مجلة وفاء wafaamagazine
رضوان مرتضى
حدّد قانون الأسلحة والذخائر صلاحية الجيش بكل ما يتعلّق بالمتفجرات، ليُبيّن أنّ نيترات الأمونيوم المحتوي على الآزوت بنسبة تفوق ٣٣،٥ ٪ من اللوازم المعدة لصنع المتفجرات، وأن التعامل معها من صلاحية الجيش حصراً. كما بيّنت التعاميم والتوجيهات العامة الصادرة عن قيادة الجيش الدور المنوط بالمؤسسة العسكرية لـ«التصدي لحظر الأجهزة المتفجرة اليدوية الصنع». رغم ذلك، لا يزال ضباط الجيش الكبار، الحاليون والسابقون، مُعفَون من التحقيق في انفجار 2700 طن من نيترات الأمونيوم يوم 4 آب 2020
في الفصل الأول من قانون الأسلحة والذخائر تصنيفٌ للمعدات الحربية والأسلحة والذخائر والمتفجرات حيث تُقسم إلى تسع فئات. الفئة التاسعة تحدد أصناف المتفجرات والبارود ولوازمهما، معتبرة أنّ بين المتفجرات تلك المركبة من النيترات قبل أن يأتي القانون على ذكر أنّه «يُعتبر من اللوازم المعدة لصنع المتفجرات نيترات الأمونياك المحتوي على الآزوت بنسبة تفوق ٣٣،٥٪» (نسبة الآزوت في ٢٧٠٠ طن من النيترات التي كانت مخزّنة في العنبر الرقم ١٢ في مرفأ بيروت كانت ٣٤،٧٪).
من جهة أخرى، فإن التوجيهات العامة الصادرة عن قيادة الجيش المعمول بها لـ«التصدي لحظر الأجهزة المتفجرة اليدوية الصنع»، توجب مكافحة استخدام العبوات غير النظامية التي تدخل النيترات في تصنيعها من قبل المجموعات الإرهابية في عدد كبير من بلدان العالم، لافتة إلى أنّ الحصول عليها يتم بالدرجة الأولى عبر: «سرقتها من الأسواق المحلية أو تهريبها عبر الحدود»، أو «سرقتها من الورش المدنية (كسارات، حفر أنفاق)». وهذا الأمر يعيد إلى الأذهان تساؤلاً لا تزال الإجابة عنه غائبة. هل كانت تُسرق نيترات الأمونيوم من مرفأ بيروت، علماً بأنّ الخبيرة التي كلّفها القضاء عام 2015 بالكشف على محتويات العنبر، أحصت وجود أقل من ٢٠٠٠ طن؟ والسؤال الثاني: من فتح الفجوة في جدار العنبر الرقم ١٢ ومن خلع بابه، ولأي غاية؟ علماً بأنّه في هذه التوجيهات يُذكر أنّه يجب أن يتمّ خزن هذه الجزيئات وحمايتها منعاً لسرقتها أو وصولها لأي جهة كانت، أو يصار إلى إتلافها بشكل نهائي منعاً لاستعمالها لاحقاً.
وفي توجيهات قيادة الجيش أيضاً، فإنّه لدى الإشارة إلى أنواع المواد المستخدمة في إعداد العبوات غير النظامية، يُشار إلى «نترات الأمونيوم المستخدمة كأسمدة زراعية» بوصفها تدخل في تصنيع المتفجرات. فكيف الحال إذاً مع نيترات بنسبة آزوت تبلغ ٣٤،٧ مصنّفة أصلاً بحسب السجلات بأنّها مستوردة لتصنيع المتفجرات؟
كذلك يشُار إلى أنّه من ضمن مهام الجيش، بحسب التوجيهات الخطية لقيادته: «تقوم مجموعة تابعة لمديرية العتاد في الجيش اللبناني بالكشف على المواد التي تدخل البلاد كافة، وتثير الشبهات لناحية استخدامها في تصنيف مواد متفجرة، أو لكونها قابلة للاشتعال، وتتم عملية الكشف عليها في المعابر الحدودية كافة». وهذا ما ينطبق على نيترات الأمونيوم، المصنّفة مواد متفجرة بحسب قانون الأسلحة والذخائر، فكيف إذا كانت الكمية ٢٧٠٠ طنّ؟ وماذا فعل الجيش الذي يُعدّ الإشراف على استيراد هذه المواد وتخزينها وحتى إتلافها من المهمات المحصورة به، حيث يُذكر في التوجيهات أنّه يُمنع على أيّ كان نقل هذه المواد أو الاشتراك في تصنيعها من دون إذن مسبق من وزارة الدفاع الوطني. كذلك تشير التوجيهات نفسها إلى أنّ المتفجرات التي تُستخدم في أعمال شق الطرقات وحفر الأنفاق أو داخل الكسارات، تخضع لـ«رقابة صارمة» من قبل وزارتي الدفاع والداخلية والبلديات. ويُشار في التوجيهات إلى أنّ مكافحة خطر المتفجرات اليدوية لا يقتصر على التخلص من العبوات غير النظامية فحسب، بل «عبر مراقبة المواد الأولية المستخدمة في تصنيعها ومنع وصولها إلى أيادي المخلّين بالأمن لإضعاف قدرتهم على تركيبها، لأنّ العبرة في الوقاية من الداء قبل معالجته».
استناداً إلى ما سبق، يحضر السؤال الرئيسي: ماذا فعل ضباط الجيش المكلّفون بأمن المرفأ لحماية مرفأ بيروت والعاصمة؟ الشعار المرفوع بأنّ «الجيش خطٌّ أحمر» لا يستقيم إذا لم يُساءل الضباط المنوط بهم حماية المرفأ والسهر على أمن البلاد، ما دامت الصلاحية الأولى معقودة للجيش لدى وجود مواد كهذه. ولكي يكون الجيش خطاً أحمر فعلاً، يجب إجراء تحقيق جدّي لتحديد المسؤولين. لقد أجريت ثلاثة عروض عسكرية في عيد الاستقلال أعوام ٢٠١٦ و٢٠١٨ و٢٠١٩ (واحدٌ في عهد العماد جان قهوجي واثنان في عهد العماد جوزيف عون)، يُضاف إليهم الاحتفال بالقمة العربية الاقتصادية. وما دام رئيس الجمهورية كان حاضراً، فإنّ الحرس الجمهوري كان يتولى التدقيق الأمني للتثبت من عدم وجود أى خطر. ويتردّد أنّ مراسلات للحرس الجمهوري من أمن المرفأ كانت تفيد بأنه «لا خطر أمنياً من المرفأ»، حتى إنّ الحرس الجمهوري كان يطلب إبعاد بعض البواخر لأنه لا يمكنه تفتيشها، علماً بأنّ العنبر الرقم ١٢ الذي تُخزّن فيه مكوّنات القنبلة الأضخم في تاريخ لبنان، كان يبعد بضعة مئات من الأمتار عن مكان تجمّع الجيش.
إضافة الى ما تقدم، يتولى مكتب أمن المرفأ، كما سائر مكاتب وفروع مديرية المخابرات، متابعة كل ما من شأنه أن يمس بالأمن القومي للبلاد. وبالتالي، يدخل في صلب عمل المكتب وجود هذه الكمية من المواد الأولية التي تدخل في تصنيع المتفجرات مع الخطر الناجم عنها. وذلك كان يفرض على مديرية المخابرات التصرّف لإزالة هذا الخطر، بدلاً من رمي المسؤولية، على اعتبار أنّ الخطر سيطال الجميع.
لقد برز في ملف التحقيق مراسلة جوابية بعث بها رئيس أركان الجيش السابق اللواء وليد سلمان (وقّع المراسلة نيابة عن قائد الجيش السابق العماد جان قهوجي) إلى المدير العام السابق للجمارك، شفيق مرعي، تبلغه فيها قيادة الجش أنها ليست بحاجة إلى مادة نيترات الأمونيوم البالغ وزنها ٢٧٥٥ طناً. واقترحت قيادة الجيش على الجمارك «مراجعة مالك الشركة اللبنانية للمتفجرات مجيد الشماس لتبيان إمكانية الاستفادة من المادة المذكورة في حال عدم الرغبة في إعادة تصديرها إلى بلد المنشأ على نفقة مستورديها». وكتاب سلمان، الصادر يوم 7/4/2016، يشير إلى وجود مراسلة سابقة، تعود إلى يوم 27/2/2016 بشأن النيترات المخزّنة في المرفأ. فلماذا تجاهل هذا الأمر، وعدم إخضاع قائد الجيش السابق، كما الحالي، وسائر الضباط المسؤولين عن متابعة هذه القضية، للتحقيق بعد 4 آب 2020؟
قبل أيام، رفضت وزارة الدفاع إفراغ عشرة مستوعبات تحتوي على مادة الصوديوم سالفايد (مادة كيميائية خطرة) في مرافئ لبنان. وقد أُرسلت نسخة عن طلب الرأي في إفراغها إلى قيادة الجيش والأمانة العامة لمجلس الوزراء ووزارة الأشغال العامة. وهذا أكبر دليل على صلاحية الجيش في التعامل مع هذه المواد.
شمول نيترات الأمونيوم بنصوص قانون الأسلحة والذخائر، يعني أنّ تحرّك الجيش كان ينبغي أن يكون تلقائياً
وفي مقابلة سابقة مع «الأخبار»، يقول قائد الجيش السابق العماد جان قهوجي : «أجبنا بأن لا قدرة لنا على استيعابها في مخازننا كما لا يمكن إتلافها بسبب حجمها الضخم». علماً بأنّ كتاب القيادة إلى مديرية الجمارك (عام 2016) لم يأت على ذكر عدم القدرة على الاستيعاب ولا عدم إمكانية التلف، بل اقترح إعادة تصديرها أو عرضها على شركة مجيد الشماس. كذلك قال قهوجي إنّ «الجيش يتحمل مسؤولية البضاعة على الأبواب فقط، لكنه لا يتحمل مسؤولية البضاعة داخل المرفأ»، إلا أنّ الواقع والقانون مختلفان، حيث إنّ الجمارك تقوم بإبلاغ الجيش بأي مواد خطرة تدخل ضمن صلاحيته، كالأسلحة والبارود وغيرهما من المواد التي تدخل في تصنيع المتفجرات، ليقوم الجيش بإرسال برقية لحضور ممثل من الجيش للكشف عليها داخل المرفأ أو المطار في ساحة الكشف قبل أخذ أي قرار. وبالتالي، فإنّ تدابير الجيش لا تقتصر على البوابات بل داخل الباحات.
ثمة بضائع استيرادها مقيّد، إذ تحتاج إلى موافقة الوزارات المختصة لإدخالها إلى البلاد. الأدوية، على سبيل المثال لا الحصر، تحتاج إلى موافقة وزارة الصحة، وبعض المواد الغذائية تحتاج إلى موافقة وزارة الاقتصاد، والأسمدة تحتاج إلى موافقة وزارة الزراعة. أما الأسلحة والذخائر والنيترات فتحتاج إلى «تأشير» وزارة الدفاع عبر الجيش. حتى إن الطائرات الصغيرة المستخدمة للتصوير Drones يُبلّغ الجيش ليكشف عليها في المطار أو المرفأ. كما أنّه إذا اشتُبه في أي مواد خطرة يُصار إلى إبلاغ الجيش للكشف عليها، ووحده من يُعطي الإذن بإدخالها. وفي المادة 74 من قانون الأسلحة والذخائر، النص واضح لجهة وجوب مصادرة الأسلحة والذخائر والمواد التي تدخل في صناعة المتفجرات، في حال وجود أي مخالفة للقانون. والحديث هنا عن 2700 طن من نيترات الأمونيوم، دخلت لبنان بما يُشبه الخلسة، وإن بقرار قضائي. شمول نيترات الأمونيوم بنصوص قانون الأسلحة والذخائر، يعني أنّ تحرّك الجيش كان ينبغي أن يكون تلقائياً، من دون أي أمرٍ أو قرار قضائي. القانون، نصاً وروحاً، يفرض ذلك، والأداء العملي للجيش يسمح له بما يتجاوز كل قانون. ولذلك، لا يزال غير مفهوم سبب استثناء ضباط الجيش الكبار، الحاليين والمتقاعدين، من التحقيق في جريمة المرفأ.
الاخبار