مجلة وفاء wafaamagazine
صحيح أنّ حب كرة القدم هو مسألة مشتركة في كل أنحاء العالم، لكن الأكيد أن الفوارق الفنيّة تبدو كبيرة جداً بين أوروبا وغيرها من القارات. لقاء بايرن ميونيخ الألماني والأهلي المصري هو أكبر دليل على هذا الكلام، ولهذا الأمر أسباب عدة تعود إلى زمنٍ بعيد وتزداد في زمننا الحالي
قد نذهب إلى الناحية العاطفية ونقول إن الأهلي المصري قدّم مباراةً كبيرة أمام بايرن ميونيخ الألماني في نصف نهائي كأس العالم للأندية التي تستضيفها قطر. قد نكون أكثر من عاطفيين إذا قلنا إن خروج بطل أفريقيا كان خروجاً مشرّفاً أمام بطل ألمانيا وأوروبا استناداً إلى النتيجة (0-2) التي ذهب البعض إلى مقارنتها بخسارة برشلونة الإسباني التاريخية أمام بايرن (2-8) في دوري أبطال أوروبا الموسم الماضي.
بعيداً عن العاطفة، الأهلي لم يقدّم شيئاً يُذكر في المباراة، وهو أمر تؤكّده أقلّه الإحصاءات. الفريق المصري العريق قدّم مجهوداً كبيراً على أرض الملعب، لكنّه لم يتمكّن من لعب الكرة لأن بايرن منعه من هذا الأمر باعتراف مدرّبه الأفريقي الجنوبي بيتسو موسيماني. أما السبب فهو ببساطة الفارق الفني الكبير بين الفريقين الذي لم يكن يسمح أصلاً بترشيح المصريين للفوز بالمباراة وتحقيق المفاجأة، خصوصاً بعدما دأب الكل في الأشهر الأخيرة على وصف الفريق البافاري بأنه أفضل فريقٍ في العالم.
لكن هذا الأداء وهذه الخسارة ليسا سوى حلقة جديدة من مسلسل فشل الكرة الأفريقيّة على الساحة العالمية، إن كان في المونديالات الخاصة بالمنتخبات باستثناء بعض الاستثناءات القليلة، وإن كان في ما خصّ مونديال الأندية حيث لم يتمكّن سوى فريقين فقط من بلوغ المباراة النهائية، وهما مازيمبي الكونغولي الديموقراطي وصيف نسخة 2010، والرجاء البيضاوي المغربي الذي حلّ ثانياً في عام 2013.
أسباب وفوارق فنيّة
كما اعتادت كرة القدم على إيجاد المزيد من متابعيها في كلّ أنحاء العالم، اعتادت أيضاً على اكتشاف المواهب في القارّات المختلفة، وعلى رأسها القارة الأفريقية التي أصبحت شرياناً أساسياً لتصدير المواهب إلى أوروبا. لكن الموهبة ليست كلّ شيء، فهناك فوارق كبيرة في طريقة لعب كرة القدم أو بنائها بين البلدان المختلفة، حيث تبدو الأساليب مغايرة ومنها ما يرتبط بنشأة اللاعب وكيفية عبوره إلى المستوى الأعلى.
أمّا الأمر المؤكد الذي يُفضي إلى سببٍ أساسي في خلق هوة بين الكرة الأوروبية ونظيرتها الأفريقية فهو الأوضاع الاقتصادية التي لم تكن يوماً متشابهة بين القارتَين، وهو ما خلق فوارق ضخمة بين ممثلي أوروبا وأفريقيا في الملاعب، فكان الانضباط التكتيكي والنضوج الفني والفكر العالمي هي أبرز مزايا اللاعب الأوروبي، بينما اعتمد غالبية اللاعبين الأفارقة على قوتهم الجسمانية واندفاعهم البدني وإصرارهم على الوصول إلى أعلى مستوى في عالم اللعبة الشعبية الأولى في العالم.
الحالة الأفريقية
من هنا، تحوّلت طريقة لعب الأفارقة على الساحة العالمية إلى حالة في حدّ ذاتها، لكنها انعكست عليهم سلباً في العديد من المباريات حيث تسبّبت البطاقات الملوّنة أو فقدان التركيز والعصبية الزائدة بخسارتهم المباريات، إذ يشير بعض الدراسات إلى أن «عقليتهم» تتبدّل عندما يرتدون قمصان منتخبات بلدانهم فتطغى عليهم العصبية العاطفية ويرتكبون أخطاء مكلفة لا تكون حاضرة غالباً خلال دفاعهم عن ألوان الأندية الأوروبية.
هذه النقطة يستغلّها الأوروبيون عادةً، إضافةً إلى فوارق اللياقة البدنية الناتجة عن استعدادهم للبطولات الكبرى بطريقة علمية، فيبدو وضع أجسادهم في المباريات أكثر مرونةً من منافسيهم الأفارقة المعتمدين على القوة البدنية والركض أحياناً بطريقة غير منظّمة بسبب ارتباكهم أمام خصومهم المنظّمين والمدركين أكثر لما يفعلونه على المستطيل الأخضر، وهو مشهد كان حاضراً بلا شك في لقاء الأهلي وبايرن.
قد نكون أكثر من عاطفيين إذا قلنا إن خروج الأهلي كان مشرّفاً أمام بطل ألمانيا وأوروبا
والحالة الأفريقية هذه كانت في محور دراسة شارك فيها عشرات الباحثين بعد نهائيات كأس العالم 2018، وذلك لمحاولة الخروج بنتيجة واضحة لسبب فشل المنتخبات الخمسة الممثلة لأفريقيا في مونديال روسيا، وهي مصر، المغرب، تونس، نيجيريا والسنغال.
دراسة يمكن التوقف عندها لأنها توضح الكثير من الأسباب حول عدم قدرة الأفارقة على الارتقاء إلى مستوى الأوروبيين رغم أن القارة السمراء تضمّ 54 منتخباً مسجّلاً في الاتحاد الأفريقي و«فيفا»، وهو عددٌ كبير لكنّه لم يُفضِ يوماً إلى النتائج المرجوّة بغض النظر عن المفاجآت المونديالية العابرة التي أصابها البعض.
الواضح أن الكلّ يتّفق على أنه في ظلّ التفوّق الأوروبي على أرض الملعب، تبرز مفاتيح عدة في الأداء الخاص بالأفارقة يمكنها أن توضح الصورة لأسبابٍ مختلفة تُميل الكفة لمصلحة القادمين من القارة العجوز.
على سبيل المثال يميل الأوروبيون دائماً إلى تناقل الكرات القصيرة التي تسمح لهم بالاستحواذ على الكرة، وهو ما يجعلهم يسيطرون على المباريات ويغنمون الانتصارات. أما منتخبات وفرق أفريقيا، فإنها تفشل تحت الضغط فتصبح العشوائية حاضرة من خلال تكثيف الكرات الطويلة التي لم تعطِها يوماً الأفضلية على خصومها الأوروبيين، وهو الأمر المشترك في أكثر المواجهات بين ممثّلي القارتين.
ببساطة وفي المواجهات التي جمعت بين المنتخبات الأفريقية ومنافسيها الأوروبيين في المونديال الماضي، أظهرت الدراسة المذكورة سلفاً أن ممثلي أوروبا سدّدوا أكثر خلال كل مواجهة، فمؤشّر التسديد لطالما اعتُبر في علم الكرة الدليل لتحديد حجم قوة كلّ منتخب خلال المونديالات السابقة، ووصولاً إلى المونديال الأخير حيث كانت المنتخبات الأنجح هي تلك التي تمتّعت بفعالية هجومية ممزوجة بكثافة التسديد باتجاه المرمى.
وهنا، يبرز الحديث عن قدرة المدرّبين لا على تطوير اللاعبين في نشأتهم بل في مدّهم بالحلول التي توصلهم إلى المرمى. وكذا بالنسبة إلى تسجيل الأهداف التي تحتاج إلى دراسة في ما خصّ الركلات الثابتة مثلاً، والتي حلّ التفوق فيها أيضاً للأوروبيين على حساب الأفارقة بسبب معرفتهم بكيفية تنفيذها وفق خططٍ تدرّبوا عليها سلفاً. واللافت هنا أن المنتخبات الأفريقية تلقّت الكثير من الأهداف من هذه الكرات التي تعدّ في العصر الحديث للعبة نقطة قوة عند الفرق الناجحة والحاصدة للألقاب. أضف إلى كل هذه النقاط مسألة مهمة ورئيسية وهي ما وجدته الدراسة التي لحظت 30 مباراة مونديالية بأن منتخبات أفريقيا تفوّقت سلباً، فهي تخسر الكرة أكثر، ويرتكب لاعبوها الأخطاء أكثر، ويخاشنون خصومهم أكثر، ويحصلون على بطاقاتٍ ملوّنة أكثر مقارنةً بنظرائهم الأوروبيين.
إذاً هي مسألة ترتبط بالتكتيك الذي يخصّ المدربين حيث لا مجال للمقارنة بين «العقول الأوروبية» التي تجوب العالم لقيادة الفرق والمنتخبات وتطويرها، وبين المدربين الأفارقة الذين لم يستطع أحدهم خلق أسلوبٍ فريدٍ من نوعه على صورة اللعب الشامل أو الاستحواذ الذي ولد في أوروبا وأعطى أفضلية لمعتنقي هذين الأسلوبين لسنواتٍ طويلة وربما حتى اليوم في حالاتٍ معيّنة.
كل هذا يعيدنا إلى الوضع العام حيث القدرة الاقتصادية المتفوّقة في أوروبا التي تُفرّغ المدرب لدورات الصقل والاحتراف وتُزخر عقله بالأفكار المتطوّرة التي يزرعها لاحقاً في عقول لاعبيه، ما يعطيهم الأفضلية الواضحة على منافسيهم.
الواقع أن التفوّق الأوروبي الحالي سيستمر إلى ما لا نهاية، وذلك استناداً إلى مقوّمات الحياة في أوروبا وتلك الموجودة في أفريقيا، إضافةً إلى شكل البطولات القارية وكيفية تسويقها ومدى اهتمام العالم بها، وبالتالي حصدها للمبالغ المالية الطائلة التي تعود إليها لاحقاً بالفائدة الفنية دون سواها.
الليلة النهائي الكبير
تُقام الليلة الساعة 20:00 بتوقيت بيروت المباراة النهائية لمونديال الأندية في الدوحة بين بايرن ميونيخ الألماني وتيغريس المكسيكي، والتي سيسبقها عند الساعة 17:00 مباراة تحديد صاحب المركز الثالث بين الأهلي المصري وبالميراس البرازيلي.
ويتطلع بطل ألمانيا وأوروبا إلى كتابة تاريخ جديد بإحراز لقبه السادس في موسم واحد ليصبح ثاني فريق بعد برشلونة الإسباني عام 2009 يحقق إنجاز التتويج بستة ألقاب، وهي دوري أبطال أوروبا، كأس السوبر الأوروبية، الدوري وكأس ألمانيا وكأس السوبر المحلية، إضافة إلى مونديال الأندية. أما تيغريس فيأمل صناعة المفاجأة على صورة إقصائه بالميراس بطل أميركا الجنوبية في نصف النهائي، لكن التاريخ لا يصبّ في خانته، إذ ومنذ تتويج بايرن باللقب المونديالي في عام 2013، سيطرت الأندية الأوروبية على الكأس، خصوصاً ريال مدريد الإسباني المتوّج في أعوام 2014 و2016 و2017 و2018، إضافة إلى برشلونة بطل عام 2015، وليفربول الإنكليزي الفائز بلقب النسخة الأخيرة.
الاخبار