الثلاثاء 24 أيلول 2019
مجلة وفاء wafaamagazine
تخوض قيادة الجيش منذ فترة معركة قاسية، ولكن هذه المرة على الجبهة السياسية، بعدما وجدت نفسها على خط تماس مباشر مع ملف العميل عامر الفاخوري، بفعل مجموعة من العوامل، بل هناك من وضع القيادة في «قفص الاتهام».. فكيف يردّ الجيش على محاولة وضعه زوراً في دائرة الشبهة؟
من تسريب صورة قائد الجيش العماد جوزف عون مع الفاخوري في السفارة اللبنانية في واشنطن، الى الكلام على تورط بعض كبار الضباط في صلات مشبوهة مع عملاء لاسرائيل، مروراً بنشر معلومات غير دقيقة عن هذا الملف كذّبتها المؤسسة العسكرية.. كلها أمور ولدّت نوعاً من الريبة في اليرزة، حيث يسود اقتناع بأنّ تلك الوقائع التي تلاحقت في وقت قصير ليست مجرد مصادفات مبعثرة، وانما يوجد خيط واحد يجمع بينها، في إطار سيناريو متكامل يرمي الى استهداف الجيش وقيادته الحالية، انطلاقاً من حسابات سياسية او شخصية.
وإذا كان الجيش أصدر توضيحاً او تكذيباً لبعض ما قيل عنه في الفترة الاخيرة، فهذا ليس كل ما لديه، ذلك أنّ المعلومات المستمدة من مصادر عسكرية تفيد انّ جعبته لا تزال ممتلئة بكثير من الحقائق حول أبعاد الحملة التي يتعرّض لها ومن يقف خلفها، أما البوح بتلك الحقائق لاحقاً او تركها طي الكتمان فيعود الى تقديراته، «مع العلم انّه يحاذر الانزلاق الى الزواريب»، تبعاً للمصادر.
ويبدو الجيش متأكّداً من أنّ هناك استهدافاً مقصوداً ومنهجياً لقائده جوزف عون، سواء بتوجيه طلقات القنص السياسي نحوه مباشرة او من خلال التصويب تارة على مدير المخابرات العميد طوني منصور وطوراً على ضباط كبار آخرين.
بالنسبة الى المؤسسة العسكرية، «تتعدّد وسائل التشويش والتشويه، لكن الرسالة واحدة، وهي الضغط على «القائد» وصولاً الى إحراجه، وربما إحراقه». وانطلاقاً من هذه المقاربة، يحاول الجيش ان يتعامل بأعصاب باردة مع الاختبار الذي يواجهه، فيما تواصل مديرية المخابرات تجميع الخيوط التي من شأنها أن تقود الى إثبات صوابية ظنونه وتثبيتها.
ولعلّ أكثر ما أراح الجيش أخيراً، هو موقف الامين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله الذي رفض توجيه الاتهامات الى المؤسسة العسكرية، داعياً الى معالجة الاخطاء، عندما تقع، ضمن الاصول، ومؤكّداً الحرص على حماية العلاقة المتينة بين المقاومة والجيش في اطار تحصين «المعادلة الذهبية».
وتبدي المصادر العسكرية ارتياحها الى موقف نصرالله «الايجابي»، منبّهة الى «انّ المستفيد الاول والاكبر من التعرّض للجيش ليس سوى العدو الاسرائيلي الذي يزعجه كثيراً التناغم بين الجيش والمقاومة في مواجهته»، متسائلة عمّا إذا كان من يستسهل التصويب على المؤسسة العسكرية في هذا التوقيت يعرف خطورة ما يفعله وتداعياته.
وتستغرب المصادر، كيف انّ البعض ينسج الشبهات المفتعلة حول سلوك الجيش في قضية الفاخوري، متجاهلاً انّ هذا الجيش نفسه «هو الذي فكّك كثيراً من شبكات العملاء لاسرائيل واعتقل المنخرطين فيها، وهو الذي اوقف في السابق بضعة ضباط وحاكمهم وطردهم من صفوفه بسبب تورطهم في شكل من أشكال العمالة، وهو الذي لا يتردّد في التصدّي للاعتداءات والخروقات الاسرائيلية على الرغم من الفارق الكبير في القدرات العسكرية بينه وبين جيش الاحتلال».
وتلفت المصادر، الى انّ الأضرار الناتجة من اطلاق النار السياسي على قائد الجيش او مدير المخابرات تتجاوز حدود الشخص الى المؤسسة ككل، متسائلة عمّا إذا كان يجوز تعريض معنويات الجيش وهيبته الى الخطر من اجل تصفية حسابات مع هذا الاسم او ذاك.
وتشدّد المصادر، على انّ «تحقيقات اليرزة أظهرت انّ العميد الياس يوسف لم ينطلق في تسهيل عودة العميل الفاخوري من سوء نية، بل من سوء تقدير، اي انّه ليس متورطاً في فعل العمالة بحدّ ذاته، من دون ان يعني ذلك التخفيف من وطأة خطئه الذي استوجب نقله من مخابرات الجنوب ووضعه في تصرف القيادة».
وتجزم المصادر العسكرية، بأنّ الجيش لن يتساهل في تعامله مع ملف العملاء، «وبالتالي لن يغطي أحداً في داخله او خارجه، مرتكزاً على خط وطني واضح وعقيدة قتالية صلبة»، لافتة الى انّه من المحتمل ان يكون قد حصل خلل ما في مقاربة مسألة الفاخوري، «ومعالجته تتمّ ضمن الاطر المناسبة انسجاماً مع قاعدة الشفافية التي يتمسّك بها العماد جوزف عون منذ استلامه القيادة».
وتلاحظ المصادر، انّ هناك من اراد تحويل الجيش «شمّاعة» تُعلّق عليها كل الاخطاء والمسؤوليات المتصلة بملف الفاخوري، مشيرة الى انّ الحملة المتدحرجة التي يتعرّض لها تنطوي على مقدار كبير من الظلم والافتراء، ومحذّرة من المخاطر التي يمكن ان تترتب على الدفع في اتجاه اغتيال دور المؤسسة العسكرية في هذه المرحلة الحساسة، لأنّها من بين آخر الركائز التي لا تزال تمنع الدولة المترنحة من الانهيار.
الجمهورية