مجلة وفاء wafaamagazine
الواقع أن الكثير من اللاعبين لا يزالون يعتاشون من أعمالهم الخاصة أو من مبالغ جمعوها «أيام العز»، رافضين التخلي عن اللعبة التي ينشطون فيها، لكنّ آخرين هجروا الرياضة عامةً واتجهوا للالتحاق بوظائف في بلدان الخليج العربي تحديداً، منها في المستشفيات، وأخرى في المصارف، وأيضاً في المؤسسات الخاصة.
أما من حصل على فرصة اللعب في بلدٍ مجاور أو خليجي أو عربي، فإنه تمسّك بهذه الفرصة وقبلها من دون تردد، معتبراً أنها تفتح الباب أمامه للحصول على عقودٍ أفضل مستقبلاً، وبحثاً عن آفاقٍ غير ضبابية، حيث لا يبدو الوضع مطمئناً بالنسبة إلى حال وواقع الرياضة أقله لسنواتٍ عدة مقبلة.
الهروب من الجحيم
في كرة القدم مثلاً، عانى اللاعبون المحليون غالباً من الحصول على رواتب منخفضة، وهو أمر بدا أسوأ هذا الموسم في غالبية الأندية مع استمرار دفعها الرواتب بالعملة المحلية ومن دون أي تعديلٍ على قيمتها، ما جعل قسماً كبيراً من اللاعبين يقبض أقل من 200 دولار في الشهر الواحد إذا ما احتُسب المبلغ وفق سعر الصرف في السوق السوداء!
وهذه المسألة لا ترتبط فقط بأصحاب الرواتب البسيطة بل أيضاً بلاعبي الصف الأول الذين لم يعودوا يجدون في الـ 5 ملايين أو الـ 10 ملايين ليرة التي يحصلون عليها قيمةً، وخصوصاً أنهم يعتبرون أن قدراتهم الفنيّة يمكنها أن تمنحهم عقداً أفضل في الخارج يفتح الباب أمامهم للهروب من «جحيم لبنان». وبحسب معلومات خاصة لـ «الأخبار» حاول بعض اللاعبين الدوليين في الأسابيع القريبة الماضية التي تلت توقف الدوري بسبب الإقفال العام، فسخ عقودهم، ومنهم من كان قد وقّع عليها حديثاً، وذلك بسبب إغراءات الخارج، حيث ينشط الوكلاء حالياً لاستقطاب أفضل الأسماء إلى الملاعب العربية المجاورة.
يهاجر الرياضيون إلى الخارج برواتب زهيدة لا تتخطّى الـ 1000 دولار شهرياً أحياناً
لكن ما لا يعلمه كثيرون أن العقود التي يحصل عليها بعض اللاعبين خارجياً ليست بالعقود الكبيرة، ففي بلدانٍ مثل العراق وأرمينيا مثلاً لا يُمنح اللاعب اللبناني عقداً كبيراً، وهو أمر يؤكده أحد الوكلاء الناشطين على الساحتين وغيرهما من خلال الأرقام، حيث يشير إلى أن أحد اللاعبين اللبنانيين انتقل إلى فريقٍ عراقي براتبٍ لا يتجاوز الـ 1000 دولار شهرياً، بينما حصل لاعبٌ آخر على 1500 دولار في الشهر الواحد، وهو مبلغ قريب مما يمكن أن يتقاضاه اللاعب في حال انتقل للعب مثلاً مع أحد الأندية الأرمينية في الدرجة الثانية.
وبين البحرين التي تُصنّف قيمة اللاعب اللبناني بين الـ 45 والـ 60 ألفاً في الموسم الواحد بحسب وكيلٍ ناشط في ملاعبها، قد تقارب هذه القيمة ما يحصل عليه اللاعب الدولي في حال انتقاله إلى العراق، حيث ذكر مصدرٌ هناك أن عقد مهاجم العهد السابق محمد قدوح يصل إلى 50 ألف دولار في الموسم مع أمانة بغداد، وهو المبلغ نفسه المفترض أن يحصل عليه زميله أحمد زريق المنتقل إلى الوحدات الأردني، والذي قُدّرت قيمة عقده بـ 80 ألف دولار ضمنها 30 ألفاً ستدخل إلى خزينة بطل لبنان.
أسماء ذهبت وغيرها يبدو على الطريق، إذ أنه من الواضح أن الكثيرين كانت لديهم رغبة بالرحيل حتى قبل توقف الدوري، والدليل ترك أبو بكر المل «البرج» منتقلاً إلى ماليزيا حيث يحصل تقريباً على 4500 دولار شهرياً.
هجرة بلا عودة
لكنّ هذه المبالغ ليست نهائية، إذ يمكن أن ترتفع مع إضافة مكافآت إليها، لكن في الحالات الأكثر شيوعاً تنخفض هذه المبالغ بلا شك مع اقتطاع الوكلاء لنسبتهم عند توقيع العقد أو شهرياً.
وهذه النقطة تحديداً وُجدت في عقود لاعبي كرة السلة المهاجرين أكثر منها بالنسبة إلى لاعبي كرة القدم، فهؤلاء اعتادوا على تسليم عقودهم لوكلاء محترفين لا لوسطاء هواة كما هو الحال في اللعبة الشعبية الأولى. لذا بدت الحركة اللبنانية حاضرة في أكثر من بلدٍ عربي أخيراً بالنسبة إلى اللاعبين المنتقلين، فسجّل اللاعبون اللبنانيون حضوراً في البحرين والعراق وقطر والسعودية وتونس. هناك في هذه البلدان، وتحديداً بلدان الخليج العربي يجد المدربون في اللاعب اللبناني قيمةً فنيّة مضافة، وذلك بفضل سمعة الأندية والمنتخبات اللبنانية التي كانت متفوّقة في مراحل عدة على نظيرتها العربية. لكن ما يعرفه كثيرون من متابعي كرة السلة في العالم العربي منذ زمنٍ بعيد بأن الأندية لا تدفع رواتب عالية كما كان الحال عليه في لبنان، ما يعني أن اللاعب اللبناني يخرج إلى الاحتراف بعقدٍ أقل من آخر عقدٍ وقّعه مع ناديه المحلي.
وبحسب أحد الوكلاء الفاعلين، تُراوح الرواتب التي يحصل عليها اللاعبون اللبنانيون في الخارج بين الـ 3000 دولار كحدٍّ أدنى والـ 7000 دولار كحدٍّ أقصى، بينما يبدو المعدل الوسطي هو 4500 دولار في الشهر الواحد. أرقامٌ لم يكن ليرضى بها الكثير من اللاعبين أيام كانت كرة السلة الرياضة الأكثر استقطاباً للأموال والأكثر صرفاً بين كل الرياضات. لكن واقع الحال وعدم تفاؤل أي أحدٍ بإمكانية انطلاق البطولة في وقتٍ قريب جعلا حتى المدربين يبحثون عن فرصٍ في الخارج، مفضّلين عدم البقاء عاطلين عن العمل حتى لو حصلوا على راتبٍ لا يتجاوز الـ 1500 دولار كما هو حال أحد المهاجرين منهم!
وتبقى نقطة مهمة في مسألة العقود وهي مدتها الزمنية التي كانت قصيرة بالنسبة إلى كل اللاعبين، باستثناء وائل عرقجي الذي احترف في قطر قبل انتقاله أخيراً إلى تونس، وهو أمرٌ غير مستغرب، إذ كما قال المنطق دائماً بأنه سيصعب على اللاعب اللبناني الاحتراف في أوروبا، وسينحصر طموحه في الخليج فقط، فإن أندية المنطقة هذه والتي رسمت قناعةً بأن اللبناني هو الأجنبي المنشود، قد تكون بدّلت رأيها أخيراً بعد انتهاء عددٍ من التجارب حيث عادت للتوجّه إلى استقطاب الأميركيين وغيرهم من أصحاب المستوى الأعلى.
وبعيداً من استفادة لاعبينا في كرة القدم وكرة السلة، مادياً وفنياً من هذه التجارب في الخارج، فإن القاسم المشترك المؤسف الذي يردّده معظمهم هو عدم نيّتهم العودة إلى لبنان في وقتٍ قريب، فأسوأ ما يمكن أن يعيشه شبان في عزّ عطائهم هو شعورهم بالهجرة داخل وطنهم نفسه، وذلك في ظل تردّي الأزمة في البلاد على مختلف الأصعدة وشدّها الرياضة معها إلى الحضيض.
الاخبار