مجلة وفاء wafaamagazine
تحت عنوان “بعد زوال الوباء… عليكم بالنساء”
كتبت ميليندا غيتس الرئيسة المشاركة لمؤسسة بيل وميليندا غيتس ورئيس مجموعة البنك الدولي ديفيد مالباس”
“لم ينظر صناع السياسات دوماً في الآثار التي تخلّفها الصدمات الاقتصادية على النساء والرجال بصور متعددة، أو في أمر كيفية استجابة الحكومات لتلك الأزمات. وعندما اندلع الركود الاقتصادي الكبير لعام 2008 اهتم القليلون بمدى تأثير تدابير التحفيز المالي على النساء عند المقارنة بالرجال.
وليس من شأن هذا المنهج المتصف بالإهمال أن ينجح مع جائحة ««كورونا» الراهنة. لا سيما مع التحديات الهائلة التي يواجهها القادة، والمتمثلة في إعادة بناء الاقتصادات لما بعد زوال الوباء، حيث ينبغي أن توجد النساء في صميم التخطيط الاستراتيجي لديهم.
كانت النساء، في العديد من البلدان، هن الأكثر تضرراً جراء قرارات الإغلاق العامة ذات الصلة بالوباء الراهن”.
وفي أميركا اللاتينية وحدها، على سبيل المثال، كانت النساء أكثر تعرضاً من الرجال لفقدان الوظائف بنسبة فاقت 50% خلال الشهور الأولى من انتشار الوباء.
تميل النساء بطبيعة الحال إلى الاهتمام بالعمل في القطاعات الأكثر تعرضاً للأضرار في الاقتصاد مثل مبيعات التجزئة أو الضيافة. كما أنهن يعملن في أغلب الأحيان في وظائف غير رسمية، مثل بيع السلع في الشوارع إلى حياكة الملابس في المنازل، تلك المهن التي تفتقر إلى الحماية الاجتماعية اللازمة ولا تتمتع بالإجازات المَرضية مدفوعة الأجر أو التأمينات ضد البطالة. وعندما تلاشت مثل هذه الوظائف من على الخريطة الاقتصادية، فقدت النساء الكثير من شبكة الأمان الاجتماعية التي يمكن اللجوء إليها في أوقات الأزمات.
وعلاوة على ذلك، يمكن لتأثير النساء أن يكون كبيراً للغاية على التعافي الاقتصادي، لا سيما في البلدان ذات الدخل المنخفض أو المتوسط. إذ تعكس دراسات البنك الدولي، على سبيل المثال، أن نصيب الفرد الواحد من الناتج المحلي الإجمالي في دولة النيجر يمكن أن يزيد على نسبة 25% في حالة الإقلال الفعلي من عدم المساواة بين النساء والرجال في فرص العمل.
ما الذي يمكن للحكومات فعله؟ هناك ثلاثة مجالات واسعة النطاق تستحق العناية والاهتمام على أقل تقدير.
أولاً، يمكن للبلدان الإسراع من عملية رقمنة الأنظمة الحكومية لتحديد الهويات الشخصية، ومنصات الدفع الإلكترونية، وغيرها من الخدمات الحيوية الأخرى، وذلك بالشراكة المباشرة مع القطاع الخاص. وفي أغلب الأحيان تكون فئة النساء المهمشات اقتصادياً غير واضحة على رادار الحكومات. وبالتالي من غير المرجح أن يمتلكن هوية شخصية رسمية، أو يكون لديهن هاتف جوال، أو تظهر أسماؤهن في السجلات الاجتماعية الحكومية.
ومع أن هناك أكثر من 200 دولة قامت بصياغة وتطوير تدابير الحماية الاجتماعية للمواطنين في معرض الاستجابة الحكومية لجائحة الوباء الراهنة، بذلت حكومات أخرى الجهود المضنية في العمل على تحديد وتوفير المساعدات اللازمة للعمالة غير الرسمية، الأمر الذي يعني استمرار تجاهل أحوال كثير من النساء في تلك البلدان.
من شأن الأنظمة الرقمية المتقدمة المساعدة في تحديد فئات النساء المعوزات حتى يتسنى لهن الاستفادة من النقود بسرعة وبأمان. ولقد وفّرت التحويلات النقدية المباشرة الموجّهة إلى ملايين النساء في دول من شاكلة إندونيسيا، ونيجيريا، وزامبيا، وصولهن السريع والآمن للأموال مع زيادة مقدار التحكم فيها.
وتسلط التجربة الهندية الأضواء على فوائد سهولة الحصول على الأموال بتلك الطرق. ففي العام الماضي، تمكنت الحكومة الهندية من تحويل تعويضات الإغاثة من الوباء بوتيرة سريعة إلى أكثر من 200 مليون امرأة معوزة ممن لديهن بالفعل البيانات المصنفة حسب النوع مع البنية الرقمية التحتية الجيدة، فضلاً عن امتلاك هؤلاء النساء الحسابات المصرفية الخاصة بهن. كما يمكن للحكومات ضمان التوزيع المنصف للفرص الاقتصادية في البلاد، وذلك من خلال توسيع قاعدة الوصول إلى شبكة الإنترنت، ورفع مستوى الاتصالات بالهواتف الجوالة مع تحسين المهارات الرقمية لدى النساء.
ثانياً، يمكن للحكومات القضاء على عقبات التحاق واندماج النساء بصورة كاملة في اقتصاد البلاد، سواء من زاوية ريادة الأعمال أو كموظفات في الشركات. ففي الاقتصادات التي تشهد أقسى درجات الإغلاق العامة صرامةً بسبب الوباء، كانت الشركات المملوكة للنساء أكثر احتمالاً لمواجهة الإغلاق التام بعشر نقاط عن الشركات المملوكة للرجال. وليس هذا مفاجئاً بحال: إذ تميل الشركات المملوكة للنساء لأن تكون أصغر حجماً، وهي عبارة عن مؤسسات فردية أو مشروعات صغيرة غير رسمية يعمل فيها أقل من خمسة موظفين في أفضل الأحوال.
ومن ثم، فمن شأن تجسير الفجوة بين الجنسين في مجال ريادة الأعمال أن يساعد في الحد من الفقر، وخلق المزيد من فرص العمل، وتحفيز النمو والابتكار. وينبغي على الحكومات استهداف خطوط الائتمان، وأنماط التمويل الأخرى بالنسبة إلى الشركات المملوكة للنساء، مع تعزيز إقامة المنصات التجارية الإلكترونية التي تمكّن رائدات الأعمال من سهولة الوصول إلى الأسواق، مع مساعدة محاضن الأعمال التجارية على تجاوز عقبات التحيز عندما يتعلق الأمر بالاستثمار في الشركات المملوكة للنساء.
كما يحتاج الموظفون كذلك إلى صور متعددة من الدعم. ففي بعض البلدان، ربما يعني الأمر رفع مستويات الأمان في وسائل النقل العامة بالنسبة للنساء حتى يتمكن من الوصول إلى أعمالهن من دون خشية التعرض للتحرش. وفي أماكن أخرى، ينبغي وضع القوانين واللوائح قيد المراجعة للحيلولة دون التمييز ضد المرأة في القوى العاملة الوطنية. ومن شأن جميع البلدان الاستفادة من سياسات الإجازات العائلية المناسبة، والرعاية الجيدة للأطفال المدعومة من القطاعين العام والخاص.
أخيراً، ينبغي على الحكومات الالتزام بضمان توفير التعليم الممتاز للفتيات حتى مراحل التعليم الثانوية على أقل تقدير. وحتى قبل انتشار الوباء الراهن، واجه العالم بأسره أزمة حقيقية في التعلم: لقد كان أكثر من نصف التلاميذ من سن العاشرة في المدارس المنتشرة في البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط لم يستطيعوا قراءة نص أساسي وفهم محتواه.
وجاء وباء «كورونا» المستجد ليزيد من صعوبة الأوضاع لدى الجميع. على الصعيد العالمي، لا يزال أكثر من 800 مليون طالب خارج منظومة التعليم مع كثير من الطلاب الفقراء، لا سيما في المناطق الريفية والنائية، الذين لا يستطيعون الاستفادة من إمكانات التعلم عن بُعد. وفي بلدان جنوب الصحراء الأفريقية الكبرى، انقطع تواصل الطلاب مع العملية التعليمية تماماً في أثناء إغلاق المدارس بسبب الوباء ولنسبة بلغت 45% في بعض البلدان.
كما تواجه الفتيات تحديات إضافية وخاصة بالنسبة للتعلم عن بُعد. فإذا توافر هاتف جوال واحد لكل أسرة، على سبيل المثال، فمن المحتمل أن يُتاح استخدامه للأطفال الذكور أولاً قبل الفتيات، في حين أن أعباء الأعمال المنزلية الكثيرة تَحول بين الفتيات وبين الوصول إلى التعليم المناسب.
يعد التعليم من الأدوات الأساسية ومفتاح الوصول إلى فرص العمل المناسبة في المستقبل، كما يعد منطلق المرأة الرئيسي في الحصول على القوة وامتلاك حق التحكم الكامل على مجريات حياتها.
*الرئيسة المشاركة لمؤسسة بيل وميليندا غيتس
*رئيس مجموعة البنك الدولي
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»