مجلة وفاء wafaamagazine
وجه العلامة السيد علي فضل الله كلمة في “حديث الجمعة” استهلها بالقول: “عباد الله أوصيكم وأوصي نفسي بما قاله أمير المؤمنين: “أيها الناس ألا وإن هذه الدنيا التي أصبحتم تتمنونها وترغبون فيها وأصبحت تغضبكم وترضيكم ليست بداركم ولا منزلكم الذي خلقتم له ولا الذي دعيتم إليه، ألا وإنها ليست بباقية لكم ولا تبقون عليها وهي إن غرتكم منها فقد حذرتكم شرها فدعوا غرورها لتحذيرها، وسابقوا فيها إلى الدار التي دعيتم إليها وانصرفوا بقلوبكم عنها منها واستتموا نعمة الله عليكم بالصبر على طاعة الله والمحافظة على ما استحفظكم من كتابه ألا وإنه لا يضركم تضييع شيء من دنياكم بعد حفظكم قائمة دينكم، ألا وإنه لا ينفعكم بعد تضييع دينكم شيء حافظتم عليه من أمر دنياكم أخذ الله بقلوبنا إلى الحق وألهمنا وإياكم الصبر”. فلنستوصي بوصية أمير المؤمنين لنعرف الدنيا على حقيقتها ونحدد مسارنا فيها والذي لأجله وجدنا، وبذلك نصبح أكثر وعيا وقدرة على مواجهة التحديات”.
وقال: “البداية من لبنان الذي يستمر النزف فيه على كل الصعد، على الصعيد الاقتصادي والمالي والاجتماعي وعلى الصعيد الصحي والذي يترك آثارا كارثية على حياة الناس وأمنهم واستقرارهم. في هذا الوقت لا تزال الحكومة المعنية بإيقاف هذا النزف ومنع تداعياته أسيرة التصلب في مواقف القوى السياسية المعنية بتأليفها، لا يريد أي منهم أن يتقدم أي خطوة باتجاه الآخر أو أن يتنازل من حسابه لحساب وطن ينهار ويتداعى أو يكاد. ونحن في هذا المجال، نعيد دعوتنا لكل المعنيين بالتأليف، أن كفى هدرا للوقت وإضاعة للفرص، فالبلد لا يبنى بالتشنج أو بالنكايات، هو يبنى بالمشاركة وبالتنازلات المتبادلة. إن الواقع الصعب الذي يعاني منه إنسان هذا البلد يدعو الجميع إلى تضافر الجهود والعمل لإزالة كل ما أعاق ولا يزال يعيق عجلة التأليف”.
أضاف: “ونحن هنا نقدر أي جهود بذلت على هذا الصعيد، في الوقت الذي ندعو إلى التجاوب معها وهو يحتاج إلى شجاعة الموقف وشجاعة التنازل، وإلى الأخذ بعين الاعتبار مصلحة الوطن وجعلها فوق كل اعتبار. لقد أصبح واضحا للجميع أن حل أزمات هذا البلد يقع على عاتق اللبنانيين، فالخارج الذي راهن ويراهن عليه البعض، أو ينتظره إما هو يأس من الطبقة السياسية ولا يرى بالإمكان الحل معها، أو هو ينتظر أن يبادر اللبنانيون بخطوات يريدها ليساعد هذا البلد أو هو مهتم بمشاكله وترتيب بيته الداخلي، ولذا ما على اللبنانيين إلا أن يقلعوا أشواكهم بأظافرهم وأن يهتموا بترتيب بيتهم الداخلي، وأن يغيروا بأنفسهم حتى يغيروا واقعهم”.
وتابع: “إلى الكارثة الصحية بسبب جائحة كورونا والتي أصبحت هاجس اللبنانيين ومصدر قلقهم بعد تزايد أعداد الإصابات والوفيات واكتظاظ المستشفيات. وهنا، نأمل أن يكون الإقفال الذي جرى ساهم في البدء بمحاصرته والتخفيف عن كاهل القطاع الصحي، والذي بات يعاني من جراء هذا الانتشار ويقدم التضحيات الجسام من جهده ومن حياة العاملين فيه. وهنا، ندعو الدولة إلى القيام بواجبها تجاه هذا القطاع ومد يد المساعدة له وإزالة كل العوائق التي تمنعه من قيام دوره بدل تسجيل النقاط عليه حتى يستطيع أن يقوم بواجبه ويصمد أمام هذا الوباء. ومن جهتنا نحيي هذا القطاع ونشد على يديه ونقدر جهوده، وندعو الجميع إلى هذا التقدير”.
وجدد دعوة المواطنين إلى “متابعة تحمل المسؤولية تجاه أنفسهم وعائلاتهم ومحيطهم وتجاه القطاع الصحي وعدم التهاون بإجراءات الوقاية التي تبقى هي الضمان الأساسي لمواجهة هذا الوباء، والسد الأول في التصدي له”.
وقال: “لا بد لنا في هذا المجال وفي ظل الإقفال والحديث عن استمراره لأسابيع أخرى، أن تقوم الدولة بواجبها تجاه من تضرروا ويتضررون من هذا الإقفال، فالدولة معنية بمواطنيها ولتساعدهم على التقيد بالإجراءات التي تضعها وتضمن عدم تجاوزها، كما ندعو الميسورين والجمعيات الأهلية وغيرها للتعاون في ما بينهم واستنفار إمكاناتهم وقدراتهم لمد يد العون إلى من يحتاج إليه وأكثر من 60% من الشعب اللبناني يحتاج إليه. وهنا نقدر عاليا كل الجهود التي بذلت وتبذل في هذا المجال من أهل الخير وهنيئا للباذلين لما يجازون من أجر كبير”.
ورحب ب”المبادرة التي انطلقت من قطر للعمل على رأب الصدع بين الدول الخليجية وإيران ونراها هي الطريق الأسلم لتحقيق أمن هذه الدول واستقرارها ومنع ابتزازها تحت حجة حمايتها وتطورها، فأمن هذه الدول واستقرارها وتطورها لا يتم إلا بتعاونها. إنا نأمل أن يتم التجاوب مع هذه المبادرة وأن لا تضيع كما ضاعت كل فرص مد اليد للحوار والتي كلفت هذه المنطقة هدر قدراتها وكثيرا من المآسي والآلام”.
وختم: “أخيرا، نتوقف عند الحدث الذي كان ينتظره العالم وما يحدث فيه وهو تنصيب الرئيس الأميركي الجديد والذي نأمل أن تطوى معه صفحة سوداء من تاريخ أميركا على مستوى الداخل تعززت معها الكراهية بين أعراب شعبها وأديانها وتنوعاتها، وفي الخارج من خلال جرائم ارتكبت منه في حق الشعوب ولسنا بعيدين عنه. فقد آن الأوان لأميركا أن تعيد النظر في سياستها الداخلية مع مواطنيها وأن تعيد الاعتبار لصورتها التي تشوهت عندما استغلت قوتها لتستولي على ثروات الشعوب ومقدراتهم، وجعلت أمن إسرائيل فوق كل اعتبار وعلى حساب أمن هذه المنطقة وحتى أمن العالم”.