهما لم يتمكّنا من جلب أي كأس الى «أولد ترافورد»، لكن الواقع أن يونايتد تغيّر مع «البديل السوبر» السابق للفريق الذهبي الذي أحرز ثلاثية تاريخية عام 1999. ففي عمله، قام سولشاير بعملية تغيير تدريجية، ليبعد صفة الملل التي أُلصقت بالفريق أيام مورينيو أو الهولندي لويس فان غال، وليعيد شيئاً من الأيام الخوالي حيث أمتع اليونايتد بأسلوبه الهجومي، معتمداً بشكلٍ أساسي على الهجمات المرتدة التي تعدّ سلاحه الأقوى.
لكن هذا الأمر لم يكن ليتحقق لولا عمل النروجي في مجال تمكين الدفاع، رغم المشكلات الكثيرة التي واجهها بسبب تذبذب أداء العديد من مدافعيه، وعلى رأسهم المدافع الأغلى في العالم هاري ماغواير. المهم أن يونايتد أظهر بوادر جيّدة على هذا الصعيد منذ الموسم الماضي، حيث اهتزت شباكه ثلاث مرات أكثر من ليفربول البطل. وبعد العمل على تحسين الدفاع، كان سولشاير يعمل على إعادة الثقة للاعبين انتُقدوا في فترةٍ من الفترات مثل ماركوس راشفورد والثنائي الفرنسي أنطوني مارسيال وبول بوغبا. الأخير كان فعلاً «وجع الرأس» الدائم بفعل الكلام الكثير المتداول يومياً حول رحيله عن النادي. هي مسألة لم تكن لتثير القلق قبل أشهرٍ قليلة لأن بوغبا لم يقدّم المطلوب منه، قبل أن تنفجر موهبته أخيراً ويصبح لاعباً لا غنى عنه إذا ما أراد اليونايتد المنافسة على الألقاب.
أما أهم شيء فعله سولشاير وإدارة النادي البطيئة في سوق الانتقالات، فكان استقدام النجم البرتغالي برونو فرنانديش في مطلع السنة الماضية. هذا اللاعب بدّل من وجه الفريق وجعل استحواذه أكبر بكثير، فبات لا يقهر عندما يتفوّق في هذا المجال. صفقةٌ تؤكد مرّة جديدة أن الفريق الإنكليزي العريق يمكن أن يكون أقوى بكثير لو أصاب نجاحات في السوق الصيفية تحديداً، حيث فشل في التعاقد مع النجم الشاب جايدون سانشو الذي كان ليشكل إضافةً هجومية كبيرة ويعيد يونايتد الى ما بدا عليه قبل 7 سنوات أو أكثر.
وهنا يمكن تبرئة سولشاير الذي لم يطلب الكثير من اللاعبين المقدّرين بمبالغ عالية، فكان الاسم الأبرز أخيراً الهولندي دوني فان دي بيك الذي وجد فيه اللاعب القادر على تمتين مسألة اللعب الجماعي التي غابت لمواسم عدة ومن ثم عادت مع سولشاير الذي عمل جاهداً على تنقية أجواء النادي وتذليل مشاكل النجوم، ومنح الفرصة لأولئك الذين يحملون «الحمض النووي» من أكاديمية النادي، وذلك على غرار ما فعل عندما منح مثلاً الشاب سكوت ماكتوميني شارة القيادة، في إشارةٍ منه الى عدم تفضيله أي اسم كبير على اسم لاعب مجتهد.
هو يحضّر المزيد طبعاً، فقدوم العاجي أماد ديالو من أتالانتا من شأنه أن يضيف حجراً إضافياً لفريق المستقبل، رغم أن الفارق لا يزال يصنعه أحياناً أصحاب الخبرة أمثال الهدّاف الأورغوياني إدينسون كافاني. وهذه المسألة تحديداً كانت حاضرة في فلسفة فيرغيسون الذي كان يعشق التعاقد مع الشبان وتطويرهم، لكن من دون إهمال دور المخضرمين القادرين على حسم المباريات.
وعند هذه النقطة يمكن التوقف، إذ إن مانشستر يونايتد استفاد بلا شك من الضربات التي تلقاها ليفربول، ومن تراجع مانشستر سيتي، ومن عدم ارتقاء تشلسي الى المستوى المنتظر منه، ومن تذبذب مستوى توتنهام هوتسبر. لكن الأهم هو أن يثبت فريق سولشاير أنه يستطيع هزيمة هؤلاء الكبار إذا ما أراد كسر أطول سلسلة له بلا ألقاب منذ الثمانينيات، وإذا ما أراد مدربه الاحتفاظ بمنصبه، إذ في نهاية الأشهر الستة المقبلة لن يكون النروجي في منأى عن الإقالة إذا أنهى موسماً آخر من دون أي كأس.