الثلاثاء 24 أيلول 2019
مجلة وفاء wafaamagazine
قد يكون عامل الاستعجال الذي طبع جلسة مجلس الوزراء بدفع واضح وقوي من رئيس الوزراء سعد الحريري لانجاز مشروع موازنة 2020 ضمن المهلة الدستورية كما لإبراز الطابع الجدي للحكومة في اقرار الاصلاحات التي يتضمنها المشروع وتلك التي تجري مناقشتها من خارج الموازنة، أبرز الايجابيات التي سجلت أمس على ندرة التطورات الايجابية في هذه المرحلة المحفوفة بالاختناقات الاقتصادية والاجتماعية والأخطار المالية. لكن ذلك لم يحجب يوماً مالياً ومصرفياً وديبلوماسياً محموماً طغى على المشهد الداخلي وتداخلت فيه الى حدود بعيدة المحاور الساخنة لزيارة مساعد وزير الخزانة الاميركي لشؤون مكافحة الارهاب مارشال بيلينغسلي ومحادثاته مع المسؤولين السياسيين والماليين والمصرفيين، مع الاتجاهات والمواقف والمعالجات الداخلية لمختلف وجوه الارباكات التي تعانيها البلاد في المرحلة الحالية وخصوصاً مشكلة شح السيولة بالدولار الاميركي.
واذا كان لا بد من خلاصة لزيارة بيلينغسلي ومواقفه “النارية” من “حزب الله” تحديداً، فهي تختصر بتصعيد وتيرة التشدد حتى الذروة حيال الحزب من خلال العقوبات الاميركية عليه وعلى كل من يدعمه من جهة، وبروز مرونة لافتة حيال المصارف اللبنانية والثناء عليها من حيث استجابتها لموجبات العقوبات من جهة أخرى، كما أثنى على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لحمايته القطاع المصرفي. وبيلينغسلي الذي جال على رئيس مجلس النواب نبيه بري والرئيس الحريري وحاكم مصرف لبنان وجمعية مصارف لبنان، شجع، استناداً إلى السفارة الاميركية في بيروت، “لبنان على اتخاذ الخطوات اللازمة للبقاء على مسافة من “حزب الله” وغيره من الجهات الخبيثة التي تحاول زعزعة استقرار لبنان ومؤسساته”. ونقلت “وكالة الصحافة الفرنسية” عن مصدر لبناني مطلع على مضمون المحادثات طلب عدم ذكر اسمه، أن بيلينغسلي شدد على أن “الولايات المتحدة ستعاقب أي فريق يقدم دعماً عينياً لـ”حزب الله”، سواء عبر الأسلحة أو المال أو أي وسائل مادية أخرى”. وأوضح أن “العقوبات تستهدف إيران وأتباعها في المنطقة” من دون “المساس بالأفرقاء التي تربطهم بـ”حزب الله” علاقة أو تعاون سياسي” في لبنان.
وفي لقائه جمعية المصارف، رحّب بيلينغسلي بالتزام المصارف اللبنانية القواعد والمعايير العالمية لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، مبرزاً ضرورة متابعة هذه الجهود حرصاً على مصلحة القطاع. وأكد مجدّداً موقف بلاده من دعم الإقتصاد اللبناني، وبصورة خاصة القطاع المصرفي. وعلمت “النهار” ان المسؤول الاميركي أبلغ المصارف اللبنانية ضرورة تخلصها من بعض ما وصفه بـ”الموجودات الخبيثة” في حساباتها، فيما أعلنت المصارف انها ستعمل على متابعة الموضوع، مع إعتماد أعلى معايير الامتثال حماية لعلاقاتها بالمصارف المراسلة وحماية للقطاع الصرفي والمودعين وهذا ما أشاد به المسؤول الاميركي.
وفي لقاء وصحافيين واعلاميين شاركت فيه “النهار”، أفاد المسؤول الاميركي انه لم يأت الى لبنان بلائحة عقوبات أو أسماء مصارف أو أفراد كما أشيع، بل لمتابعة ملف “جمال تراست بنك” والتنسيق مع المسؤولين اللبنانيين حول كيفية التعامل مع ملف العقوبات على “حزب الله”. وادرج كل ما حكي عن أسماء مصارف مستهدفة قد تفرض عقوبات عليها قريباً ضمن الاخبار غير الصحيحة والشائعات. كما أكد التعاون المستمر للخزانة الاميركية مع الجهات اللبنانية ومصرف لبنان، “فيما يبقى الهدف الاساسي للإدارة الاميركية هو التضييق الكامل على “حزب الله” وإبعاده عن النظام المصرفي اللبناني والعالمي”. وتحدث عن “أهمية العقوبات التي أثبتت نتائجها وحرمت الحزب أموالاً طائلة ما أدخله في أزمة مالية نتج منها تراجع قدرته على تأمين الاموال اللازمة لتسير أوضاعه، وتعمقت الازمة بعد فرض عقوبات على إيران”. وأضاف “ان حزب الله يهدد لبنان واللبنانيين والديموقراطية في البلاد، وله نشاطات إرهابية حول العالم”، لكنه كرّر ان “الادارة الاميركية لا تسعى الى استهداف أي طائفة أو مذهب وتحديداً الطائفة الشيعية وإنما الهدف هو عزل “حزب الله” وحرمانه التمويل والموارد المالي لوقف أعماله الاجرامية والارهابية”.
في غضون ذلك، صرح حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أمس بأن “الدولار متوافر في لبنان والكلام الذي نسمعه في الإعلام مضخم وله أهدافه والمصارف تلبي حاجات المواطنين من هذه العملة ولا ضرورة لإجراءات خاصة والتهويل إعلامي فقط”. وقال إن “سعر صرف الليرة في المصارف هو واحد، والاختلاف هو لدى الصرافين الذين لا يقومون بتحويلات، والحديث عن سوق سوداء غير صحيح”. وذكر ان “مصرف لبنان يؤمّن السيولة بالدولار للمصارف التي تتعامل مع مستوردي النفط وتفتح لهم الإعتمادات”، زان “استحقاقات الديون اللبنانية ستسدد”.
مجلس الوزراء و”القوات”
أما جلسة مجلس الوزراء التي استمرّت فيها مناقشة مشروع الموازنة بنداً بنداً، فتميزت بالتقدم نحو انجاز هذه المناقشة بسرعة كما تميزت باستجابة الرئيس الحريري لمطلب تشدد حياله وزراء “القوات اللبنانية” لاقرار الاجراءات الاصلاحية أولاً والا لن تصوت “القوات” مع الموازنة. وكشفت مصادر وزارية أن وزراء “القوات” كانوا نجوم جلسة مناقشة الموازنة بمطالبتهم بتجاوز النقاش التقليدي للموازنة وتجنب الغرق في تفاصيل الأرقام التي باتت معروفة، والإنكباب على دراسة سلسلة إجراءات متخذة سابقاً من غير أن تجد سبيلها إلى التنفيذ وطرح إجراءات جديدة قدمتها كل القوى السياسية، وهذا الأمر من شأنه في رأي “القوات” ان يشكل خطوة في الإتجاه الصحيح لمعالجة الأزمة.
هذا الإصرار “القواتي” أحدث صدمة إيجابية في الجلسة وقد أيده عدد من الوزراء بالاضافة إلى رئيس الوزراء الذي استوعب المطلب واعتبره إيجابياً ووضعه في خانة دعم موقفه لجهة اتخاذ إجراءات فعلية وفاعلة لمعالجة الأزمة بالتوازي مع إقرار الموازنة.
وبعد النقاش، وافق مجلس الوزراء على تشكيل لجنة تبحث في الإجراءات وتقدّم اقتراحاتها خلال ستة أشهر، فرفض وزراء “القوات” المهلة وأصرّوا على التوازي بين أعمال اللجنة والبحث في الموازنة. وتمت الموافقة على مطلب وزراء “القوات” بتشكيل لجنة يرأسها الرئيس الحريري وتضم نائب رئيس الوزراء غسان حاصباني والوزراء علي حسن خليل، منصور بطيش، محمد شقير، كميل أبو سليمان، محمد فنيش، وائل بو فاعور وعادل أفيوني لترفع تقريرها إلى مجلس الوزراء خلال شهر ونصف شهر.
وفي توقيت له صلة ببدء مجلس الوزراء جلسات مناقشة مشروع موازنة سنة 2020، عقد رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع أمس لقاء إعلامياً في مقره بمعراب للحديث عن خطة عمل حملت عنوان “خارطة طريق القوات اللبنانية لخطوات عملية إصلاحية”. وفيما تولى وزراء الحزب توزيع نسخ عن الخطة على أعضاء المجلس أمس، وزع جعجع نسخاً عنها في اللقاء شارحاً أبعادها، منتهيا الى القول: “هذه خطة العمل ومن دونها لن نصوّت على الموازنة”.
عون في نيويورك
وسط هذه الأجواء، أفادت مراسلة “النهار” هدى شديد التي تغطي زيارة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لنيويورك ان تطبيق مقررات “سيدر” ستكون محور اللقاء الذي يفترض ان يكون عقد فجر اليوم بين الرئيس عون والرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون على هامش مشاركتهما في أعمال الجمعية العمومية للامم المتحدة.
ولن يشارك الرئيس عون في الاستقبال التقليدي الذي يقيمه مساء اليوم الرئيس الاميركي دونالد ترامب لرؤساء الدول والوفود وهذه المقاطعة تتكرر للسنة الثالثة.
وهو لم يشارك امس في مؤتمر “الدعوة العالمية لحماية الحرية الدينية” الذي أقيم في مبنى الامم المتحدة والذي استضافه الرئيس ترامب صاحب الكلمة الرئيسة، ومثل رئيس الجمهورية الوزير سليم جريصاتي.
والى الكلمة التي يلقيها عون غداً الاربعاء ويضمنها مواقفه خصوصاً في موضوع دعم عودة النازحين السوريين الى بلادهم، والاعتداءات والخروقات الاسرائيلية المتكررة في لبنان، يبدو التركيز الرئاسي واضحاً على انشاء “أكاديمية الحوار والتلاقي” بحيث يبدأ اليوم توزيع ملفات عنها في مبنى الامم المتحدة. ويعقد رئيس الجمهورية الخميس مؤتمراً صحافياً في مبنى الأمم المتحدة للحديث عنها. وهذه الأكاديمية التي قدمت لها بلدية الدامور قطعة أرض مساحتها 60 ألف متر مربع لاستضافتها، سيوضع قانون لها وستعقد اتفاقات ثنائية بين لبنان وكل من الدول المشاركة فيها على حدة.
وبدا لافتاً الغاء الاستقبال التقليدي الذي يقام لرئيس الجمهورية سنوياً على هامش الجمعية العمومية مع أبناء الجالية اللبنانية من كل الولايات المتحدة، وأفيد أن سبب الإلغاء هو التوفير المادي وعدم تكبيد اللبنانيين مشقة الانتقال من ولاية الى أخرى.
المصدر: النهار