مجلة وفاء wafaamagazine
افتتح مختبر الأنثروبولوجيا في معهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية، باكورة نشاطاته العلمية، برئاسة منسقة المختبر البروفسورة لبنى طربيه، بندوة عن “الهوية السارية”، في حضور عميدة المعهد البروفسورة مارلين حيدر، رئيس مركز الأبحاث في المعهد البروفسور حسين أبو رضا وطلاب من مختلف الاختصاصات.
شمس الدين
أدارت الندوة مسؤولة الإعلام في مركز أبحاث معهد العلوم الاجتماعية وعضو مختبر الأنثروبولوجيا في المركز الدكتورة ليلى شمس الدين، واستهلتها بالترحيب بالحضور، ومن ثم بالتقديم لكل من المتحدثين والمتداخلين في الندوة التي نظمتها مسؤولة المعلوماتية في المركز الدكتورة سحر مصطفى عبر منصة CRSS-UL – MS Teams.
حيدر
ثم تحدثت حيدر، ورحبت بالضيف الباحث الدكتور علي الديري، وأثنت على جهود أبو رضا، وحرص طربيه لتقديم المواضيع المهمة والهادفة من خلال الأنشطة العلمية والثقافية المميزة.
وأكدت أن “مختبر الأنثروبولوجيا يناقش اليوم موضوعا بغاية الأهمية، وهو موضوع الهوية الذي يستحضر على بساط البحث، ونستشعر بأهمية هذا الطرح خصوصا عند خطر فقداننا لها، وعند اهتزاز علاقتنا بها”، معتبرة أن “الحديث مع متخصصين بهذا المجال لا شك يشكل غنى معرفيا”.
أبو رضا
بدوره، أشار أبو رضا إلى أن “الرؤى المعرفية وأهدافها الواسعة التي تقوم عليها رسالة مركز الأبحاث، بحاجة لدراسات معمقة لمختلف الظواهر الاجتماعية داخل المجتمع اللبناني، تبدأ من الهوية الفردية والانتماء الوطني، وتقارب مدى التفاعل بين أفراد المجتمع واندماجهم فيه”، معتبرا “أن هذه الدراسات يجب أن تكون علمية مرتكزة على النظريات الاجتماعية التي تراكمت عبر التاريخ، وضمن البنى والنظم الاجتماعية داخل الحقل المجتمعي”.
وقال:” تعتبر الأنثروبولوجيا من العلوم الأساسية والمهمة في دراسة المجتمعات من خلال أبعادها التنموية، والثقافية، والسياسية، والتربوية، والحضرية، والعادات ونظم القرابة وغيرها ومن مفاهيم التضامن والاندماج والتفاعل والهوية”.
وأشار الى “أنه منذ بواكير الفكر الفلسفي، ارتبط مفهوم الهوية بأمور ومجالات متعدّدة، ضمن أشكال متنوّعة يمكن تضمينها في مسارين، الأول: جوهراني يستند إلى الإيمان بحقائق جوهرية، وبماهيات ساكنة وأصيلة في آن. والثاني: وجودي يرفض الاعتراف بوجود اختلافات نوعية مسبقة ودائمة بين الأفراد. بل يرفض الاعتراف بتبدل هذه الاختلافات وتحولها على مدى التاريخ الجماعي والفردي”.
وتناول المقاربات الحديثة لمفهوم الهوية في خضم النكبات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، معتبرا أننا “نعيش اليوم لحظات مفصلية، ولدت أنماطا جديدة من تحولات اجتماعية واخلاقية، ومست الرابط الاجتماعي والأصالة والهوية. الأمر الذي ألح على الانثروبولوجيين العمل على تفسيرها بالاعتماد على براديغمات جديدة متجاوزين تناقضات الرأسمالية وديناميتها الخاصة والنظريات الاجتماعية المتصارعة وبالتالي أصبح مفهوم الهوية محط تساؤل من خلال الحداثة وتأثيراتها على الأفراد وانتماءاتهم الثقافية والأيديولوجية والاجتماعية”، معتبرا “أن اهمية هذه الدعوة وهذه الندوة ترتكز على إماطة اللثام حول بعض الأفكار المتعلّقة بالهوية السارية”.
طربيه
اما طربيه فأشارت الى أن ” اللقاء هو انطلاق لعمل مختبر الأنتروبولوجيا لهذا العام، ونحن نسعى الى تفعيل العمل البحثي عبر تشجيع الاتجاهات البحثية المختلفة للأساتذة وتبني مشاريعهم مقدمين الدعم بحدود ما تتيحه لنا إمكانيات المختبر”.
وأكدت “السعي لدعم التطور المعرفي للباحثين والطلاب من خلال مختبر الأنثروبولوجيا، عبر استضافة باحثين من العالم العربي وغيره، من الذين ينجزون أبحاث ودراسات انثروبولوجية تستهدف العالم العربي بشكل عام، ولبنان بشكل خاص، بهدف المساهمة في التشارك المعرفي كما إلى إرساء ثقافة التبادل العلمي بين الباحثين بهدف دعم الإنتاج المعرفي”.
واعتبرت أن للطلاب أيضا نصيبهم الوافر في خطة عمل المختبر، إذ نهدف إلى تحفيزهم من خلال إشراكهم في الأعمال البحثية التي يقوم بها أساتذة المختبر، والتي سنستهلها قريبا بعمل بحثي حول ذاكرة المدينة”، وتوقعت تحول مختبر الأنثروبولوجيا إلى خلية فاعلة تستطيع رفد الطلاب بالمعرفة والتقنيات المرتبطة بالأنتروبولوجيا”.
وختمت معتبرة أن “الإشكالية الأساسية في المقاربات الأنثروبولوجية للهوية كمنت في مقاربتها للهوية كمصدر للحمة الاجتماعية، أو حتى كمصدر للنزاعات”.
الديري
من جهته اعتبر الديري أن “مقاربته موضوع الهوية ينطلق من مفهوم الهوية السردية، أو الهوية القصصية عند المفكّر والفيلسوف الفرنسي بول ريكور، ملخصا ما كتبه ريكور عن أن الهوية هي محاولة للتعريف عن الإنسان نفسه، أو تعريف لجماعته، وبالتالي عن تعريف وجوده في هذا العالم”، مشيرا “إلى أن هذا المصطلح لفت انتباهنا إلى أن هذا الإنسان يستعين بالسرد، بالقصة وبالحكاية، فهو يضع دائما تعريفه إلى نفسه في شكل حكاية. فإذا ما استطعنا أن نحلل هذا السرد، ونحلل حبكة هذه القصص فسنفهم هوية هذا الإنسان، سنرى كيف ينظر إلى هذا العالم، وكيف يفسر وجوده فيه، وكيف يفسر علاقته بالكون، وكيف يفسر علاقته بالإنسان الآخر، وبالجماعات الأخرى وبالتاريخ الذي يعيشه، وبالتالي أمدتنا هذه الفلسفة بمفتاح مهم جدا لنفهم البشر والجماعات”.
وتناول الهوية السارية عند ابن عربي، الذي وجد في عصره الاحتدام الطائفي والتكفير على أشده، مستعرضا “طرح ابن عربي الذي دعا من خلاله العلماء إلى فهم جديد للدائرة الإنسانية التي تشمل كل البشر من خلال ما سمي بوحدة الوجود في تأويل الأسماء الإلهية تأويلا يتسع للجميع”.
وقال:” نظرية ابن عربي في الأسماء الإلهية أراد من خلالها أن يستبدل القتل والحرب والتكفير والتخندق، بالقبول والاتساع والوسع. وبالتالي فهوية الإنسان لا بد وأن تكون متغيّرة ومتحوّلة ومنبسطة ومتسعة وغير منقبضة في آن ليتحقق وجود الإنسان الفاعل. فالهوية المتحققة مختلفة لأن تجلياتها متغيرة، وهي تتجلى بحسب طاقة الإنسان، وبحسب ما يملكه الإنسان. فالإنسان هو من ينزلها، وليست هي من تنزل عليه، لذلك عليك أن تسأل حولها، تقلبها، تغيرها، تأولها ومن ثم تنتج هويتك التي تريد”.
وتوقف “عند مفهوم الهوية السائلة عند عالم الاجتماع البولندي باومان، الذي كتب عن السيلان في عصر ما بعد الحداثة، العصر الذي شهد تحولا من الأشياء المتصلبة إلى السائلة. تحول انعكس على هوية الإنسان التي تخضع إلى تغيرات لا حد فيها، وبالتالي لا نستطيع أن نقدّم نموذجا واحدا نعممه للهوية، وأن هذه الأنواع من الهوية تشترك في منطقة واحدة وهي بناء مفهوم للإنسان، لتعريف ذاته ونفسه بشكل منفتح ومنبسط وغير عنيف”.
وختم معتبرا “أننا نستطيع أن نجمع بين كل هذه المجاميع لننتج هوية تسع الجميع.
وعن اختبار هذا المفهوم في مختبر الأنثروبولوجيا،” مذكرا أن “هذا المفهوم هو غير منجز وغير منته”.
وفي الختام دار نقاش بين الحضور.