مجلة وفاء wafaamagazine
بإعلانه ضرورة ضم السعودية إلى المحادثات النووية، أضاف إيمانويل ماكرون عقدة جديدة، في مسار معقّد بالفعل، ولا سيّما أنّ طهران ترفض هذه الفكرة، في حين كانت قد أكّدت مراراً عدم نيّتها التفاوض على اتّفاق كانت قد تفاوضت عليه سابقاً وصادق عليه مجلس الأمن
طهران | نقاش جديد أُضيف، أخيراً، إلى سلسلة النقاشات المرتبطة بالمفاوضات النووية. فمن الشروط والتصريحات المتبادلة بين الولايات المتحدة وإيران، انتقل الملف إلى مستوى جديد مع إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ضرورة إشراك السعودية في المحادثات المستقبلية، الأمر الذي أثار جدلاً، خصوصاً في طهران، من دون إغفال إضفائه تعقيدات جديدة على الوضع المعقّد أساساً.
وكان ماكرون قد اعتبر، في مقابلة مع قناة “العربية”، يوم الجمعة الماضي، أنّ مِن “الضروري” إشراك السعودية في “أيّ محادثات مع إيران للتوصّل إلى اتفاق جديد”. وقال: “يجب الحدّ من خطأ عام 2015، حيث تمّ استبعاد القوى الإقليمية عن التوافق مع طهران”.
تصريح سبقه آخر لوزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، قال فيه إنّ السبيل الوحيد للتوصّل إلى اتفاق مستدام مع إيران هو أن تستشير الولايات المتحدة دول الخليج، قبل أن تعود إلى الاتفاق النووي. وهو الموقف ذاته الذي كرّرته، أيضاً، السلطات الإماراتية والبحرينية.
وتأتي كلّ هذه التصريحات والمطالبات، في وقت كانت قد أكّدت فيه السلطات الإيرانية، مراراً وتكراراً، أنّ الاتفاق النووي هو وثيقة موقّعة ومُصادق عليها من مجلس الأمن الدولي، وغير قابلة للنقاش. واستناداً إلى ذلك، رأى المتحدث باسم وزارة الخارجية سعيد خطيب زادة، أنّ تصريحات ماكرون “متسرّعة وغير مدروسة”، مشدّداً على أنّ “الاتفاق النووي غير قابل للنقاش مجدداً، وأنّ أطرافه معروفون ولا يمكن تغييرهم”.
بالرغم ممّا تقدّم، عزا العديد من المراقبين في طهران تصريحات ماكرون إلى ضغوط تمارسها السعودية. ومن هؤلاء كامران كرمي، المحلّل السياسي، ومدير قسم الدراسات السعودية في “مركز الأبحاث العلمية والدراسات الاستراتيجية للشرق الأوسط” في طهران. فقد قال في حديث إلى “الأخبار” إنّ التصريحات الأخيرة الصادرة عن ماكرون جاءت بفعل الضغوط التي تمارسها الدول العربية، وعلى رأسها العربية السعودية، على الدول الأوروبية وأميركا. وأشار إلى أنّهم “يسعون وراء هدفين: الأول، أن يوسّعوا نطاق المحادثات مع إيران لتتخطّى الموضوع النووي، كي يتمكّنوا من المشاركة فيها وكسب الامتيازات. والثاني، هو خفض الضغوط المحتملة للإدارة الأميركية الجديدة عليهم، من خلال تركيز الاهتمامات على طهران”.
«من غير المعقول أنّ ترضخ إيران لمحادثات تتناول مصادر قوّتها كافّة»
كرمي رأى، من جهة أخرى، أنّ “الاتفاق الإقليمي بين إيران والسعودية، يمكن أن يمنح الاتفاق النووي آلية تنفيذية أقوى، شريطة أن يكون الطرفان جاهزين للتراجع عن مواقفهما والتمهيد لتجاوز المأزق القائم”. إلّا أنّه لفت إلى أنّه “في حال كانت نظرة السعودية إلى الاتفاق النووي، وإلى البرنامج الصاروخي الإيراني والقضايا الإقليمية، مبنية على تحجيم قوة إيران، عندها يجب القول إنّ المحادثات ميتة قبل أن تولد، لأنّ اتفاقاً كهذا، من وجهة نظر طهران، يعني زيادة مستوى التهديدات وفقدان آليات الردع”.
وعن احتمال بدء المحادثات الإقليمية الشاملة، رأى كرمي أنّ “من المستبعد أن نشهد توازناً في فهم إيران والسعودية وأميركا للمحادثات الشاملة”. وأوضح أنّ “إيران أعلنت مراراً أنّ المحادثات الإقليمية بينها وبين مجلس التعاون الخليجي، إن جرت، فهي ستجري خارج نطاق الاتفاق النووي ومن دون مشاركة أميركا”.
من جهته، أشار حسن أحمديان، أستاذ دراسات الشرق الأوسط في جامعة طهران، إلى أنّ “موضوع المحادثات النووية منفصل عن باقي المواضيع، بما فيها البرنامج الصاروخي الإيراني وقضايا المنطقة”. وأوضح في حديث إلى “الأخبار” أنّ “الأسلوب الذي يثير من خلاله الأوروبيون والسعوديون هذا الموضوع، يعدّ ضرباً من المحال، لسببين: أولاً أنّ الاتفاق النووي كان مبنياً على برنامج إيراني، وأنّ مطلب إسرائيل والسعودية يتمثّل في إقحام قضايا المنطقة والقوة الدفاعية الإيرانية في المحادثات. وكأن السياسة الإيرانية في المنطقة هي الوحيدة التي توضع محلّ بحث وخلاف، ولا مجال للحديث عن سياسة السعودية وإسرائيل. وهذا يتعارض بشكل سافر مع الأمن والمصالح الوطنية الإيرانية، وهو غير مقبول”. أمّا السبب الثاني، وفق أحمديان، فهو أنّ “محادثات كهذه تعني إضفاء الشرعية، والقبول بدور القوى من خارج المنطقة في تشكيل الأمن الإقليمي وبلورته”، مضيفاً أنّ “هذا الأمر هو طبعاً موضع ترحيب من إسرائيل والسعودية، بيد أنّه مرفوض من قبل إيران، لأنّ الرؤية الغربية المتعلّقة بالقضايا الإقليمية تميل إلى منافسي إيران وأعدائها”.
وإذ لفت أحمديان إلى أنّ “من غير المعقول أن ترضخ إيران للمحادثات التي تتناول مصادر قوتها كافّة”، فقد رأى أنّ ما يمكن أن يحصل هو وضع مسارين مختلفين. “أحدهما يتعلّق بالملف النووي في إطار الاتفاق النووي وإحيائه، والثاني هو المحادثات الإقليمية بمشاركة اللاعبين الإقليميين، بحيث يتمّ فيها مناقشة أمن المنطقة وسبل النهوض به، لا السياسة الإقليمية الإيرانية”.
وعن السعودية، بشكل خاص، قال أحمديان إنّ “أمامها خيارين مختلفين، فإمّا أن تتّجه نحو إسرائيل وتستخدم طاقاتها لاحتواء السياسة الأميركية تجاه إيران، وضغوط واشنطن المحتملة عليها، وإمّا أن تعتمد أسلوب الانفتاح مع إيران”.
الاخبار